الحصاد الاقتصادي 2018: عام صعب يمهد لأصعب في 2019
انقضى العام 2018، عام كان مليئا بالأحداث السياسية والتحديات الاجتماعية، بدءا من القرارات الأميركية المتتالية، وليس انتهاء بأزمة الضمان الاجتماعي، تركت آثارا واضحة على الاقتصاد الفلسطيني، ولا يبدو أن العام 2019 سيكون أفضل حالا وفقا للتوقعات.
التقديرات الأولية للجهاز المركزي للإحصاء وسلطة النقد الفلسطينية، وهي تتفق مع تقديرات مؤسسات دولية، تشير الى تباطؤ حاد في نمو الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين عام 2018 ليصل إلى 0.7% مقارنة مع 3% عام 2017، فيما يتوقع ان يتعمق هذا التباطؤ ليصل الى نصف في المئة في العام 2019.
"لدينا حالة سياسية صعبة في العام 2018، انعكست على الاقتصاد، إذا استمرت هذه الحالة نتوقع أن تكون كارثية على الاقتصاد في العام 2019"، قال رئيس اتحاد الغرف التجارية خليل رزق.
وأضاف: الحالة السياسية الصعبة نتيجة القرارات الأميركية المتتالية حول القدس ،وتلميحاتها المستمرة عما يسمى صفقة القرن ، ترافق مع تراجع حاد في المساعدات الخارجية، بل وتوقفها كما حدث بالنسبة للمساعدات الأميركية. كل هذا ترك أثرا سلبياكبيرا على الأوضاع الاقتصادية. المطلوب حالة إسعاف من الحكومة بزيادة المشاريع التنموية لكبح جماح البطالة التي وصلت الى مستويات مقلقة للغاية، بل وبدأت الأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة تنعكس على الأوضاع الاجتماعية".
في تطورات سوق العمل، وعلى الرغم من ارتفاع طفيف في عدد العاملين، إلا أن نسبة البطالة ارتفعت خلال عام 2018 لتصل إلى 31% من 29% خلال عام 2017، ووفقا لتنبؤات سلطة النقد والجهاز المركزي للإحصاء، من المتوقع ارتفاع معدل البطالة إلى 31.5% في حال استمر الوضع القائم على حاله دون تغيير على الصعيد السياسي.
الوضع الأصعب كان من نصيب قطاع غزة ، الذي انكمش اقتصاده في الأرباع الثلاثة الأولى من العام بنسبة 8% مقارنة مع نفس الفترة من العام 2017، مقارنة مع الأرباع المناظرة من عام 2017، ما دفع البنك الدولي الى التحذير من أن القطاع دخل مرحلة الانهيار الاقتصادي، فيما تتعرض الخدمات الأساسية المقدمة للسكان إلى الخطر في ظل شح السيولة.
وقالت الممثلة المقيمة للبنك الدولي في فلسطين مارينا ويس "ما رأيناه في النصف الأول من هذا العام، أن اقتصاد غزة قد تقلص بشكل حاد جدا، بنسبة 5-6%، فعلى مدى العقد الماضي أو نحو ذلك، أدى الحصار إلى تقويض قدرة الأنشطة الإنتاجية، والقاعدة الصناعية لم تعد موجودة، لذا يجب أن يكون الحل على المدى الطويل هو خلق نموذج نمو مستدام لغزة من خلال تحسين شروط الوصول والحركة".
ولم يكن الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية بعيدا عنه في قطاع غزة، إذ اقتصر النمو في الناتج المحلي الإجمالي على 2.3% فقط، خلال نفس الفترة، وهو آخذ بالتداعي مع تراجع الاستهلاك ويتوقع تباطؤ النشاط الاقتصادي بشدة في الفترة المقبلة، بحسب تقرير للبنك الدولي.
ورغم إشادتها بالإصلاحات المالية للسلطة الفلسطينية، التي قالت إنها أحرزت تقدما كبيرا، إلا أن ويس حذرت من ان تراجع المساعدات يضع الخزينة العامة تحت مخاطر كبيرة.
وقالت: على مر السنين، قامت السلطة الوطنية بعمل جدير بالثناء في مجال المالية العامة، وقد أحرز الكثير من التقدم لجهة تحسين الإيرادات، وأيضا الحفاظ على الإنفاق تحت السيطرة، وما نراهالآن هو انخفاض متزايد في المساعدات، يزيد المخاطر على الوضع المالي للسلطة، وهو أمر يتعين علينا مراقبته للمضي قدما".
وأضافت: "مع ذلك، فالسلطة الوطنية ووزير المالية يتمتعان بسجل جيد، وقد قاما بالكثير في الماضي من حيث خلق قاعدة مستدامة، آمل أن يتم توفير آليات وبدائل والمضي قدما، بما يمكن من الحفاظ على النمو في الاقتصاد".
وفي إشارة إلى خطورة الإجراءات الإسرائيلية على المالية العامة الفلسطينية، قالت ويس: "إذا كانت هناك خطوة يمكن أن تساعد في تحسين بيئة الأعمال داخل الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك زيادة القدرة على الوصول والحركة، فإن من شأن ذلك أن يساعد في توسيع قاعدة العائدات وبالتالي تنعكس على المالية العامة".
المالية العامة:
على صعيد المالية العامة، وحتى نهاية تشرين الثاني، حافظت وزارة المالية على النطاق المستهدف في جانبي الموازنة للعام 2018: الإيرادات والنفقات، وتمكنت من خفض العجز الجاري الى 687 مليون دولار بنسبة 18% مقارنة مع نفس الفترة من العام 2017.
في التفاصيل، فقد تراجع صافي الإيرادات العامة بنسبة 4% إلى حوالي ثلاثة مليارات و150 مليون دولار في نهاية تشرين الثاني، متأثرة بشكل أساسي بتراجع إيرادات المقاصة مع إسرائيل بنسبة 8% إلى ملياري دولار، رغم الارتفاع الملحوظ في الجباية المحلية بنسبة 11.5% الى 1.06 مليار دولار.
ورغم التوقف التام للمساعدات الأميركية خلال العام 2018، إلا ان حصيلة الدعم الخارجي للموازنة الفلسطينية هذا العام ارتفعت بنسبة 14% الى حوالي 500 مليون دولار في نهاية تشرين الثاني، نتيجة ارتفاع الدعم العربي، وخصوصا السعودي، بنسبة 165% الى 303 ملايين دولار، لكن بالإجمال، فان الدعم الخارجي للعام 2018 كان استمرارا لاتجاهه الهبوطي على مدى الأعوام السابقة، ليصل إلى اقل من ثلث المساعدات كما في العام 2008.
في المقابل، فقد انخفضت النفقات العامة بنسبة 6% الى 3.8 مليار دولار، ونتج هذا الانخفاض بشكل أساسي عن إحالة نحو 26 ألف موظف الى التقاعد المبكر منذ بداية العام، فيما حافظت باقي البنود على نفس مستوى الإنفاق تقريبا، دون اثر لإجراءات التقشف التي أعلنت عنها وزارة المالية مطلع العام.
وقال وكيل وزارة المالية فريد غنام "بالرغم من الصعوبات التي واجهناها في تنفيذ موازنة 2018، وأبرزها عدم توفر الدعم الخارجي كما كان مخططا، والأثر السلبي للأحداث السياسية الدولية التي انعكست على المساعدات التي كانت مرصودة ضمن الموازنة، إلا اننا حصلنا على الإيرادات المستهدفة، وتمكنا من ضبط النفقات التي لا مبرر لها".
واضاف: هناك تنام في الإيرادات بالمجهودات الذاتية، سواء الجباية المحلية او المقاصة مع اسرائيل، وايضا هناك ضبط كبير في النفقات، والزيادة في هذا الجانب كانت هامشية للغاية مقارنة مع العام 2017".
المساعدات الخارجية في انحدار:
واوضح غنام أن هناك انحدارا مستمرا في مستوى المساعدات الخارجية، "ونجد انفسنا في كل عام أمام أرقام اقل من العام الذي سبقه. في عامي 1999 و2000 وصلنا الى مستوى مساعدات بلغت حوالي 1.8 مليار دولار سنويا، الآن المساعدات الخارجية لا تتجاوز 500 مليون دولار. هذا يعني أن ثلثي المساعدات الخارجية قد تبخر".
ورغم ذلك، قال غنام، "لم تقف الرواتب يوما، وكذلك التزامات الحكومة الأخرى، هذا مدعاة لنا للاعتماد على الإيرادات المحلية".
واضاف: في العام 2000 كانت نسبة الاعتماد على الإيرادات المحلية لا تتجاوز 35% مقابل 65% على المساعدات الخارجية، في 2018 وصلنا الى نسبة اعتماد على الإيرادات المحلية تصل الى 85%، مقابل 15% فقط على المساعدات الخارجية وهذا انجاز كبير.
سيطرة على الدين العام:
في جانب الدين العام، فقد شهد الدين العام النظامي تراجعا بنسبة 4.7% حتى نهاية تشرين الثاني، نتج ذلك بشكل أساسي عن تراجع الدين المحلي بنسبة 10% إلى 1.33 مليار دولار، مع الحفاظ على نفس المستوى للدين الخارجي عند 1.06 مليار دولار.
الدين العام في بيانات وزارة المالية لا يشمل الدين غير النظامي، ويتكون أساسا من المتأخرات المستحقة عليها لموردي السلع والخدمات من القطاع الخاص، والتي قفزت بنسبة 78% الى مليار دولار، وهي الأخطر لتأثيرها الفوري والمباشر على مجمل الأنشطة الاقتصادية، كما لا تشمل مستحقات هيئة التقاعد والمعاشات على وزارة المالية، والتي تبلغ حوالي ملياري دولار، وباحتسابهما، فان مديونية الحكومة الفلسطينية تتجاوز 5 مليارات دولار.
وقال غنام "هناك سيطرة تامة على الدين العام، الدين المحلي من البنوك في تناقص، وما زال يقف عن مستوى 1.4 مليار دولار، بما في ذلك ديون الهيئة العامة للبترول، أما فيما يتعلق بالدين الخارجي فلم تطرأ عليه أية زيادة، على العكس، فقد انخفض إلى اقل من مليار دولار، علما بأن 50% من هذا الدين هو عبارة عن منح من الصناديق العربية يعاد استثمارها في مشاريع تطويرية".
وفيما يتعلق بمتأخرات القطاع الخاص، كشف غنام عن تسديد دفعة من هذه المتأخرات في النصف الأول من كانون الأول 2018.
وقال "خلال الأسبوعين الماضيين سددت وزارة المالية جزءا كبيرا من هذه المتأخرات، دفعنا لبعض القطاعات وسنواصل السداد لقطاعات أخرى، وباتت متأخرات 2016 مسددة بالكامل، وسددنا جزءا كبيرا من متأخرات عامي 2017 و2018".
بورصة فلسطين:
"شاشة البورصة مرآة الأوضاع السياسية"، وهي قاعدة حافظت عليها بورصة فلسطين منذ انطلاقها في العام 1997، وفي العام 2018 عادت الأوضاع السياسية والأمنية المتتالية في فلسطين بالبورصة إلى ذروة الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 2003.
على صعيد النشاط، رافق أداء البورصة طوال العام شح في السيولة، هوى بإجماليقيمة التداولات إلى 336 مليون دولار من حوالي 386 مليون دولار في العام السابق، بمعدل تداول 1.5 مليون دولار للجلسة الواحدة مقارنة مع 1.7 مليون دولار في العام 2017 بتراجع 13%.
الأداء الضعيف لبورصة فلسطين كان جزءا من حالة اقليمية عامة أثرت سلبا على مجمل أسواق المال في المنطقة العربية، اذ اقتصرت المكاسب على مؤشرات خمسة أسواق حتى نهاية تشرين، بقيادة بورصة قطر التي ارتفع مؤشرها بنسبة 21.6%، تللتها بورصة تونس بنسبة 16.27%فأبو ظبي بنسبة 8.45%، فالسعودية بنسبة6.8%، وأخيرا البورصة السورية مرتفعة بنسبة 4.01%.
في المقابل، منيت عشرة أسواق بخسائر في مؤشراتها، كان أعمقها خسارة بورصة دبي التي انخفض مؤشرها بنسبة 20.81%، تلتها بورصة الكويت بنسبة 17.01%، فاللبنانية بنسبة 14.59%، والعراقية بنسبة 14.21%، والعمانية بنسبة 13.48%، والاردنية بنسبة 12.40%، والمصرية بنسبة 11.32%، والمغربية بنسبة 9.36%، والفلسطينية بنسبة 8.26%، وكان أقلها خسارة البورصة البحرينية بانخفاض مؤشرها بنسبة 0.22%.
لكن بورصة فلسطين على موعد مع إدراجات جديدة، تشكل سببا لبعض من التفاؤل في العام 2019، وأبرز الإدراجات الجديدة مصرف الصفا الإسلامي وشركة تمكين للتأمين والجامعة الأهلية، فيما تجري مفاوضات لإدراج كل من شركة المشروبات الوطنية صاحبة امتياز تعبئة وتسويق منتجات كوكاكولا العالمية، والجامعة العربية الأمريكية، إضافة إلى مشاورات لإدخال أدوات مالية جديدة إلى جانب الأسهم.
"لم يكن أداء بورصة فلسطين الأفضل، لكنه بالتأكيد لم يكن الأسوأ على مستوى المنطقة العربية"، قال الرئيس التنفيذي لبورصة فلسطين أحمد عويضة.
وأضاف "2018 كان عاما قاسيا على مجمل البورصات في المنطقة العربية، لاحظنا في الربع الأخير من العام تراجعا ملحوظا في مستوى السيولة، وهذا له أسباب عديدة، أبرزها التدهور في الأوضاع السياسية وانسداد أي أفق في المدى المنظور، إضافةإلى العقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية، ما حد من قدرة الاقتصاد على النمو، فالتراجع في الإنفاق العام ينعكس مباشرة على القطاع الخاص والمكونات الأخرى للاقتصاد".
غير أن عويضة قلل من خطورة التراجع في أداء بورصة فلسطين، بقوله "نحن لسنا قلقين من هذا الموضوع، فهناك تقلبات في مستوى السيولة من شهر لآخر، وحتى من أسبوع لآخر، وهذا مرتبط بعوامل عديدة".
وأضاف: "بشكل عام، فإن التراجع في الأحد عشر شهرا الماضية له ما يبرره، في انعدام الرؤية لما ستؤول اليه الأوضاع السياسية والاقتصادية في العام 2019، عامل كبير في التأثير السلبي على السيولة، إضافة إلى التحركات الاجتماعية المرتبطة بتطبيق نظام الضمان الاجتماعي".
أداء جيد للشركات تجاهلته البورصة:
أحد المفارقات في أداء بورصة فلسطين خلال العام 2018، تجاهلها للنتائج الجيدة للشركات المدرجة.
وقال عويضة "هناك مفارقة كبيرة، فمستويات الربحية للشركات في الربع الثالث كانت مرضية، فهناك 29 شركة حققت أرباحا من أصل 49 شركة مدرجة، ونمت الأرباح بنسبة 4%. النتائج المالية للشركات لم تعكس التقلبات والصعوبات التي واجهها الاقتصاد الكلي. حتى تنعكس الأوضاع الاقتصادية على بيانات الشركات، فهذا يحتاج الى بعض الوقت. بالإجمال، كانت نتائج الشركات مرضية، ونتوقع المحافظة على توزيعات الأرباح ضمن حدود توزيعات السنوات السابقة، خصوصا للشركات القيادية، لهذا نرى ان التراجع في أحجام التداول ليس له ما يبرره بالنظر إلى أداء الشركات المدرجة".
وأبدى عويضة تحفظا في توقعاته للعام 2019 بشأن أداء البورصة، لعدم وضوح الرؤية في الأوضاع السياسية والاقتصادية، لكنه كشف عن ان البورصة مقبلة على تغيرات كبيرة.
وقال "خلال أيار 2019، سيتم إدخال أنظمة جديدة للبورصة، أبرزها نظام ناسداك وهو أحدث أنظمة التداول على مستوى العالم، ونظام جديد لمركز الايداع والتحويل، إضافة الى نظام حديث للبث".
وأضاف: "بالتأكيد سيكون هناك حاجة لإدخال أدوات مالية جديدة للتداول، فلا نستطيع الاستمرار فقط بتداول الأسهم، نفكر جديا مع شركاء في سبيل إدخال أدوات مالية جديدة للتداول في بورصة فلسطين".
قطاع البنوك أكبر الخاسرين:
فقدان البورصة لحيويتها ترافق مع خسائر اقتربت من 50 نقطة أو بنسبة تجاوزت 8% حتى نهاية تشرين الثاني، مدفوعا بتراجع مؤشرات أربعة من القطاعات الخمسة الممثلة في البورصة، كان أكثرها خسارة مؤشر قطاع البنوك متراجعا بنسبة 9.3%، تلاه مؤشر قطاع الخدمات متراجعا بنسبة 7.58%، ومؤشر قطاع الاستثمار بنسبة 7.08%، وأخيرا مؤشر قطاع الصناعة بنسبة 0.66%، فيما كان مؤشر قطاع التأمين الرابح الوحيد مرتفعا بنسبة 26.46%.
وقال رئيس مجلس إدارة بنك فلسطين هاشم الشوا "لاحظنا تباطؤا عاما في كل الأسواق الاقليمية. بالتأكيد لدينا خصوصية في الوضع السياسي وكذلك الأوضاع في غزة، ومن الطبيعي ان تنعكس هذه التطورات على مجمل قطاعات الاقتصاد، بما فيها القطاع المصرفي".
واضاف: هناك تراجع اقتصادي كبير في غزة، والبطالة ترتفع، كل هذا ينعكس على مجمل المؤشرات الاقتصادية، لكن البنوك ومؤسسات التمويل لديها كفاية في رأس المال، وخطط لمواجهة أي تقلبات، على المدى الطويل نتطلع الى تحسن هذه المؤشرات، فجميع البنوك مستمرة في خططها للتوسع.