أقرت لجنة إسرائيلية قبل أسبوع من اليوم سلسلة عقوبات وإجراءات تضييقية بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بناء على تكليف من وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان، الذي يريد معاقبة المعتقلين الفلسطينيين ويشترط تعيين إدارة جديدة لمصلحة السجون بقيامها بمعاقبة الأسرى على اعتبار أنهم يعيشون "في فنادق 5 نجوم" أو "رفاهية" لا مثيل لها حسب ادعاءات الجهات اليمينية المتطرفة والعنصرية وخاصة دعاة قتل الأسرى وتطبيق حكم الإعدام عليهم. وقد خلصت اللجنة التي شكلها أردان من أعضاء كنيست ورجال أمن إلى إقرار سلسلة من التوصيات من أهمها: إلغاء الكانتينا التي تدفعها هيئة الأسرى، وتخفيض المبلغ الذي يصل الأسرى من الأهل إلى النصف تقريباً(600 شيكل فقط)، وتقليص عدد الزيارات العائلية إلى الحد الأدنى الذي ينص عليه القانون الإسرائيلي، ووقف الفرز التنظيمي داخل الغرف والأقسام، وإلغاء الاعتراف بممثلي المعتقلين، ومنع تحضير الطعام في الغرف، وسحب الأجهزة الكهربائية، ومنع تعليم الأسرى، وتحديد الكتب التي تدخل السجون والحد من الحركة في الأقسام وتقليص مدة الفورة.
هذه العقوبات تعيد وضع الحركة الأسيرة إلى سنوات السبعينات، وفترات القمع الشديد التي تجاوزها الأسرى بنضالاتهم وتضحياتهم والشهداء الذين سقطوا في معارك الأمعاء والمواجهات مع إدارات السجون. وإذا حصلت توصيات لجنة أردان على موافقة المجلس الوزاري المصغر ومصادقة جهاز الأمن العام "الشاباك" سيتم البدء في تطبيقها. وحتى لو لم يتم الأخذ بكل التوصيات لصعوبة تطبيقها وما يمكن أن تخلقه من ردود فعل من قبل الأسرى فعلى الأقل سيجري تطبيق قسم منها. وفي الواقع بدأت مصلحة السجون بالتضييق على الأسرى منذ فترة بدون انتظار توصيات لجنة أردان. وما شجع إدارات السجون على تنفيذ سياسة تضييقية هو حالة الانقسام التي تشهدها الحركة الأسيرة التي لم تتوحد بخطوة نضالية واحدة منذ فترة طويلة، حتى عندما أضرب قسم من الأسرى لم يجد تضامناً ولو بالحد الأدنى من زملائهم في المعتقلات والسجون وحتى في السجن الواحد والقسم الواحد في إطار حالة غريبة غير مسبوقة من التفتت والانقسام، ليس فقط بين أسرى الفصائل المختلفة بل كذلك داخل الفصيل الواحد.
لا شك أن أجهزة أمن مصلحة السجون تدرك الواقع المأساوي الذي وصلت إليه الحركة الأسيرة والذي تفاقم بعد انقلاب " حماس " والانقسام بين الضفة و غزة ، وقد لعبت على هذا الوتر، وللأسف الأمور اليوم ليست أفضل بعد فشل محاولات المصالحة وبعد حل "التشريعي" وإجراءات "حماس" في قطاع غزة، وهذه الأمور لا بد وأن تترك انعكاسات على وحدة الحركة الأسيرة التي تضعضعت وتكاد تتلاشى. وإذا لم يستطع الأسرى استعادة زمام الأمور بأيديهم والتوحد من جديد على قاعدة التمسك بالحقوق التي انتزعها الأسرى بكفاحهم الطويل، ستضيع كل حقوقهم وستستفرد بهم إدارات السجون كفصائل ومجموعات وأفراد.
والعنوان الوحيد الذي يمكنه أن يفشل خطة الوزير الحاقد والمتطرف أردان هو وحدة الأسرى، وعندما تدرك مصلحة السجون أن الأسرى موحدون وسيكافحون من أجل حقوقهم ستغير سياستها وستكون معنية أكثر بشراء الهدوء والاستقرار. وفي هذا السياق ليس مطلوباً من الأسرى التخلي عن فصائلهم أو تغيير مواقفهم تجاه ما يجري خارج الأسوار من صراعات على السلطة والمصالح الضيقة على حساب القضية الوطنية. ولكن عليهم أن يعوا تماماً أنهم سيخسرون جميعاً إذا ما بقوا متفرقين ومشتتين في مواقفهم تجاه ما يحدث ضدهم. فهم في وضع استثنائي، فليتركوا الصراعات في الخارج للقائمين عليها ويتفرغوا لمصلحتهم وحقوقهم المهددة. فوحدتهم وانجازاتهم في السجون والمعتقلات ستنعكس إيجاباً على الشارع الفلسطيني في الخارج وعلى الفصائل. وعليهم أن يمثلوا حالة إيجابية يحتذى بها، وإلا ستضيع حقوقهم بالجملة أو واحداً واحداً بالتدريج.
ولا بد أن يدرك الأسرى أن حكومة اليمين الاستيطاني المتطرفة قد خلقت رأيا عاما ضد الأسرى وضد السلطة الوطنية في موضوع دعم الأسرى، وهذا يعني أنها ستجد التأييد في أي سياسة قمعية وعقابية ضد الأسرى خصوصاً في ترويج الأكاذيب حول شروط حياة الأسرى في السجون والتي هي في الواقع أقل بكثير من أي دولة متحضرة كالدول الأوروبية على سبيل المثال. وما حصله الأسرى من حقوق لم يأت بمبادرة من السلطات الإسرائيلية بل هو نتيجة نضالات وآلام وتضحيات الأسرى على مر السنين. ولا يجوز أن يتم الاستخفاف بها وتضييعها على مذبح الانقسام والتفتت والهوان. وحتى نكون أكثر وضوحاً يجب ألا يتوقع الأسرى أن يكون التضامن معهم قوياً وذا مغزى إذا لم يقودا هم المعركة موحدين للدفاع عن حقوقهم. صحيح أن الأسرى يحظون باحترام ودعم الشعب ولكن الفعل الحقيقي يجب أن يبدأ من السجون، وعندها ستكون حركة التضامن والمساندة أقوى وأوسع كما كانت في الماضي عندما كانت الحركة الأسيرة موحدة وكانت تخوض الإضرابات  بموقف وطني موحد. والشعب لن يتخلى عن الأسرى طالما هم ينتصرون لقضاياهم وطالما هم يقودون الفعل.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد