لقد شهدت العلاقات الدولية تطورات تكنولوجية وإعلامية كبيرة في أخر عشر سنوات، مما نتج عنه استخدام ذلك من أجل التأثير على الاخرين واجبارهم على فعل ما نريد، فأصبحت التكنولوجيا والإعلام جزء من أدوات الدولة التي تحارب الدول الاخرى بها، فمن هنا ظهر مفهوم القوة الناعمة استخدم لأول مرة من قبل المفكر الامريكي جوزيف ناي، وهو ان تستطيع تحقيق ما تريد بدون اجبار وبدون الاستخدام الخشن للقوة، وهذا يعني ان من الممكن للدول التي لا تمتلك جيش كبير وسلاح متطور ان تمتلك القوة مثل دولة قطر التي تمتلك القوة من خلال الجانب الاعلامي وبدون جيش وسلاح.
بما أن فلسطين دولة لا تمتلك جيش كبير ولا أسلحة متطورة ولا تحالفات قوية، فمن الافضل ان تواكب التطور النوعي الذي حصل في العلاقات الدولية وهو استخدام القوة الناعمة، والسؤال هنا ماذا تمتلك فلسطين من أدوات القوة الناعمة، تمتلك عنصرين الاول هو الدبلوماسية الدولية والثاني الجانب الاعلامي، ولا ننكر ان الدبلوماسية الفلسطينية لم يتم استخدامها بالشكل المطلوب ولكن في اخر ثلاث سنوات قامت بتحركات مهمة على المستوى الدولي، ولكن ماذا عن العنصر الاخر وهو الجانب الاعلامي، هل تم استخدامه ليصبح أو يرتقي ان نسميه قوة ناعمة لفلسطين، ماذا يمكن ان نستفيد من الاعلام لتعظيم القوة الفلسطينية.
نحن شعب اصحاب حق ونتعرض للظلم الكبير والقتل والذبح والحصار والاستيطان والتهويد والعقاب الجماعي، من السهل جدا لأي عاقل ان يتعاطف مع قضية فلسطين كونها قضية عادلة، ولكن لماذا لا يحدث ذلك، لماذا لا يقف العالم كله ضد اسرائيل وضد ممارساتها، السبب واضح وهو عدم وصول القضية الفلسطينية لهذا العالم، عدم وصولها للرأي العام العالمي او حتى العربي والاسلامي، فهل يقبل اي شعب حر بان يتعرض الفلسطينيين لهذا الظلم العنصري بالطبع لا يقبل، اذاً التقصير الاعلامي كبير.
تمتلك فلسطين مقومات مهمة من شأنها ان تبني قوة اعلامية:
اولا: كادر بشري اعلامي كبير في فلسطين واصبحت غالبية الجامعات والكليات تقوم بتدريس الصحافة، وهناك آلاف الخريجين من أقسام الصحافة والعلاقات الدولية والعلوم السياسية، لماذا لا يتم استيعابهم في بناء قوة اعلامية فلسطينية، واغلبهم يقبل بالعمل متطوع اذا لم يكن هناك ميزانية تكفي لهذا المشروع.
ثانيا: تمتلك فلسطين مترجمين لأغلب اللغات العالمية وخاصة الانجليزية والفرنسية وهناك خريجين لا يجدون عمل، يمكن الاستفادة منهم في نقل المواد الإعلامية الى اللغات الاجنبية الاخرى وتحقيق اكبر قدر ممكن من التوسع والانتشار العالمي.
ثالثا: نمتلك قضية عادلة ندافع عنها، فعندما يشعر الجمهور والرأي العام العالمي انه يتابع قضية عادلة فأنه بالتأكيد سوف يتابعك باهتمام، وستحصد أكبر عدد من المتابعين لهذه الصحافة وبالتالي يزداد الاعلام الفلسطيني قوة لتحقيق أقصى درجات التعاطف والتأييد للقضية الفلسطينية.
رابعاً: نمتلك قضايا اعلامية كثيرة لطرحها، فالإعلام سوف يتم تغذيته يوميا بقضايا ومواد جديدة فنحن في حرب مفتوحة مع العدو سواء سياسيا او اقتصاديا او استيطان وتهويد وحصار، فهناك كم كبير من القضايا الحساسة والمهمة سوف تزيد الاعلام قوة وتحافظ على بقائه.
رغم هذه المقومات إلا ان الاعلام الفلسطيني ما زال متقوقع لا يخرج الى الفضاء العالمي، وما زال يراوح مكانة، يمكن توحيد الجهود الإعلامية معاً لنصرة القضية الفلسطينية عالميا، يمكن تأسيس محطات ومواقع الكترونية وصحف ومجلات لتنتشر على نطاق واسع، لا نريد من الإعلام الفلسطيني القفز قفزة واحدة الى الشهرة العالمية، ولكن يجب التفكير جديا في الخروج من الغلاف المحلي لفلسطين، يمكن ان يبدأ بالخروج عربيا ويتابع التقدم ليصل الى العالم الاسلامي ومن ثم دول اوروبا ويستمر في التوسع تدريجيا، ومن الضروري ان يتم وضع خطة طويلة الامد لهذا التطور والتوسع التدريجي.
وعندما نفكر جديا في التوسع لا بد من اكتساب خبرات عالمية في الاعلام والصحافة والاعلام الجديد وسائل التواصل الاجتماعي، فمن الواجب على اقسام الصحافة في الجامعات والكليات الفلسطينية ان تزود طلابها بخبرات عالية حتى لو اطر الامر استدعاء صحافيون اجانب، فهي لا تقوم بالتدريس مجانا، فهناك جانب من المسؤولية يقع على عاتق الكليات والجامعات التي تقوم بتدريس الصحافة، لماذا لا يتمتع خريجون جامعاتنا بقدرات عالية وخبرات جيدة في المجال الاعلامي، يجب تطوير منهاجهم الدراسية ومواكبة التطور الاعلامي العالمي، وبناء نهضة اعلامية فلسطينية.
ونحتاج لبناء قوة اعلامية لقرار سياسي يوجه ويسيس الإعلامي الفلسطيني ويرسم له طريقة واهدافه التي يجب ان يسير عليها، وهذا الامر يحتاج ايضا الى موازنة من الدولة للقيام بتنفيذ المشاريع العملاقة في نتائجها؛ القليلة في تكلفتها، لأننا نمتلك اغلب المقومات التي تمكننا من الوصول الى الرأي العام العالمي، وتبقى مشكلة التمويل تحتاج الى ارادة سياسية من قبل القيادة الفلسطينية.
وعادة فأن هذا الموضوع يعتبر موضوع نضالي جزء من المقاومة، ويجب على التنظيمات الفلسطينية دعم هذا المشروع، بدلا من دفع تكاليف باهضه في أمور لا تعود بالنفع على القضية الفلسطينية، وبدلا من تمويل اعلام حزبي يبث على مدار الساعة سموم تزرع الانقسام والاختلاف في ثقافة المواطنين، لماذا لا يتم تحويل النضال والكفاح على الصعيد الاعلامي، على الاقل لا يعود بالضرر والنكبات على الشعب الفلسطيني، بل على العكس يحقق نفعاً لفلسطين.
فلسطين بحاجة ماسة الى قوة اعلامية تساندها في تحقيق الحلم الفلسطيني بإنهاء الاحتلال والحصول على الحقوق الفلسطينية وبناء الدولة المنشودة المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، عندما قال الرئيس الفلسطيني اسرائيل لن تعطينا شيء الا بقرار دولي، فأنه بهذه الكلمة يدعو الجميع ان يكافح بطريقته للحصول على قرار دولي، وأهم من يستطيع دعم القيادة الفلسطينية في هذا المجال هو الاعلام، لذلك يجب القيام بنهضة اعلامية تكون بحجم هذه القضية العظيمة والعادلة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية