أعلن الرئيس محمود عباس عن حل المجلس التشريعي وإجراء الانتخابات التشريعية خلال ستة أشهر!

قرارٌ سبقتهُ تهديدات كثيرة في ظل استمرار تعثر جهود إنهاء الانقسام الفلسطيني، التي كان آخرها في المؤتمر الدولي لتعزيز دور القطاع الخاص في جهود الحوكمة ومكافحة الفساد المنعقد بتاريخ 9/12/2018 إذ هدد الرئيس "بأن هناك ثلاثة إجراءات مع إسرائيل وأميركا و حماس ، وما نريد أن نعمله الآن هو اتخاذ مجموعة من القرارات التي يجب أن نتخذها" كما ذكر، وذلك ما يثير التساؤل، هل حل المجلس التشريعي من الإجراءات التي يعتبرها الرئيس هامة لحماية ومساندة مشروعه الوطني؟

وما سبقه من تعليقٍ تراجع عنه بنفس الجلسة رئيس المحكمة الدستورية العليا محمد قاسم، في مؤتمر القانون الدستوري الفلسطيني الأول ـــ آفاق وتحديات ــــ الذي عقد في جامعة النجاح بتاريخ 11/2/2017 حول شكل النظام السياسي في فلسطين بأن رئيس السلطة يملك حل المجلس التشريعي الفلسطيني، وأن المحكمة الدستورية من مهامها الحفاظ على النظام السياسي خصوصاً في ظل الوضع الداخلي الحالي، وعدم العودة إلى حكم الادارة المدنية!

قرار الرئيس اليوم بحل المجلس والدعوة لانتخابات تشريعية فقط، في ظل استمرار الإنقسام يعني تكرار سيناريو ما حدث بانتخابات الهيئات المحلية قبل عامين بانعقاد الانتخابات المحلية في الضفة الغربية دون قطاع غزة نتيجة عدم التزام طرفي الانقسام بتحييد اجراءات التحضير للانتخابات عن المناكفات السياسية وبتهيئة بيئة مواتية وضامنة لتنفيذ الانتخابات بنجاح في كافة محافظات الوطن.

مما يعني أن شعرة معاوية قُطعت بهذا القرار، الذي سيعزز بدوره تفرد طرفي الإنقسام بالسلطة دون رقيب أو حسيب وسيبقى المواطن يسأل من نٌسائل؟

وحيث أشار الرئيس في حديثه؛ أن الصلاحية ممنوحة له من قبل المحكمة الدستورية التي شكلت عام 2016 بقرار بقانون منه! وهنا نقف أمام عدة تساؤلات...

أولها: أين هذا الحكم الذي استند إليه السيد الرئيس؟ أم أنه استند إلى الحكم السابق بقضية السيد محمد دحلان الذي جاء برفع الحصانة عنه لانتهاء ولاية المجلس التشريعي؟ حسب المادة 47 من القانون الأساسي الفلسطيني والتي تحدد ولاية المجلس التشريعي بأربع سنوات فقط.

أما إذا كان هناك حكماً خاصاً بناءا على طلبٍ قدم أمام المحكمة الدستورية، فمن المؤكد أن قراراً من هذا القبيل يصدر برئاسة رئيس المحكمة الدستورية والخطورة التي تكمن هنا أنه قد سبق لرئيس المحكمة الدستورية أن أعطى رأياً بهذا الخصوص إبان تعليقه سالف الذكر في مؤتمر القانون الدستوري بجامعة النجاح، حيث أن هذا الأمر يُعد مخالفة واضحة للقانون تتطلب منه تنحيه عن الحكم، فالقاضي الذي يبدي رأيه بقضية معينة لا يجوز له أن يحكم بها وبالتالي الحكم المستند إليه باطل.

ونقطة أخرى مهمة يجب أن لا تُغفل بالرجوع إلى صلاحيات المحكمة الدستورية، تختص المحكمة، دون غيرها، بما يلي:

الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة.

تفسير نصوص القانون الأساسي والقوانين في حال التنازع حول حقوق السلطات الثلاث وواجباتها واختصاصاتها.

وعليه فهذا لا يُجيز لها مخالفة القانون الأساسي، فبالرجوع لنص المادة 113 من القانون الأساسي الفلسطيني بأنه (لا يجوز حل المجلس التشريعي الفلسطيني أو تعطيله خلال فترة حالة الطوارئ أو تعليق أحكام هذا الباب)

وبالتالي فقد أضحى هناك خللاً كبيراً في حكم المحكمة الدستورية بتجاوزها لصلاحياتها يمتد لقرار السيد الرئيس بحل المجلس التشريعي، فنحن ما زلنا في حالة الطوارئ ودلالتها الواضحة هي استمرار إصدار القرارات بقوانين على سبيل المثال لا الحصر,

حتى وإن افترضنا أن حالة الطوارئ قد انتهت استنادا إلى انتهاء مدتها حسب القانون, و إلى أن الرئيس يصدر قرارته بقانون استنادا لنص المادة 43 من القانون الاساسي وهي حالة الضرورة – وهناك فرق بين الأحكام والإجراءات والآثار المترتبة على حالة الضرورة وحالة الطوارئ - ( والتي أعتقد أنه على إثرها تم تبرير حكم المحكمة أي بمفهوم المخالفة للمادة 113 في حالات غير الضرورة يجوز للرئيس حل المجلس التشريعي) وهذا تفسر غير مقبول على الإطلاق.

فلا يجوز إعمال النصوص الدستورية حسب الأهواء والمصالح السياسية وإنما وفقاً للمصلحة العامة وروح النص، وأعتقد أنه من الأولى تجميد كل العملية التشريعية في ظل الاستخدام السياسي المفرط لها من قبل طرفي الإنقسام.

وسؤال آخر وأخير؛ لو نُفذ جدلاً قرار حل المجلس التشريعي الحالي، فهل سيمارس المجلس التشريعي صلاحياته لحين حلف اليمين للمجلس المنتخب؟ لقد أجاب القانون الأساسي الفلسطيني في نص المادة 47 مكرر (تنتهي مدة ولاية المجلس التشريعي القائم عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستورية) والمقصود بالقائم هنا وبعد مراجعة السياقات التي شرعت بها هذه المادة هو المجلس التشريعي القديم وليس الحالي وبالتالي نتحدث عن فراغ تشريعي وغياب كامل للمساءلة وتفرد مطلق من السلطات التنفيذية وهذا ما سيزيد اكتواء المواطن الفلسطيني بناره إضافة إلى حالة التفرد القائمة.

وأعتقد أن السناريو القانوني المتوقع بعد اتخاذ هذه الخطوة, هو إحالة اختصاصات المجلس التشريعي للمجلس الوطني باعتباره الهيئة التشريعية الممثلة للشعب الفلسطيني بالوطن والشتات

لا شك أن الانتخابات احتياج بالغ الأهمية وضرورة ملحة لإنقاذ النظام السياسي وتحقيق الوحدة الوطنية إلا أنها لا بد أن تكون انتخابات شاملة ونزيهة تطبق في كافة محافظات الوطن وفق سياق قانوني ووطني موحد.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد