قبل أكثر من أسبوعين بقليل تنادت مجموعة من الشخصيات الفلسطينية ضمت وزراء وأعضاء مجلس تشريعي سابقين وقيادات وازنة في الحركة الوطنية وأكاديميين شخصيات اعتبارية للبحث في فكرة إنشاء جسم فلسطيني اتفق على تسميته "منتدى الحرية والسلام"، والفكرة في الأساس نبعت من غياب مؤسسة فلسطينية شعبية جامعة تهتم بموضوع السلام باعتباره أولوية فلسطينية وضرورة قصوى للشعب الفلسطيني الذي يعاني من الاحتلال والقمع ومصادرة حقوقه الوطنية والإنسانية. وبعيداً عن المطالبات التي كنا نسمعها من حركات السلام في إسرائيل والعالم بضرورة أن تكون هناك حركة سلام فلسطينية تمثل قطاعات واسعة من الجمهور الفلسطيني الذي يؤمن إيماناً قطعياً بالسلام، فقد كانت الحاجة الفلسطينية لمثل هذا التجمع هي الأساس في دفع القائمين على الفكرة للتحرك والبدء بتشكيل هذا المنتدى.


نحن نختلف عن الإسرائيليين في بحثنا عن السلام، فما تقوم به نخبة من المؤيدين للسلام في إسرائيل يعتبر أشبه بترف، ينظر له في كثير من الأحيان على أنه زائد ولا حاجة له، فإسرائيل من وجهة نظر الغالبية فيها لا تشكو من غياب السلام، وربما هناك من يشعر بأنه لا حاجة له في هذه المرحلة، لأن الإسرائيليين يعيشون حياة اقتصادية- اجتماعية مرفهة وسياسية مستقرة، حتى المشاكل الأمنية تستطيع الدولة التعايش معها في ظل العقلية التي خلقها الخطاب السياسي المتطرف والتي بنيت على فكرة أن اليهودي مطارد ومستهدف، وأن السلام والانسحاب من الأراضي المحتلة سيشكل خطراً على إسرائيل، عدا عن الادعاءات الأيدولوجية الكاذبة بملكية أرض فلسطين. 


وهذا على خلاف الفلسطينيين الذي بالنسبة لهم يمثل السلام، المبني على أساس العدل النسبي والقائم على مبدأ إقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة منذ عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وحل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، قضية جوهرية ووجودية، وهي لا تمثل نوعاً من العمل الزائد أو النخبوي المترف. وإذا كان لدى الإسرائيليين حركة سلام نخبوية من منطلق حرص كوادرها على مستقبل إسرائيل في ظل استمرار الصراع، فشعبنا كله ينخرط في البحث عن السلام والنضال من أجله بشتى السبل والوسائل. ونحن عندما نسعى للسلام فنحن لا نخدم مصلحة إسرائيل او نعمل لها معروفاً بقدر ما نخدم مصلحتنا الوطنية. من هنا تكمن أهمية تعزيز فكرة السلام كحاجة ومصلحة وطنية عليا.
و"منتدى الحرية والسلام" الذي يعلن عنه اليوم، يجسد فكرة البحث عن الحرية والاستقلال لشعبنا التي على أساسها يصبح السلام ممكناً ومعقولاً. وهو من المفروض أن يعمل على ثلاثة مستويات: المستوى الأول هو المستوى الوطني. وفي هذا السياق لابد ان ينشغل المنتدى بتعزيز قيم الديمقراطية والعدالة وبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية على أسس صحيحة لتحظى باحترام المجتمع الفلسطيني وتعبر عن مصالحه وتلبي حاجاته، وفي نفس الوقت تقنع كل الأطراف الداخلية بجدية شعبنا في بناء دولته التي ينبغي لها أن تكون ديمقراطية وعصرية ومتطورة، تساهم في استقرار وأمن المنطقة والعالم. كما يتوجب على المنتدى كذلك تكريس قيمة السلام باعتبارها قيمة إنسانية عظيمة وحاجة لنا، وليس تنازلاً أو خدمة للأعداء أو تطبيعاً معهم وتنازلاً عن المصالح الوطنية، طالما أن السلام مرتبط بحقوقنا ويأتي لاحقاً لتحقيقها. والتركيز هنا من المفروض أن يكون على قطاع الشباب على وجه الخصوص وبالذات القيادات الشابة الواعدة التي ستحتل المواقع القيادية في الفترة القادمة.


والمستوى الثاني هو الإسرائيلي، والذي لابد من توجيه رسالة قوية له تقول إن كل الأكاذيب التي يروجها اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو والتي يزور فيها مواقف الشعب الفلسطيني وقيادته باعتباره يرفض السلام ويريد تدمير إسرائيل، هي غير صحيحة ولا تعكس الموقف الفلسطيني الحقيقي. وموقفنا الذي عبرت عنه منظمة التحرير واضح وقاطع بأننا نريد أن نعيش بسلام وأمن أكثر من أي شعب آخر في العالم، لأننا نحن من يعاني من الاحتلال وغياب السلام والعدالة. وفي هذا الإطار يجب مخاطبة كل أطياف المجتمع الإسرائيلي بهذه الرسالة التي لا يختلف عليها الفلسطينيون بغض النظر عن مشاربهم الفكرية والأيدولوجية، وحتى لو اختلفوا حول الوسائل والأدوات لإيصال هذه الرسالة. ويجب التأكيد هنا على توثيق التعاون مع شركائنا الإسرائيليين المؤمنين بالسلام وكل منظمات ومؤسسات السلام هناك، ومع أبناء شعبنا المواطنين في دولة إسرائيل والذين ينبغي أن يكونوا جسراً للسلام بين إسرائيل وشعبهم الذي يعاني وهم بدورهم يعانون من استمرار الاحتلال والصراع.


أما المستوى الثالث والأخير فهو الحلبة الدولية. وهنا يأتي دور الدبلوماسية الشعبية. فالمنتدى يمثل حالة شعبية وازنة ومؤثرة يمكنها أن تساعد المستوى الرسمي وتكمل جهوده في التأثير على قطاعات مهمة من الرأي العام الدولي، بدءاً بالممثليات الأجنبية لدينا ومروراً بالبرلمانات والأحزاب والقوى السياسية وانتهاءً بمنظمات المجتمع المدني والاتحادات الشعبية المختلفة على مستوى العالم. وما يمكن أن يقدمه المنتدى في هذا السياق هو مساهمة مهمة في الشرح والترويج للمواقف الفلسطينية ودحض وتكذيب الرواية الإسرائيلية التي تجد آذاناً صاغية في مختلف أرجاء الكون مدعومة بآلة إعلامية ضخمة وأموال تضخ في سبيل نشر وتكرار الموقف الإسرائيلي الذي يغير الحقائق ويبرر استمرار الاحتلال والعدوان وينكر وجود الشريك الفلسطيني للسلام.


وإذا كتب لهذه الفكرة النجاح واستطاعت بجهود المخلصين التطوعية أن تخترق الجدران التي يحاول أعداؤنا بناءها من حولنا، فهذا سيكون تفكيراً فلسطينياُ مبدعاً وخلاقاً للمساهمة في تغيير الواقع بدءاً من التأثير على الرأي العام الإسرائيلي، بما في ذلك واقعنا الداخلي الذي ينبغي أن يتحول من البكائيات ولوم العدو والعالم على ما يجري لنا إلى عمل حقيقي وواقعي يحقق تغييراً في الاتجاه الصحيح، وصولاً إلى تحقيق أهدافنا وطموحاتنا الوطنية العادلة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد