ربما لا يختلف اثنان على أن العام الماضي كان سيئاً كثيراً على الشعب الفلسطيني، حيث مررنا بظروف قاسية سياسياً وأمنياً واقتصادياً وعلى مستوى الخسائر البشرية. وقد يقول قائل: متى كان عامنا جيداً في السنوات الأخيرة الماضية؟ وهذا تساؤل منطقي ولكن الأمور هنا نسبية، فهناك السيئ وهناك الأسوأ، ونحن مررنا بما هو أسوأ مقارنة مع سنوات سبقت. ففي السنة الماضية حصلت عدة تطورات سلبية بعضها لم يكن في الحسبان وبعضها الآخر كان أكثر قسوةً مما توقعنا، والأصعب هو وضعنا الداخلي الذي وصل إلى طريق مسدود بعد فشل جهود المصالحة، ولا يبدو أن العام الجديد يحمل الكثير من البشرى على هذا الصعيد بما نشاهد من تصعيد على الأرض بين مختلف الجهات الفلسطينية وخاصة في قطاع غزة .


لقد فاجأتنا الولايات المتحدة الأميركية والرئيس دونالد ترامب على وجه الخصوص بقرار جائر وظالم بحق قدسنا المحتلة، ليس فقط بالاعتراف فيها كعاصمة لدولة إسرائيل، بل والقيام بنقل السفارة فعلياً إلى القدس وإلحاق القنصلية الأميركية في القدس التي كانت تعنى بالشؤون الفلسطينية بالسفارة الجديدة، بما يعني أن واشنطن قد قررت مصير القدس من جانب واحد وفقاً للرؤية الإسرائيلية المتطرفة جداً، وقررت شطب موضوعها في إطار العملية السياسية المستقبلية، كما صرح بذلك ترامب نفسه. بل إن إدارة ترامب ذهبت بعيداً في عدائها للشعب الفلسطيني باستهداف قضية اللاجئين، فأوقفت دعمها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين " الأنروا"، وشككت في أعداد اللاجئين الذين تتبناهم الوكالة بناءً على الإحصائيات الدولية وتبعاً للتفويض الذي منح للوكالة. وأيضاً هنا سعت الولايات المتحدة لشطب هذه القضية من أجندة المفاوضات المستقبلية لصالح الموقف الإسرائيلي المتشدد والرافض لفكرة السلام القائم على حل الدولتين والذي من المفروض أن يفضي في نهاية المطاف إلى الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي المحتلة منذ الرابع من حزيران في العام 1967 وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على هذه الأراضي. كما منحت إسرائيل حرية الاستيطان واعتبرته شرعياً.


وفي الصراع مع إسرائيل كانت السنة الماضية شديدة الوطأة على أبناء شعبنا من حيث القمع العنيف وعمليات القتل اليومي التي شهدتها المناطق الفلسطينية المحتلة وخاصة قطاع غزة، وخاصة بعد انطلاق المسيرات الشعبية التي رفعت شعار العودة وفك الحصار، فقتلت إسرائيل خلال العام الماضي 312 مواطناً بينهم  57 طفلاً 6 نساء، وزاد عدد الجرحى عن العشرين ألف جريح قسم منهم أصيب بإعاقات دائمة كبتر الأعضاء والشلل وغير ذلك. واشتدت حمى مصادرة الأراضي والبناء الاستيطاني والتهويد الذي استهدف القدس الشرقية ومناطق عديدة في الضفة الغربية، وصار حلم السلام أبعد من اي وقت مضى، في ظل حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة والمعادية للسلام.


أما على مستوى جهود المصالحة، فقد دخلت في حالة موات سريري بعد عملية التفجير التي استهدفت موكب رئيس الحكومة خلال زيارته لغزة تطبيقاً لاتفاق عام 2017، والذي لم ير النور بعد ذلك، وبالذات في ظل إصرار حركة " حماس " على عدم تنفيذ الاتفاق من حيث توقف، كما تطالب بذلك السلطة وحركة "فتح"، وتحاول بدلاً من ذلك العودة للاتفاقات السابقة في محاولة لتمييع عملية تسليم السلطة للحكومة تمهيداً لحل كل القضايا الأخرى المتعلقة بالموظفين ومنظمة التحرير والانتخابات. وزادت الأمور سوءاً بعد تقليص رواتب موظفي السلطة واشتداد الضائقة الاقتصادية في غزة. أما الحل الذي تريده "حماس" فهو استبدال المسيرات باتفاقية تهدئة طويلة الأمد مع إسرائيل، والأخيرة لا تمانع ولكن بشرط أن تبقى الأمور تحت سيطرتها وأن تحل بعض المشاكل الإنسانية في غزة دون رفع الحصار بشكل كامل، وربط كل شيء بالتزام "حماس" بأمن إسرائيل.


وجاء التدخل القطري والاتفاق بين إسرائيل وقطر و"حماس" على تمويل السولار لمحطة الوقود لستة شهور بواقع 60 مليون دولار كل شهر ودفع رواتب موظفي "حماس" المدنيين بعد موافقة إسرائيل على كشف الأسماء والتدقيق في كل اسم، بما في ذلك الحصول على البصمات، بمثابة ضربة قاسية لجهود الوساطة المصرية لتحقيق المصالحة وكتشجيع لـ"حماس" على عدم الذهاب نحو المصالحة. وانتهت الأمور بقرار المحكمة الدستورية حل المجلس التشريعي واجراء انتخابات في غضون ستة شهور.


والجدل الذي يدور هذه الأيام حول شرعية أو عدم شرعية حل "التشريعي" هو جدل فقهي عقيم لا علاقة له بالواقع، ليس من باب مَن صاحب الحق الشرعي، بل لأن التباكي على مجلس معطل لا يقوم بأي دور ويستنزف موازنة السلطة في رواتب ونثريات وسفريات، لا يأخذ بعين الاعتبار حال العوار الدستوري الذي نعيش منذ الانقلاب وحتى الآن، بحيث لا يوجد شيء في السلطة عملياً يسير وفق الأصول حتى لو استند إلى قوانين قائمة. فكل شيء لدينا يعاني من مشاكل حتى لو لم يتناقض مع أي قانون. ولا أعتقد أن أحداً يمكنه أن يمدح أداء مؤسساتنا العاملة أو المعطلة في ظل الانقسام البغيض.


والأجدى هو البحث في حل لهذه المعضلة وليس الجدل على الأمور الهامشية. ولعل حل التشريعي يأخذنا مرة أخرى للاحتكام إلى الشعب وإجراء انتخابات تلغي حالة الفراغ الدستوري وتعالج أمورنا وتوحدنا في مواجهة التحديات في العام الجاري. ومع كل السواد الذي صبغ عامنا الماضي والصعوبة التي بدأنا فيها عامنا الحالي في ظل ازدياد وتعمق الخلافات الداخلية، لا يزال هناك أمل بتفكيك بعض العقد إذا ما قررنا الذهاب إلى الأمام نحو أخذ رأي الشعب وتحكيمه في هذه الخلافات واختيار البرنامج الذي يريد. فلا يزال شعبنا يحظى بدعم وتأييد المجتمع الدولي، ولا تزال قضيته تشكل محط اهتمام وتركيز دوليين، وهذا ما يجب تعزيزه والبناء عليه بجهد وطني موحد مثابر وبناء.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد