ليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن بيروت هي الخيار الأفضل لعقد القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية، إلاّ إذ كان السبب يعود إلى تهرب عواصم المال العربي حتى لا تتحمّل أي مسؤولية لضمان نجاح القمة.


ربما كانت هناك أسباب أخرى لاستبعاد انعقاد القمة الاقتصادية الرابعة مثل تدهور الأوضاع الأمنية في عديد الدول العربية، لكن التهرب من المسؤولية يصل إلى حد غياب العدد الأكبر من الرؤساء ورؤساء الحكومات العربية.


ولكن ربما، أيضاً، يمكن إضافة سبب آخر يتعلق بعدم المراهنة على الاجتماعات العربية العامة، من حيث الجدوى، فيما يمكن المراهنة على العلاقات الثنائية وبعض التكتلات ذات الطابع السياسي والأمني. غير أن بيروت التي تضج بالميليشيات المسلحة والأحزاب، والطوائف وعدم الاستقرار الحكومي، والمخلفات الثقيلة لنتائج الحرب الإسرائيلية على لبنان العام 2006، وتفاقم مستويات المعيشة والفقر، هي مكان يمتاز بتجربة فريدة، من حيث الديمقراطية والحريات، وغنى التنوع الطائفي وحكمة السياسة.


بيروت التي يخرج فيها الناس بدعوة من الحزب الشيوعي، احتجاجاً على الغلاء الفاحش، وسوء الأحوال المعيشية في البلاد، تستقبل القمة بيافطات كتب عليها «التطبيع خيانة»، و القدس كلها عاصمة فلسطين. لا نستبعد بالتأكيد أن هذا الاستقبال يحرج بعض العرب المهرولين نحو تطبيع علاقاتهم بإسرائيل، وخوفهم من أن يتعرضوا لاعتداءات، أو احتجاجات شعبية بسبب تلك السياسة. 


ولأن لبنان الذي تعرض إلى حروب وعدوانات إسرائيلية متكررة كان من أبشعها عدوان 1982، الذي أدى إلى احتلال عاصمتها بيروت، لأن لبنان رغم أوجاعه وآثار الدمار الظاهرة في كل مكان، هو لبنان المقاوم، رغم أنه لبنان الطائفية، فإنه من بين قليل البلدان العربية التي لم تتعرض لهزّات ما يسمى الربيع العربي.


الغريب أن الجماعة العربية التي تفصل بين قمم اقتصادية وأخرى سياسية سنوية، لم يعقد حتى الآن سوى أربعة اجتماعات يدعو وزير المالية السعودي لإعادة دمجها في القمم العربية الدورية، الأمر الذي يدعو للاعتقاد بأن الأجندات السياسية في القمم من شأنها ألا تترك الحدّ الأدنى للاهتمام بالقضايا الاقتصادية.


لا يعني ذلك بأن تخصيص قمم أو اجتماعات عامة عربية لبحث القضايا الاقتصادية وقضايا التنمية. سيؤدي إلى تغيير في واقع الاقتصاديات العربية، أو إعطاء الأولوية للتجارة والعلاقات البينية، أو حتى تركيز التنمية واستثمار المال العربي والخبرات في إطارها الجغرافي الصحيح الذي يضمن النهوض للأمة العربية.


حين يحاول المرء وضع معايير لمدى نجاح أو فشل أو مراوحة هذه القمة ونتائجها، فإن الإنسان لا يعثر على الأهداف الحقيقية المفترضة من قمم متخصصة يفترض أن تحظى باهتمام الأنظمة العربية.


الأصل في الأهداف يبدأ بالكيانات القطرية، حيث يفترض أن تبدأ عمليات التغيير الاقتصادي والتنموي من هناك وانطلاقاً من مبدأ معروف وهو أن السياسة اقتصاد مكثف.


إذا كانت السياسة اقتصاداً مكثفاً، فإن استمرار تخلف الاقتصاديات العربية، وتهميش المجتمعات، واستنزاف القدرات المالية في ميادين الأمن والسلاح، وحماية الأنظمة، إنما يقدم تفسيراً منطقياً لعجز الأنظمة السياسية، التي تتضخم فيها أجهزة الأمن لقمع الحراكات الشعبية، حماية للنظام، والذرائع متوفرة جداً في هذه المرحلة تحت عنوان مقاومة الإرهاب.
ثمة فرضية أخرى مهمة، من خلالها يمكن الحكم على نتائج هذه القمة، التي لا يمكن أن يتحمل لبنان مسؤولية فشلها، وهو ما يتصل بضرورة التحضير الجيد عبر تشغيل مراكز البحث العلمي في تحضير الأبحاث والدراسات التي يمكن أن تقود المناقشات.


إذاً، فإن المعيار الأساسي سياسي بامتياز، وهو ما عكسته كلمات رؤساء الوفود، ويقود عملية النقاش. هل يمكن للرئيس السوداني البشير أن يقدم مساهمة إيجابية في مناقشات القمة فيما نظامه يتعرض منذ أسابيع لاحتجاجات شعبية متزايدة تحت وطأة الفقر والتهميش، والقمع، إلى الحد الذي لم تعد هناك إمكانية للتعايش، بعد أن فقد النظام مصداقيته ووعوده، وبدأ الجمهور يطرح شعار رحيل النظام؟


هل يمكن لليمن المدمّر، أن يساهم في إنجاح هذه القمة، وهل يمكن لتونس التي تعيش مرحلة إضرابات شاملة للمطالبة برفع الأجور أن تساهم في ضمان مخرجات تفيد في عملية التغيير؟


لا داعي للحديث عن سورية وليبيا، والعراق، وفلسطين ولبنان في مجال الحديث عن تنمية ونهوض اقتصادي، فكل البلدان العربية معلولة، وتعاني من أمراض مزمنة تتحملها طبيعة الأنظمة السياسية.


ثمة قضيتان سياسيتان أمام القمة، الأولى تتعلق بعودة اللاجئين السوريين، وهو ما أكد عليه الرئيس اللبناني ميشيل عون في كلمته وهي قضية سياسية مالية أمنية بعيدة كل البعد عن ملف، إعادة إعمار سورية، ودور العرب فيها.


أما القضية الثانية والأبرز فهي القضية الفلسطينية، وعنوانها أو عناوينها، تمكين الفلسطينيين من مواجهة السياسة الأميركية التي تحاول ابتزاز السياسة الفلسطينية لصالح « صفقة القرن » والمخططات الإسرائيلية وكان آخرها وقف كل أشكال التمويل والدعم عن كل الشعب الفلسطيني.


ثم هناك معركة القدس، التي تشهد تفاقم الضغوط الإسرائيلية لتهويدها وتحتاج إلى دعم مالي سخي من قبل الأشقاء العرب لتمكينها من الصمود، هذا فضلاً عن الدور العربي في التصدي للسياسة الأميركية بشأن « الأونروا »، فهل ستكون القمة قادرة على تحقيق النجاح وفق هذه المعايير، أم أن الكلام كثير والفعل قليل كالعادة؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد