أثناء متابعتي لوسائل الإعلام العربية، حول مؤتمر وارسو الذي دعت إليه الولايات المتحدة أكثر من سبعين دولة للمشاركة في أعماله، فوجئت أن ليس هناك أية أخبار، أو مقالات تتعلق بهذا المؤتمر في هذه الوسائل باستثناء الشق الإيراني منه. أكثر من ذلك، لاحظت أنها تجاهلت تماماً تقريباً، التعليق على ما جاء في خطاب الرئيس الأميركي حول «وضع الاتحاد» الأسبوع الماضي، والذي كرر فيه موقفه إزاء الملف الفلسطيني الإسرائيلي، مؤكداً مواصلة سياسته المنحازة بالمطلق للعدوان الإسرائيلي، واكتفى بعضها بتناول ما جاء في هذا الخطاب حول إيران، وبالمقابل، وفي نفس الفترة، تنشر «نيويورك تايمز»، مقالاً للناشطة الحقوقية ميشيل الكسندر، تنتقد فيه السياسة الأميركية ضد فلسطين تحت عنوان «آن الأوان لكسر الصمت حول فلسطين» داعيةً المجتمع الدولي إلى التحدث بشجاعة ضد الظلم الخطير في العصر الحديث الذي تتعرض اليه القضية الفلسطينية، وضرورة تسليط الأضواء على ما يعانيه الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي، وفي ذات الوقت تعرقل إدارة ترامب القرار الدولي الذي يعترض على طرد المراقبين الدوليين في مدينة الخليل.
الاختراق الوحيد الذي عثرت عليه في وسائل الإعلام العربية، جاء في نشر كلمة رئيس البرلمان العربي في مؤتمر البرلمان العربي للقيادات العربية الذي عقد أولى جلساته أمس ـ السبت ـ الذي اعتبر قضية فلسطين هي قضية العرب الأولى، وضرورة التصدي للاحتلال الغاصب للأراضي العربية، في فلسطين وجنوب لبنان وسورية، وإقرار حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس .
وبينما تعلن وزارة الخارجية الأميركية، أن هدف مؤتمر وارسو الأساسي، تنظيم وحشد المجتمع الدولي ضد إيران، إلاّ أن تسريبات من قبلها أشارت إلى أن الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، سيكون أحد الملفات الهامة التي سيتناولها المؤتمر، وأن هناك أكثر من احتمال أن يضع وزير الخارجية الأميركي، وغرينبلات المشاركين في صورة « صفقة القرن » الأميركية، مع احتمال إعلانها في المؤتمر، مع أن مصادر أميركية رجّحت الإعلان عن هذه الصفقة بعد ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية.
وبطبيعة الحال، فقد رفضت فلسطين، التي تلقت دعوة للمشاركة بهذا المؤتمر، إذ اعتبرته مؤامرة أميركية تستهدف النيل من استقلالية المشاركين بالمؤتمر السيادية، بعدما أعلنت إدارة ترامب منذ يومها الأول الحرب على القضية الفلسطينية وعلى قرارات الشرعية الدولية وتنكّرها لالتزاماتها حيال الاتفاقيات الدولية الموقعة بضمانها، وبالتالي فإن فلسطين لن تتعامل مع أي مخرجات لمؤتمر «وارسو».
إن دعوة عدة دول عربية، من بينها مصر والإمارات والبحرين والسعودية والأردن والمغرب، للمشاركة في أعمال المؤتمر الذي قال عنه غرينبلات إنه ليس للمفاوضات ولكن للنقاشات، تجسد الأهداف الحقيقية وراء مثل هذه الدعوة إذا ما علمنا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، سيكون من أبرز المشاركين في هذا المؤتمر، وعليه من المرجّح، بل بات من المؤكد، أن أحد أهداف هذا المؤتمر، إجراء حوارات ثنائية وربما جماعية بين نتنياهو، وممثلي الدول العربية المشاركة في المؤتمر، ما يشكل انتقالة بالغة الخطورة في ملف التطبيع وانقلاباً منظماً على «المبادرة العربية».
ويأتي في سياق الاستهدافات الأميركية من وراء عقد مؤتمر وارسو التقدم خطوة أساسية نحو إقامة ما يسمى بحلف ناتو عربي ـ إسرائيلي، يهدف إلى محاصرة إيران من جهة، وتصفية القضية الفلسطينية وتكريس الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وسورية ولبنان، وإيجاد حاضنة عربية لصفقة القرن الأميركية.
ولولا انصياع بعض الزعامات العربية للإرادة الأميركية في ظل إدارة ترامب، لما أمكن للبيت الأبيض أن يعلن عن زيارة سيقوم بها كبير مستشاري البيت الأبيض غاريد كوشنر، ومبعوثه للتسوية في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، إلى خمس دول عربية، سلطنة عمان والبحرين والسعودية والإمارات وقطر، أواخر الشهر الجاري، أي بعد أيام من عقد مؤتمر وارسو، وذلك، وحسب البيت الابيض، لاطلاع قادة هذه الدول على الشق الاقتصادي من «صفقة القرن»، بهدف دعم هذه الصفقة، وكأنما هناك إشارة واضحة الى أن الشق السياسي، الذي تم تداوله بمباحثات ثنائية، من خلال الاجتماعات والمراسلات الدبلوماسية، إضافة إلى النقاشات التي من المفترض أن تجري في مؤتمر وارسو، قد حسمت هذا الشق، أي الشق السياسي، وان الأمر يتطلب تفاهمات حول الدعم المادي في سياق الشق الاقتصادي لـ»صفقة القرن»، من قبل هذه الدول.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية