ربما أرادت فرنسا من مسيرة باريس التضامن وإدانة جريمة مقتل صحفيي صحيفة شارلي إيبدو أن يكون المشهد إنساني، لكن هذا لم يكن كذلك بقدر ما أظهر الشيزوفرانيا الغربية، وكيفية تضامن و تعامل هؤلاء الزعماء مع الجريمة مقارنة مع الجرائم التي ترتكب في الوطن العربي.
أولئك انتفضوا جميعاً لإدانة مقتل 17 فرنسياً، خلال دقائق والقاتل أيضا فرنسياً، وهم يمارسون إرهاب الدولة و ازدواجية المعايير، ويشاركوا في قتل المواطنين العرب بدعم الأنظمة العربية الفاسدة والمجرمة التي تقتل و تهين شعوبها يومياً، و مقتل 2150 فلسطينيا خلال 51 يوماً بغطاء وشرعية دولية، و مئات ألآلاف من المواطنين العرب والمجزرة مستمرة في ما يسمى دول الربيع العربي لم يحرك ضمائرهم، ولم تدين تلك المجازر، هذه سخرية النفاق والكذب والمصالح.
كيف سيقتنع المواطنين العرب بان زعماء أوروبا صادقين وهم يضعوا أهدافاً لسياستهم الخارجية استناداً الى تصورهم الخاص للعالم العربي وفق مصالحهم والدونية التي ينظرون اليهم وموقفهم من حقوقهم، ولم تعمل أوروبا على تصحيح الصورة الاستعمارية التي ما وزالت قائمة و عالقة في ذهن العرب، و على ما تقوم به أوروبا بحق العرب مع أن لها مصالح حيوية معهم، خصوصاً في مجال النفط.
ولم تقوم اوروبا بالانفتاح بشكل فعلي و حقيقي على هموم الشعوب العربية التواقة الى الديموقراطية الحقيقية والتوزيع العادل للثروات، ومساعدتها على قيام اقتصاد منتج غير استهلاكي يمكن أن ينتخب قوى وحركات سياسية معنية بالأمن والاستقرار واحترام دولة القانون وسيادته.
ولم تقوم دول أوروبا بحماية حقوق الشعوب العربية بالحرية و الإستقلال من ظلم وقمع الأنظمة العربية المتحالفة مع أوروبا، ولم تعمل بشكل حقيقي على حماية الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الإحتلال الإسرائيلي الحليف لأوروبا و يحظى بدعمها وحمايتها، ولم تعمل على ردع العدوان الإسرائيلي المستمر ضد الفلسطينيين، إنما تمنح إسرائيل شرعية وغطاء دولي في إحتلالها و دورات العدوان المستمرة التي تقوم بها منذ سنوات وإجبار إسرائيل على إحترام حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وحقهم الوطني والإنساني في أرضهم، وهي ما زالت شريك في الحصار الظالم ضد قطاع غزة .
فالموقف الأوروبي متخاذلاً و مذلاً ومهيناً أمام إسرائيل المتنكرة و المستهينة بالحد الأدنى من حقوق الإنسان الفلسطيني وتطلعه الى حقه في حياة حرة كريمة في دولة مستقلة.
ومن خلال هذه المسيرة تجلت الشيزوفرانيا الأوروبية بدعوة نتنياهو الذي ارتكب وجيشه جرائم حرب ضد الفلسطينيين قبل أربعة أشهر، وموقف أوروبا المخزي من المشروع الفلسطيني المقدم لمجلس الأمن، وبذلك ترسخ قناعة العرب خاصة الفلسطينيين بان أوروبا أعدمت مفهوم حقوق الإنسان كقيمة ينبغي الدفاع عنها في أي مكان و كل زمان، وتركت الحق الفلسطيني عارياً أمام الارهاب الإسرائيلي، ودافعت وتدافع عن هذا الإرهاب في أشكاله المختلفة، المادية والمعنوية و الجسدية والاقتصادية والسياسية.
هذه هي صورة أوروبا من هذا الحق، فهي أصيبت بمقتل أكثر من مرة وليست هذه المرة فقط، وأظهرت مدى النفاق والكذب، ويأتي اليوم الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، لمناسبة جريمة مقتل صحفيي صحيفة شارلي إيبدو، في محاولة لإظهار الصورة الحضارية المشرقة في أوروبا ضد الإرهاب الإسلامي، بالتأكيد لا يمكن الدفاع عن جريمة مقتل الصحافيين، وهي جريمة مدانة وحرية الرأي التعبير مكفولة لكن يجب ان تحترم الأديان وعقائد الشعوب.
لكن المسيرة المصورة التي أظهرت كل هؤلاء الزعماء وإن برأ عدد منهم الإسلام من تهمة الإرهاب لكنها تبقى مناقضة لحقوق الإنسان و حرية الرأي والتعبير والإساءة لنا، فشعار الديمقراطية و حقوق الإنسان التي ترفعه أوروبا سيبقى بلا هدف طالما هي تقوم بدعم إسرائيل وتتنكر لحق الفلسطينيين وعدالة قضيتهم وتتعامل بازدواجية المعايير وتتعاون وتدعم الأنظمة العربية لقمع شعوبها وتقف ضد عدالة قضاياهم.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية