حتى الفصائل التي تقف موقف الحياد بين حركتي فتح و حماس ، استشعرت مدى خطورة اللحظة القادمة، مع انسداد أفق إنهاء الانقسام، وسارعت إلى تشكيل التجمع الديمقراطي الفلسطيني، ومن يعرف تفاصيل قوى اليسار والعلاقات البينية بينها، يدرك صعوبة التوصل لمثل هذا الائتلاف فيما بينها. والتجمع عرّف نفسه بوضوح بأنه ائتلاف داخل (م ت ف) جاء ليؤكد على التمسك ببرنامج حق العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة بعاصمتها القدس ، والتمسك بـ (م ت ف) ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، وأنه يهدف إلى تصعيد الضغط السياسي والشعبي من أجل إنهاء الانقسام.
هذا يعني تماماً بأنه دون ضغط لن يتم تجاوز حالة الاستعصاء في طريق المصالحة وإنهاء الانقسام، وهذا ما يقول به الرئيس محمود عباس وقيادة (م ت ف) والسلطة وحركة فتح، وليس هناك من يقول غير ذلك سوى حركة حماس التي أحدثت الانقسام، وتسعى للإبقاء عليه بالحد الأدنى، وهي قد تقبل بوضع حد له شريطة أن تحصل على ما هو أفضل، أي أن تسيطر على مجمل الوضع الفلسطيني في غزة والضفة والشتات، بأن تسيطر على السلطة والمنظمة، أو أن تبقى سلطتها الفعلية في قطاع غزة، مع تحريرها من تبعات الحكم، كما هو الحال الآن ومنذ أحد عشر عاما مضت، وأقصى ما هي على استعداد لتقديمه هو منح السلطة الرسمية سلطة شكلية على غزة، مقابل تأبيد سلطتها الفعلية عليها، وكسر الحصار وضخ الأموال وتظهير حماس كحركة سياسية في الضفة الغربية، حيث يمكنها أن تعيد تجربة غزة في الضفة في يوم ما، حين تحين لها الفرصة بذلك.
ما من شك، بأن مدخل مزاحمة «حماس» لـ»فتح» على السلطة، بشكل سافر وواضح وجلي، بدأ منذ عام 2006، حين حققت الأغلبية البرلمانية في انتخابات المجلس التشريعي الثاني، وحين وجدت عوائق في السيطرة الأمنية حسمت الأمر عسكرياً، ولم تتردد لحظة، حيث احتاجت فقط مدة عام واحد للقيام بانقلابها العسكري البغيض، الذي باركته مجموعتها التشريعية بشكل سافر، وضربت «حماس» طوال الوقت بكل القوانين والمواثيق والتشريعات الفلسطينية، ولا تعترف بـ (م ت ف) ممثلاً لها، ولاتزال تشكك في تمثيلها الوحيد للشعب الفلسطيني، وبالطبع لا تعتبر السلطة الرسمية بما فيها الرئيس ممثلاً لها، ولا تلتزم لا بمراسيمه ولا بقرارات السلطة، وأنشأت لها نظاماً حاكماً في قطاع غزة، منفصلاً طوال الوقت، بما في ذلك محاكم قراقوش التي لا تتوقف عن إصدار الأحكام الجائرة بحق المواطنين المغلوبين على أمرهم، بما في ذلك إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام بكل خفة وسرعة ودون تدقيق وتمحيص.
أما المجلس التشريعي الذي تعتبره «حماس» عنوان سلطتها، فهو مجلس معطل، منذ تشكل لأكثر من سبب، وتحول مع مرور الوقت إلى عبء على الشعب الفلسطيني، وأحد عناوين الانقسام، بل وأحد أسوأ ركائزه، الذي لم يكن يوماً محايداً ولا حتى موضوعياً في مسألة الخلاف الداخلي والصراع على السلطة. وحيث إن هناك توافقاً وطنياً على أن مفاعيل إنهاء الانقسام، لابد أن تتوج بإجراء الانتخابات العامة، فإن حل المجلس ممر إجباري لذلك، لذا فإن قرار المحكمة الدستورية بحله، في الوقت الذي يعتبر فيه بمثابة إجراء ضاغط من أجل أجبار «حماس» على الاستجابة لاستحقاقات إنهاء الانقسام بالشكل الوطني وليس بأي شكل آخر، كما تريد وتسعى «حماس» وفق ما أسلفنا أعلاه، فإن قرار المحكمة الذي قال إزاءه الرئيس بأنه واجب التنفيذ، يعني بأنه ينتظر مرسوما رئاسيا بتحديد موعد الانتخابات، أي أن هناك فرصة أخيرة، أمام «حماس» لقبول القرار ومن ثم المرسوم والذهاب إلى الانتخابات التي ستكون مدخل إنهاء الانقسام، والحكم/الفصل في ملف الخصومة كلها.
حركة فتح وعبر مسؤول ملف العلاقات الوطنية بها، عضو اللجنتين التنفيذية والحركية عزام الأحمد، قال إن حركته على استعداد للذهاب إلى الانتخابات بقائمة مشتركة مع «حماس»، كذلك قال مثل هذا الكلام أحد قادة «حماس» في الضفة الغربية الشيخ حسن يوسف، لذا فإن الموقف تجاه قرار حل التشريعي _بتقديرنا_ هو الذي سيفصل بين مسار استمرار التشبث بالانقسام، ومسار الخروج منه والدخول في مسار عملي وحقيقي لإنهائه، بعيداً عن كل المسارات المتعرجة، بمواصلة الحوارات والتفاصيل، التي تمنح العدو ما يحتاجه من وقت قصير لتمرير صفقة ترامب بشكل رسمي وصريح.
احد مبررات اتخاذ القرار أيضا حقيقة عدم وجود خيارات عديدة أو هوامش للمناورة أو الضغط على العدو السياسي، الإسرائيلي/الأميركي، لصد هجومه الكاسح، والإدراك بأن الانقسام هو الخاصرة الفلسطينية الضعيفة التي لا تزال تغري العدو بمواصلة هجومه، وحيث إنه متوقع أن تبذل إسرائيل كل جهدها من أجل تعطيل العملية الانتخابية، فإن الإدارة الفلسطينية للانتخابات ستضطر إلى اللجوء إلى خيار الدائرة الانتخابية الواحدة، والتنافس عبر القوائم الوطنية، وهذا سيكون إنجازاً لتعميق الإجراء الديمقراطي، حيث كان النظام الانتخابي المشترك بين القوائم والدوائر أحد أسباب ازدواجية السلطة بعد انتخابات 2006، ومن المهم أيضا أن تكون الانتخابات ثنائية، أي لانتخاب مجلس تشريعي ثالث ورئيس جديد للسلطة معاً وبنفس الوقت، مع نائب له لو أمكن.
ومنذ اليوم الذي يتحدد فيه موعد الانتخابات، أي بعد ستة أشهر، أو في الصيف القادم تقريباً، فإن الكل الوطني عليه أن يكون مدعواً للضغط على إسرائيل في المحافل الدولية من أجل عدم عرقلة هذا الإجراء الديمقراطي، الذي من شأنه أن يعيد الحيوية للقاعدة الشعبية واللياقة الوطنية للشعب الفلسطيني بقواه وفصائله، ويدفع باتجاه تشكيل سلطة موحدة وقيادة موحدة، بالتأكيد سيتم التعبير عنها في القوائم المتنافسة وفق نظام التمثيل النسبي الكامل، التي ستضم ممثلي القدس والضفة والقطاع، بغض النظر إن كان ناخبو تلك المناطق سيتمكنون من الاقتراع بشكل مباشر أم لا، وحين ذلك هناك طرق ووسائل وأدوات لتجاوز المنع الإسرائيلي لمشاركة ناخبي القدس، أو المنع الحمساوي لناخبي غزة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية