بشارة: أموال المقاصة ليست حسنة من إسرائيل والتركيز على استعادتها
رام الله / سوا/ يبدو أن السلطة الوطنية مصممة هذه المرة على عدم ترحيل الأزمة ومواجهتها كاملة بسبب حجز إسرائيل للمستحقات الضريبية الفلسطينية، والتي أدت إلى عجز الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها، خصوصا تسديد الرواتب وأشباهها عن شهر كانون الأول الماضي رغم مرور أكثر من أسبوعين على استحقاقها، والتركيز على استعادة هذه المستحقات، بما في ذلك حشد الضغوط الدولية واللجوء إلى القضاء الدولي لإلزام إسرائيل بالإفراج عن هذه الأموال، وكف يدها عنها مستقبلا.
مع انتظام تحويل عائدات المقاصة، وهي عبارة عن جمارك ورسوم تجبيها إسرائيل نيابة عن السلطة على المشتريات الفلسطينية من السوق الإسرائيلية أو وارداتها عبر إسرائيل مقابل عمولة بنسبة 3%، فإن الخزينة الفلسطينية كانت تعاني، على الرغم من المنح والمساعدات الخارجية، من عجز بحوالي 120-130 مليون دولار شهريا (حوالي 400 مليون شيقل)، وعلى الأغلب كانت تغطى بتسهيلات وقروض بنكية والتأخر في تسديد الالتزامات تجاه صندوق التقاعد، ومع حجز عائدات المقاصة، التي تشكل 70% من الإيرادات العامة، فإن السلطة دخلت في وضع مالي حرج للغاية، مع هامش ضيق لا يتسع لتعويض فقدان هذه النسبة الكبيرة من الدخل.
وقال وزير المالية شكري بشارة إن حجز إسرائيل لمستحقاتنا من عائدات المقاصة معناه توجيه ضربة مدمرة للاقتصاد الفلسطيني. فبالنظر إلى نسبتها من إجمالي الإيرادات، فإن حجزها يسبب ضررا يطال مختلف الشرائح والقطاعات: الموظفين، والأسر المستفيدة من شبكة الأمان الاجتماعي، والقطاع الخاص، والبنوك، وحتى الدكاكين الصغيرة تلقت ضربة بهذا الإجراء الباطل، والمخالف للاتفاقات الثنائية والقوانين الدولية".
أزمة مزمنة
ويقر بشارة، كمن سبقه من وزراء المالية، بأن السلطة دوما تعاني من ضائقة مالية، وتتدبر أمورها شهرا بشهر ويوما بيوم، وبهذا المعنى، فإن أي تطور سلبي، سواء لجهة نقص الإيرادات كما يحصل عادة عندما تحتجز إسرائيل العائدات الضريبية، وهو إجراء تكرر عدة مرات منذ عام 2002، أو عندما يطرأ وضع يستدعي مصاريف إضافية كما حصل عقب الحربين الأخيرتين على قطاع غزة ، لكن يصر وزير المالية على أن "أي مصاريف إضافية يجب أن تكون وفق رؤية واضحة، وليس ارتجاليا".
وردا على سؤال بشأن السيناريوهات المتاحة أمام وزارة المالية لصرف رواتب الموظفين، الذين يعيلون نحو 1.3 مليون مواطن، خصوصا في ظل غياب أي مؤشرات لتراجع قريب للحكومة الإسرائيلية عن إجرائها حجز المستحقات الضريبية، قال بشارة: كوزارة مالية، هناك دائماً سيناريوهات وواجبنا الوطني دراسة هذه السيناريوهات والضغط على الحكومة الإسرائيلية للإفراج عن مستحقاتنا، نحن على تواصل مع المجتمع الدولي، وهناك فعلا ضغوط جدية من عدة أطراف على طليعتها مصر والاتحاد الأوروبي ونوعاً ما الولايات المتحدة في هذا الاتجاه نأمل أن تتكلل بالنجاح. كذلك قمنا بمخاطبة الحكومة الإسرائيلية رسميا بضرورة الإفراج عن مستحقاتنا، وسنلجأ أيضا إلى القضاء، سواء الإسرائيلي أو الدولي. فهذه أموالنا وليست حسنة من إسرائيل، وهي تتحمل مسؤولية التداعيات الاقتصادية لهذا الإجراء المجحف وغير المبرر.
وأضاف: نحن أساساً جهة فنية نقدم المشورة الفنية ولكن القرارات تُؤخذ من قبل القيادة السياسية وأي قرارات مؤقتة ستكون قرارات تتخذها القيادة.
في ظروف مماثلة حدثت بالسابق، كانت الحكومة تواجه حجز إسرائيل للمستحقات الفلسطينية من الضرائب، تزامنا مع استمرار الضغط لإلزام إسرائيل بالإفراج عن هذه الأموال، بصرف الرواتب، دفعة واحدة أو على مراحل، بتمويل من الجباية المحلية واقتراض من البنوك وما يتوفر من منح ومساعدات، خصوصا مساهمات بعض الدول في شبكة الأمان العربية، لكن الحكومة، وخصوصا وزارة المالية، ترى هذه المرة أن مثل هكذا سيناريو من شأنه تخفيف الضغط على الحكومة الإسرائيلية، وبالتالي فإن الجهود يجب أن تبقى منصبة في اتجاه الإفراج عن هذه المستحقات "فهي أموالنا ولا يحق لأحد استغلالها لممارسة ضغوطات سياسية"، قال بشارة.
وأضاف: نحن بالكاد نجحنا بخفض المديونية عموما، ولو بشكل بسيط بحوالي 200 مليون دولار، بما في ذلك المديونية للبنوك. إن أي اقتراض لسداد الرواتب سيكون ضارا للاقتصاد على المدى البعيد، وأيضا سيكون على حساب القطاع الخاص. نحن أصلا نقترض لسد الفجوة التمويلية حتى في ظل انتظام تحويل العائدات الضريبية من قبل إسرائيل، وهذه الفجوة تتراوح بين 120 و130 مليون دولار شهريا، كذلك، وأشار إلى أننا نأمل بتفعيل شبكة الأمان العربية خصوصا، والمساعدات الدولية عموما، وحتى لو كان هناك رهان، فإن شبكة الأمان العربية قيمتها 100 مليون دولار شهريا ولا يصل منها إلا القليل، ومع احتجاز عائداتنا الضريبية فإننا بحاجة إلى 260 مليون دولار شهريا، من سيدفع هذه الأموال؟ أكرر مرة أخرى: تركيز الضغط يجب أن ينصب على إسرائيل لإلزامها بالإفراج عن مستحقاتنا.
المنحة السعودية
خلال الأيام القليلة الماضية، أعلن عن تحويل دفعات متفاوتة لخزينة السلطة من دول عربية وأجنبية، وعلى قلتها، فإنها اذكت أملا، ولغطا، بين صفوف الموظفين بشأن قرب صرف الرواتب، وكان ابرز هذه المساعدات من السعودية بقيمة 60 مليون دولار.
وبهذا الخصوص، قال بشارة، إن المساعدة السعودية هي مساهمة المملكة في شبكة الأمان العربية عن ثلاثة أشهر (تشرين أول، وتشرين ثاني، وكانون أول من عام 2014)، وهي صرفت فعلا في وقتها لتمويل الرواتب عن تلك الأشهر بتسهيلات قصيرة الأجل، قدمتها البنوك بضمان وصول المساعدة السعودية خلال فترة قصيرة، وهو إجراء تلجأ إليه الحكومة عادة عند التأكد من قرب تحويل مساعدة من جهة مانحة، فيما يسمى بقروض تجسيرية لتجاوز مشكلة تأخر وصول الحوالات من الدول المانحة عن موعد استحقاق التزامات الحكومة، وبالتحديد رواتب الموظفين.
الوضع المالي
المقاصة بشكل عام، نصفها يأتي من الجمارك والضرائب على المحروقات الموردة للهيئة العامة للبترول من قبل مورد إسرائيلي، والنصف الآخر يدفعها المستورد الفلسطيني مسبقا على السلع التي يشتريها من السوق الإسرائيلية أو ما يستورده عبرها، وفي المحصلة يدفعها المواطن الفلسطيني بإضافتها على سعر السلعة النهائي للمستهلك، وهي بالمجمل تشكل نحو 70% من إجمالي الإيرادات العامة للسلطة.
وفق بيانات شهر تشرين الثاني الماضي، بلغ إجمالي الإيرادات العامة 796 مليون شيقل (حوالي 207 ملايين دولار بمعدل سعر صرف 3.85 شيقل للدولار)، يضاف إليها حوالي 80 مليون دولار مساعدات ومنح خارجية، ليصل مجموع الإيرادات مع المنح 287 مليون دولار (حوالي 1.1 مليار شيقل بنفس معدل سعر الصرف المعتمد).
في الجانب الآخر، فقد بلغ إجمالي الإنفاق في نفس الشهر (تشرين الثاني 2014 وهو آخر شهر استوفت وزارة المالية البيانات الخاصة به اللازمة لإعداد التقرير الشهري عن عملياتها المالية)، حوالي 1.37 مليار شيقل، منها 800 مليون شيقل رواتب وأشباهها (650 مليون شيقل رواتب و150 مليون شيقل مخصصات شهرية كأشباه رواتب وحالات اجتماعية، والسفارات والممثليات الفلسطينية في الخارج، والصندوق القومي، ومخيمات اللاجئين في دول الشتات خصوصا لبنان)، وفاتورة الرواتب وأشباهها تستأثر بكامل الإيرادات المحلية (المقاصة والجباية المحلية) بنسبة 100% و60% من إجمالي الموازنة، ولا يتبقى لباقي النفقات سوى الـ80 مليون دولار (حوالي 308 ملايين شيقل) قيمة المنح والمساعدات الخارجية التي وردت فعلا لحساب الخزينة، ما يعني وجود عجز بحوالي 270 مليون شيقل، تم التعامل معها بتسهيلات بنكية وبتأخير مستحقات القطاع الخاص، ومع فقدان عائدات المقاصة فإن العجز في شهر كانون الأول يرتفع إلى مستوى لا يمكن التعامل معه بأي وسيلة تقليدية متاحة، بما في ذلك تعويضه بمنح ومساعدات خارجية، علما أن الفجوة التمويلية في شهر تشرين الثاني الماضي كانت أقل من المعدل الشهري لهذه الفجوة على مدى عام 2014، البالغة نحو 400 مليون شيقل (120-130 مليون دولار بحسب وزير المالية).
وقال بشارة "إن تغطيتها كانت تتم بعدة طرق "اقتراض من البنوك، وتأخير مستحقات القطاع الخاص، ووقف تسديد صندوق التقاعد، إضافة إلى التزامات أخرى علينا أن نعطيها أهمية".
من إجمالي 156 ألف موظف عسكري ومدني على ملاك الحكومة، هناك حوالي 62 ألفا منهم في قطاع غزة (26 ألف مدني و36 ألف عسكري)، ومن إجمالي 105 آلاف أسرة تتلقى دخلا معلوما شهريا (ما يعرف بأشباه الرواتب)، 70% منها في قطاع غزة، وبتحمل وزارة المالية لكامل فاتورة الطاقة لقطاع غزة من دون توريد أي مبالغ تقريبا، فإن الإنفاق الحكومي في قطاع غزة يتجاوز 47% من إجمالي الموازنة العامة. قال بشارة.
المديونية
على الرغم من الظروف المالية الصعبة، والمزمنة، التي تواجهها السلطة الوطنية، فإن وزارة المالية حافظت على مديونية مستقرة بخفض قليل بمقدار 200 مليون دولار، لتصل في نهاية شهر تشرين الثاني الماضي، بما في ذلك ديون الهيئة العامة للبترول وهيئات حكومية أخرى، إلى حوالي 4.65 مليار دولار مقارنة مع حوالي 4.8 مليار دولار في بداية عام 2014.
وعزا بشارة هذا الانخفاض في المديونية إلى تقليص النفقات بأقصى حد ممكن، خصوصا في المشتريات التي تقلصت إلى الحد الأدنى خلال عام 2014، إضافة إلى زيادة في الإيرادات عن المستوى المتوقع في الموازنة العامة.
في التفاصيل، وبحسب وزير المالية، فإن مديونية البنوك بلغت في نهاية شهر تشرين الثاني بلغت حوالي 1.147 مليار دولار، مستحقات القطاع الخاص حوالي 530 مليون دولار، ومستحقات صندوق التقاعد حوالي 1.6 مليار دولار، فيما بلغ الدين الخارجي حوالي مليار دولار.
في الجانب الآخر، فقد حققت الإيرادات الفعلية زيادة بنسبة 10% عن المتوقع في الموازنة، لترتفع الجباية المحلية من نحو 150 مليون شيقل شهريا إلى حوالي 200 مليون شيقل، كما ارتفعت عائدات المقاصة من حوالي 350 مليون شيقل شهريا حتى أواخر عام 2013 إلى حوالي 500 مليون شيقل في عام 2014 بعد الاقتطاعات الإسرائيلية لصالح موردي الخدمات الإسرائيليين (كهرباء، ومياه، وخدمات صحية.. الخ)، وفي شهر تشرين الثاني الماضي وصلت إلى 584 مليون شيقل.
وقال بشارة "زيادة الإيرادات وترشيد الإنفاق عوض ولو جزئيا النقص في المساعدات الخارجية، ومكننا من الحفاظ على استقرار المديونية، وحتى تخفيضها".
وأضاف: كانت رؤيتنا زيادة القاعدة الضريبية، مع تجنب زيادة الضرائب بل وتخفيضها إلى حد ما، إضافة إلى إصلاحات أخرى كترشيد دعم المحروقات الذي كان يصل إلى حوالي مليار شيقل سنويا تشكل 15% من العجز، حيث انخفض هذا الدعم بمقدار 50– 60 مليون شيقل شهريا، وإلغاء الدعم للتبغ المحلي، ووقف الهدر قدر الإمكان في فاتورة التحويلات الخارجية التي كانت تصل إلى 40 مليون شيقل شهريا، وخفض الفوائد على القروض والتسهيلات.
وتابع: هذا مكننا من الابتعاد عن الاقتراض من البنوك، وتسديد القطاع الخاص قدر الإمكان، رغم أن المساعدات الخارجية في العام 2014 انخفضت بنسبة 30% إلى مليار دولار كما في نهاية شهر تشرين الثاني، من 1.3 مليار دولار المساعدات المقدرة في الموازنة العامة.
وقال بشارة "في ظل هذا الواقع، وباستحواذ عائدات المقاصة على 70% من دخل السلطة، فإن حجزها من قبل إسرائيل يعني أنها تسعى إلى تقويض والنيل من الاقتصاد الفلسطيني. التزاماتنا لا تنحصر بالرواتب، وإنما هناك التزامات لموردي السلع والخدمات للسلطة من القطاع الخاص، وهناك مؤسسات ووزارات، كالصحة والتعليم والداخلية، بحاجة إلى نفقات تشغيلية للحفاظ على قدرتها على تقديم الخدمات للمواطنين، ناهيك عن أن الرواتب محرك أساسي للسوق. حجز هذه العائدات يؤذي الموظفين والبنوك والقطاع الخاص بمجمله. الدورة الاقتصادية كلها تأثرت نتيجة إجراءات غير قانونية وغير منطقية. والمطلوب تركيز المجتمع الدولي يجب أن ينصب في اتجاه الإفراج عن هذه المستحقات فوراً".
المصدر/ وفا