مع بداية العام الجاري، أصدرت وزارة الهجرة الإسرائيلية بالتعاون مع الوكالة اليهودية سجلاً رقمياً أشار إلى تصاعد الهجرة إلى إسرائيل عام 2014، بزيادة قدرها 32 في المئة عن العام 2013، رغم شن إسرائيل حربها الثالثة على قطاع غزة منتصف العام المذكور، وحالة الأمن التي تزعزعت ـ أو هكذا تصورنا ـ من الممكن أن تخفض أعداد الهجرة إلى إسرائيل، وللمرة الأولى، وفقاً لهذا السجل، فإن هجرة اليهود الفرنسيين، كانت الأبرز، حيث تضاعف عدد المهاجرين الفرنسيين من اليهود إلى إسرائيل (6600 عام 2014 مقابل 3400 عام 2013) يعود ذلك وفقاً لتحليلات خبراء الهجرة، إلى تنامي ما يسمى بمعاداة السامية، ونشاط الدبلوماسية و»الدعوية» اليهودية في فرنسا، ويخلص السجل حول فرنسا، إلى أن الوكالة اليهودية تتوقع أن تزداد هجرة اليهود الفرنسيين إلى إسرائيل العام الجاري ليصل إلى 30 ألفاً، أي خمسة أضعاف الرقم الحالي، غير أن الوصول إلى هذا الرقم بحاجة إلى سياسة إسرائيلية قادرة على استغلال واستثمار الأحداث في فرنسا، لتشجيع يهود فرنسا للهجرة بهذه الأعداد إلى إسرائيل.
وجاءت الجريمة التي ارتكبها الإرهابيون مؤخراً في باريس، لتسند هذه السياسة الإسرائيلية، بشكل مجاني وبدون أي جهد، أربعة قتلى يهود، جراء هذه العملية، دشنوا بداية الهجرة اليهودية الفرنسية إلى إسرائيل، فهؤلاء تم دفنهم في القدس بناء على طلب عائلاتهم، المعنى الرمزي لذلك بسيط، أن اليهودي يدفن على أرض «وطنه» ووطن أجداده، الوجه الآخر لهذه الرمزية، أن يهود فرنسا، إنما هم مهاجرون في فرنسا، إلى حين العودة إلى وطن الآباء والأجداد!!
مشاهدة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ، كيف احتال لكي ينزلق من الصف الثاني إلى الصف الأول أثناء المظاهرة الدولية الباريسية، هو ذاته الذي انزلق من الحملة الانتخابية في إسرائيل ليصل إلى باريس، دون دعوة وبعد معارضة فرنسية لزيارته ومشاركته في التظاهرة. في كلمته التأبينية يقول نتنياهو أن لا مكان لليهودي إلاّ في إسرائيل حيث الأمن والأمان، حتى لو كان من حق اليهودي أن يعيش في وعلى كل أرض، أي أن ما يدعيه من أمن في إسرائيل، وانعدام الأمن في أوروبا وفرنسا تحديداً، يشكل الدافع الأساسي الذي يبرر لنتنياهو تشجيع يهود فرنسا إلى الهجرة إلى إسرائيل، بينما رئيس الدولة العبرية، رؤوفين ريفلين، وفي كلمته التأبينية يقول إن على اليهود، أينما كانوا، أن «يعودوا» إلى إسرائيل، ليس بسبب الإرهاب وانعدام الأمن، ولكن باختيار حر، داعياً زعامات أوروبا إلى مواجهة الإرهاب، خاصة الموجه لليهود في تلك القارة الصغيرة.
وفي حين كان وصول نتنياهو إلى باريس للمشاركة في التظاهرة الدولية، سبباً لهجوم الأحزاب الإسرائيلية عليه بالنظر إلى الالتباس حول هذه المشاركة، وباعتبارها إنما جرت لأسباب دعائية انتخابية بالدرجة الأولى، فإن ما رافق هذه المشاركة من قبل نتنياهو، والوزيرين ليبرمان وبينيت، ودعوة كل هؤلاء، لفرنسا كي توفر الأمن والأمان في فرنسا، قد أثار موجة من الاستياء الواضح لدى أركان الحكومة الفرنسية، ذلك أن هذه التصريحات الصادرة عن القيادات الإسرائيلية إنما تشكك في قدرة فرنسا على توفير الأمن لمواطنيها، وكأنما الزعامة الفرنسية بحاجة إلى نصائح الإسرائيليين بهذا الشأن، العديد من وسائل الإعلام الفرنسية، اعتبرت أن الإسرائيليين منزعجون، ليس بسبب نتائج الهجوم الإرهابي في باريس، ولكن بسبب موقف فرنسا «الشاذ» عندما دعمت فلسطين في مجلس الأمن، قبل أسبوع واحد من الهجوم الإرهابي، وكأنما هذه الجريمة جاءت لتنتقم لإسرائيل قبل أن تنتقم من الإساءة للرسول، حسب زعم الإرهابيين!
التوتر الفرنسي ـ الإسرائيلي، إذا صح القول، جاء على خلفية ما أحدثته ما تسمى «رابطة الدفاع اليهودية» في فرنسا من قلاقل في تموز الماضي، عندما تصدت هذه الرابطة للتظاهرات العربية والأوروبية من محبي السلام في باريس، إدانة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والجرائم التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين في القطاع، فقد تهجمت هذه الرابطة على المتظاهرين السلميين، الأمر الذي دعا وسائل الإعلام الفرنسية والحزب الشيوعي الفرنسي وجبهة اليسار والمرصد الوطني لمكافحة معاداة الإسلام، إلى الدعوة الى حل الرابطة التي اعتبرتها الولايات المتحدة عام 2001، حركة إرهابية ومنعتها بعد توصيات مكتب التحقيقات الفيدرالي، إلاّ أن هذه الدعوة التي سبق وأن تبناها وزير الداخلية الفرنسي، لم تأخذ طريقها إلى التنفيذ، الأمر الذي يجعل من التحرك الإسرائيلي في أعقاب العملية الإرهابية، والحديث عن استهداف اليهود في فرنسا، سبيلاً لطي صفحة جرائم رابطة الدفاع اليهودية، والكف عن ملاحقتها أو اعتبارها إرهابية بعد حلها!!
من جديد، فإن الإرهاب، إنما يخدم إسرائيل ودعوتها لهجرة اليهود إليها، كما يخدم اليمين الإسرائيلي، ليظل على سدة الحكم في الدولة العبرية، والأدلة ولا أوضح!!

Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد