مسؤولية إسرائيل

غزة /  مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية  / نتخيل أن نتنياهو وزمرته قد شعروا بالاغتباط والسعادة عند سماعهم لخبر جريمة اغتيال صحفيي "شارلي ايبدو" وتمنوا لو أن بعض اليهود كانوا من بين ضحاياها ليكونوا جزءاً من مشهد الضحية والتضامن الدولي، وذلك قبل أن يرسموا على قسمات وجوههم تعبيرات الحزن والغضب أمام عدسات الكاميرات، مستغلين الجريمة لإطلاق العنان لتصريحاتهم التحريضية على ما سموه "الإسلام المتطرف"، مذكرين العالم بضرورة عدم التهاون مع تهديدات "إرهاب الإسلام" الذي قال نتنياهو انه يحمل الكثير من الأسماء من بينها حماس وحزب الله وداعش والقاعدة.


منذ عقود تحاول إسرائيل إقناع العالم بعدم ربط ما يدور في العالم العربي والإسلامي من عنف وحراك اجتماعي بالصراع مع إسرائيل، وهو ما يكثر اليوم نتنياهو من تكراره بالقول ان "لا علاقة للصراع أو الاستيطان بما يحدث في سوريا والعراق والعالم الإسلامي، وان إسرائيل جزء من الحل وليست جزءاً من المشكلة"، محاولاً ان يرجع انفلات العنف وحالة الصراع الدامي داخل الدول العربية الى ما يسميه بـ "الاسلام المتطرف" والصراع المذهبي، وذلك لينفي عن إسرائيل أية مسؤولية فيما يحدث، وبدرجة كبيرة من الوقاحة ينفي عن اسرائيل أية مسؤوليات عن تدهور الأوضاع الانسانية والمعيشية في قطاع غزة، ودائماً لديه من يتهمهم لكنه لن يتهم اسرائيل بشيء؛ بل يدعي انها ضحية للكراهية والحقد والتطرف واللاسامية، وأن بإمكانها ان تكون جسراً لنشر السلام والازدهار في المنطقة.


من السطحية بمكان البحث عن رابط مباشر يربط إسرائيل بما يحدث في الصومال، لكن هذا لا يعني انها بريئة من أية مسؤولية، فيما لو نظرنا لما يحدث في العالم العربي والاسلامية نظرة تاريخية معمقة، ودون الغوص كثيراً في التاريخ، فيكفي ان نعترف بحقيقة ان أحد أهم أهداف زرع اسرائيل في المنطقة هو لإقامة قاعدة استيطان عسكرية في قلب العالم العربي تضمن استمرار الهيمنة الغربية وإبقاء العرب في حالة دفاع أمام العنف الصهيوني وحماية مصالح الغرب سواء كانت موارد أو نظم رجعية.


كما ان مجرد وجود إسرائيل وتهجير الشعب الفلسطيني واضطرار إسرائيل للدفاع عن حق القوة والقرصنة والاغتصاب جعلها تعيش أقصى الهواجس الأمنية تطرفاً، ما اضطرها، ولا زال، لاستخدام كل الوسائل الهجومية العنيفة واللينة والمباشرة وغير المباشرة لتأمين استمرار بقائها، فغذت الصراعات والانقسامات العربية وحالت لإحباط مشاريع النهضة الوحدوية، ولأنها جزء من العالم الغربي فقد جعلت من مسؤوليات الغرب حمايتها؛ الأمر الذي جعل منه جزءاً من التحالف المعادي لقضايا العرب، وفي إطار تقويض أي تهديد لحليفتهم إسرائيل عزز الغرب دور الأنظمة العربية القمعية والظلامية المتحالفة معه، وشجعها على قمع كل أشكال الحراك السياسية والمجتمعية الساعية للتقدم وللتحرر.


إن الصراع بين العرب والغرب لم يكن طبيعياً أو نتاجاً لظروف موضوعية أو دوافع دينية؛ بل هو نتاج طبيعي ومباشر للتحريض الصهيوني ولالتزام الغرب بأمن اسرائيل بالمعايير الأمنية الإسرائيلية، فلا يمكن رؤية الحرب العراقية الإيرانية، ولا حرب الخليج الأولى ولا الثانية ضد العراق التي أفضت لتفككه وانفلات العنف فيه؛ بعيداً عن الدور الإسرائيلي والتحريض الصهيوني، فلولا وجود اسرائيل ما كانت علاقة أمريكا بالعراق ستصل الى حد الحرب، ولنا في كوريا الشمالية وكوبا نماذج عن التحدي ومقاومة النفوذ الأمريكي دون ان تضطر أمريكا للمغامرة بالحرب.
كما ان الصراع السوري لا يمكن قراءته دون رؤية الدور الإسرائيلي، سواء المباشر أو التحريضي غير المباشر، علاوة على ان أصل نشأة كل التنظيمات الاسلامية التي توصف بالمتطرفة والإرهابية يعود لأمريكا وإسرائيل.


وإن كان العالم الغربي اليوم يخشى من تهديدات الإرهاب فليسأل نفسه من الذي دمر سوريا والعراق وليبيا وأفغانستان؟ ولمصلحة من دمرت هذه الدول؟ فعلى الغرب قبل ان يحاكم ويتهم الاخرين أن يجرى حساباً عسيراً مع النفس، يقف فيه على مسؤولياته التاريخية ومسؤولياته الحاضرة عما وصل إليه العالم العربي والاسلامي من حالة عداء وكراهية للغرب المتواطئ مع إسرائيل، ومن انفجار العنف والارهاب الناتج عن تحطم المجتمعات والدول العربية التي كان للغرب وإسرائيل الدور الرئيسي فيها.


فالدور الأوروبي جزء من المشكلة، وعليه ان يكون جزءاً من الحل، ولا يمكن له ان يكون جزءاً من الحل طالما بقي متنكراً لمسؤولياته التاريخية، ومتنكراً لواجبة الأخلاقي والسياسي تجاه قضايا المنطقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وبقي مخلصاً لتحالفه مع إسرائيل ومقدماً هواجسها الأمنية على مصالح أكثر من مليار ونصف مسلم.


الغرب عامة، وأوروبا خاصة، لا تستطيعان اليوم النأي بأنفسهم عن مشاكل الشرق الأوسط أو الاكتفاء بحلول أمنية وبعض أعمال "الاحسان"، فعوضاً عن ان مصالح أوروبا مرتبطة عضوياً بالجيوسياسيا الشرق أوسطية؛ فإن قضايا العرب والمسلمين وتداعياتها المختلفة باتت تسكن قلب أوروبا اليوم مع وجود عشرات الملايين من العرب والمسلمين في القارة الأوروبية، وهم في ازدياد مضطرد، لا يمكن استمرار تجاهلهم كما لا يمكن التخلص منهم، فضلاً عن أن الإجراءات الأمنية وحدها ستفاقم المشكلة، وستمس بأحد أهم مكونات القوة الأوروبية "الرخاء والحرية".


إن إسرائيل تعمل على توحيد العالم الغربي في معركتها مع جبهات "العنف والإرهاب ومحور الشر" بفرض ما يشبه تحالف دولي تكون إسرائيل جزءاً منه أو حتى في هامشه لكي لا تبقي الوحيدة في مواجهته، وكل اعتداء ضد المصالح والدول الغربية من قبل أي عربي أو مسلم هو عمل مرحب به إسرائيلياً لأنه يدعم رؤيتها وروايتها لأسباب الإرهاب ولأهمية التحالف الدولي في محاربته ويساعدها في إقامة تحالفها في ظل استمرار احتلالها وفتكها بالشعب الفلسطيني.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد