لا يشبه الرئيس الأميركي الخامس والأربعون أسلافه من الرؤساء الأميركيين، لا الديمقراطيين ولا الجمهوريين، لا يشبه جورج بوش الابن ولا الأب، لا رونالد ريغان ولا جيرالد فورد، لا من قريب ولا من بعيد، فهو أضعف كثيرا من ريغان، وأكثر بلها من بوش الابن، وهو أقرب ما يكون بطبيعته الشخصية إلى أن يكون رئيسا أو ملكا شرقيا، عربيا مثلا، فهو شخصية تميل إلى التفرد برأيه ومواقفه، وهو مستعد لأن يكون بطبعه وطبيعته حاكما مستبدا، بكل ما في الكلمة من معنى. 


وترامب لا يبدو أنه ينقلب بالسياسة الأميركية الخارجية خاصة وحسب، بل إنه ينقلب بالنظام الأميركي نفسه، فهو بطبيعته الشخصية، لا يعكس صورة النظام الديمقراطي الأميركي، ذلك أنه لا يظهر أي قدر من التوافق أو التقاطع مع أحد، وهو ربما كان أكثر الرؤساء الأميركيين «أخلاصا ووفاء» لشعاراته الانتخابية، وهذا لا يعتبر ميزة، ذلك أن الشعارات الانتخابية «تتطرف» من أجل إثارة الناخبين لكسب أصواتهم والفوز بنتيجة الانتخاب. 


وترامب رفع شعارات عديدة، منها شعار «أميركا أولا» وهو بترجمة هذا الشعار، عمليا يقوم بقطع أواصر الشراكة مع الآخرين، حيث من الطبيعي أن يرد البريطاني ببريطانيا أولا والألماني بألمانيا أولا وهكذا، ما يعني أن يتم تبديد كل أشكال التجمعات الدولية، أو ذهاب الدول إلى وجهة متعاكسة تماما، مع مسار العصر الحديث، بانغلاق الدول على ذاتها، أو فرض العلاقات والشراكات وفق منطق القوة، أي أن يتم فرض القوي لأرادته على الضعيف والأقوى على الأقل قوة وهكذا، ما ي فتح الباب واسعا لكل أشكال الحروب والصراعات بما في ذلك الحروب العسكرية والاقتتال الدموي. 


ترامب أعلن أن هدفه إنما هو جمع المال من الآخرين فقط، كما لو كان «فتوة» أو «بلطجي» العالم، ولكل شيء عنده ثمن مالي، لا وجود لأخلاق أو قوانين أو نظم، هناك فقط المال، به يشتري ترامب كل شيء، وبه يحصل على كل ما يريد. 


ربما كان لخلفية الرجل قبل أن يدخل عالم السياسة من الباب الواسع، أي من باب البيت الأبيض، ما يوضح طبيعته الشخصية ومفتاح قراراته السياسية المتفردة والعشوائية والغريبة، فالرجل ما هو إلا ثري، تاجر من تجار العقارات، لم يتورع عن فعل كل ما هو خارج عن المألوف، وكل الأخلاق تسقط تحت قدمي المال عند ترامب. 


يجد الرجل إذاً، في المال سببا للقوة الفردية، وهو انسب لأن يكون حاكما مستبدا، لكن بشكل مختلف عن الحاكم الذي يجعل من السلطة سببا للاستبداد، فترامب يجعل من المال مفتاحه لإقامة نظام الاستبداد الخاص به، ولعل أنصع صورة يجد فيها ترامب نفسه وهو يعلن حالة الطوارئ، حتى تنطبق حالته كحاكم مستبد.  


ليس بالضرورة أن يكون حاكما ليكون مستبدا، بل أن يكون ثريا، فالثراء كان سببا لوصوله إلى الحكم، والفقراء عنده ليس من حقهم أن يكونوا أحرارا، ولا أن يتمتعوا بالمواطنة الأميركية، وهكذا بالمال يمكن شراء مقعد الرئاسة، كما يمكن شراء النساء والبشر. 


من هنا فليس غريبا ألا يمضي أكثر من عامين، ليخرج من مركبه الذي يبدو انه في طريقه للغرق، أولا وزير خارجيته ثم وزير دفاعه، ثم أن يخسر حزبه الأغلبية في مجلس النواب، ثم أن تقف الأغلبية الجمهورية نفسها ضده في الكونغرس. 


لا يبدو بأن السياسة الأميركية تدار في عهده وفق منطق المؤسسات، بالطبع بقدر ما تستطيع إدارته الرئاسية وفق الدستور أن تفعل، لكن مثلا من الواضح أن السياسة الخارجية تدار في البيت الأبيض أكثر منها من وزارة الخارجية، كذلك سياسة الدفاع أيضا، والدليل هو أن واحدا من الملفات الخارجية المهمة، وهو ملف الشرق الأوسط، الذي كان منذ ربع قرن يتابع من قبل الخارجية الأميركية، ها هو يدار من قبل مستشاري الرئيس، الذين يتلهون بما يشاع عن « صفقة القرن »، كذلك اتخذ قراره بالانسحاب من سورية ويدير مفاوضات مع طالبان حول أفغانستان، من خارج دائرة الشراكة مع وزارة الدفاع، الأمر الذي دفع قبل وقت وزير الدفاع السابق للاستقالة كما دفع من قبله وزير الخارجية السابق للاستقالة أيضا.
لن يمر كثير وقت حتى لا يجد ترامب لا شريكا ولا حليفا يجلس إلى جواره، سيبقى وحيدا كما هو حال المستبدين، وكريها كما هو حال الأشخاص المنفرين، يقوم بإحاطة نفسه بورق البنكنوت، ودفاتر الشيكات، كما لو كان في سيرك أو ملهى ليلي يجعل من النقود أداة لإحاطته بأهمية زائفة، لذا فإن السؤال هنا قد يكون مفاجئا أو غريبا، ومفاده هو هل تم فحص القوى العقلية للرجل قبل أن يتم قبول ترشحه للانتخابات الرئاسية الأميركية، أم أن هذا ليس شرطا مسبقا لمن يتقدم بالترشح، وإن كان الأمر كذلك، هل يمكن لأحد، حتى لو كان مواطنا عاديا يعيش في مكان ما من هذا العالم، أن يطلب من الجهات المختصة أن تقوم بفحص القوى العقلية للرجل، الذي لو كانت ظنوننا في محلها، ولو بنسبة واحد من ألف، فإن ذلك يعني بأن هناك خطرا حقيقيا محدقا بالكون كله، فترامب على أي حال يمتلك اليوم ليس المال فقط، بل الكود السري الخاص بإعطاء الأمر لنحو ستة آلاف رأس نووي، بالانطلاق، ما يعني فناء الحياة على الكرة الأرضية بأسرها.


لهذا فان تساؤلنا يبدو وجيها وفي محله، حتى لو بدا أنه أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع، ذلك أن احد احتمالات إهماله، أن يكون سببا في دمار الكون، ولعمري إن هذا أمر كفيل بألا ينام كل البشر في كل أنحاء المعمورة، على الأقل حتى يتأكدوا من أن ترامب ليس خرفا ولا معتوها، وليس مجنونا، أو لن تصيبه لوثة في لحظة ما، تكون سببا في خراب الكون. 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد