تقود فرنسا ظهر اليوم الأحد، أهم مظاهرة دولية ضد الإرهاب في عاصمتها، بمشاركة كبار قادة أوروبا، على خلفية الهجوم الإجرامي المتعدد الذي جرى مؤخراً في باريس، وذلك وسط انقسام حول مدى تحويل هذه المظاهرة، في ظل الأجواء السائدة، وكأنها تأييد لمجلة شارلي ايبدو وسلوكها الذي أدى إلى ردود الفعل السابقة واللاحقة، بعض الفرنسيين حملوا شعارات «كلنا شارلي ايبدو» وكأن الوقوف مع هذه المجلة، كأنه الوقوف مع حرية الرأي والتعبير وإدانة للإرهاب، في حين رأى عدد متزايد من الفرنسيين، أن هذه المجلة، غبية تفتعل المواجهة والابتزاز والوقاحة، متخذة من حرية الرأي والتعبير منزلقاً لتحقير كل من يخالفها، الأمر الذي يجعل من هذه المجلة، أداة للصدام، بذريعة الرأي المختلف، كل الفرنسيين، كما كل أحرار العالم، لا يبررون الجريمة التي ارتكبها الجناة بحق صحافيي ورسامي المجلة، مع ذلك، فإن تبرئة المجلة أمر مختلف عليه!
مظاهرة دولية حاشدة، بتوقيت بالغ الحساسية، ليس فقط لجهة تبلور جبهات ضد الإرهاب وتحالفات إقليمية ودولية لمواجهة تزايد الإرهاب وامتداداته ومخاطره، ولكن أيضاً متغيرات جرت في الشهور الأخيرة على «مزاج» الرأي العام الأوروبي، ونقصد بالتحديد، المظاهر المتزايدة في أوروبا لحصار إسرائيل، لمنتجات المستوطنات، والجامعات والتبادل الثقافي، تزايد الإصغاء إلى الرأي الفلسطيني، التصويتات في برلمانات الدول الأوروبية اعترافاً بالدولة الفلسطينية، ولعل تزامن الهجمات الإرهابية في باريس مؤخراً بعد أيام من تصويت فرنسا لصالح فلسطين في مجلس الأمن، له الدلالات الأوضح على متغيرات حقيقية على الرأي العام الأوروبي لصالح القضية الفلسطينية وباتجاه المزيد من عناصر الحصار للكيان الإسرائيلي.
تزامن الهجمات الإرهابية في فرنسا، وإشارات بريطانية حول معلومات عن تزايد هذه الهجمات في عواصم أوروبية أخرى، في ظل المظاهرة الدولية الحاشدة اليوم في باريس، كل ذلك من شأنه إحداث «متغيرات على المتغيرات» التي سبق وأن أشرنا إليها، وهنا تكمن الخشية من توظيف هذه المظاهرات المنددة بالإرهاب، لتطال أحكام مفادها أن إسرائيل هي في جوهر الحرب على الإرهاب وانها عصب هذه الحرب باعتبارها هدفاً دائماً لهذا الإرهاب، وذلك من خلال ما تملكه الدولة العبرية من أدوات سياسية واقتصادية ونفوذ من خلال تجمعات اليهود في الدول الأوروبية ذات التأثير الواضح على السياسات وعلى توجيه الرأي العام، الخشية هنا، من أن تتحول المظاهرة الدولية، أو على الأقل بعض منها، لإعادة النظر في المتغيرات الأخيرة التي جرت، والتي كانت تعتبر إسرائيل هي دولة الإرهاب الرسمي الأولى في العالم، وان الشعب الفلسطيني، هو الضحية الأبرز لهذا الإرهاب، الخشية من تحولات تنقذ إسرائيل بدعوى الحرب على الإرهاب، وتتحول الأنظار عن الإرهاب الإسرائيلي، إلى الإرهاب الإسلامي والإرهاب العربي!
وما يطمئن من أن هذه المظاهرة لن تنزلق إلى تحولات تنسف المتغيرات الأخيرة، ظهور المزيد من الآراء التي تحذر من مثل هذا الانزلاق، وان إسرائيل ستسعى إلى توظيف هذه المظاهرة، وكل تداعيات الحرب على الإرهاب لتبرئة نفسها من الإرهاب، وتبرير سياساتها الإرهابية ضد الفلسطينيين، وهناك مقال منصف في «نيويورك تايمز» بقلم نيكولاس كريستون، نسف من خلاله الحديث المتواتر عن ربط الإرهاب بالإسلام، وان الإرهابيين أساؤوا للإسلام أكثر من رسامي مجلة شارلي ايبدو، والأهم في إشارة الكاتب، ان المسلمين والعرب تحديداً هم الذين يحاربون الإرهاب، في حين ان أوروبا وأميركا، تخشى من عودة الإرهابيين إليها، وتفضل بقاءهم في مواجهة مع العرب بعيداً عنهم.
آراء مماثلة كثيرة شهدناها في الأيام الأخيرة، لكن يبقى الخطر الإسرائيلي قائماً، والخشية من استثمار إسرائيلي للمظاهرة، وللحرب على الإرهاب لصالح سياساتها، خشية مشروعة، مقالات الرأي في الصحافة الإسرائيلية، تعكس قدرة على التزوير غير مسبوق، بهذا الشأن، ايتان هابر في «يديعوت أحرونوت» يقول عن معادلة: أوروبا وإسرائيل، الحضارة والديمقراطية في مواجهة مع الإرهاب الإسلامي، الكاتب نوح كميغر، شمت بالرئيس الفرنسي لتصويت بلاده إلى جانب فلسطين في مجلس الأمن، وكأنه يقول: «بتستاهل»، أما مراسل «معاريف» في باريس، غدعون كوتس، فإنه اعتبر ما جرى في باريس، ما هو إلا حرب بربرية ضد الحضارة، والحضارة الأوروبية ـ الإسرائيلية في خطر، لكن دان مرغليت في «إسرائيل هيوم» يشير إلى خطر إضافي: هناك في فرنسا من سيقول إن وجود اليهود هو الذي يتسبب في توجيه الإرهاب لضرباته في فرنسا، إلا أن أخطر المقولات بهذا الصدد جاءت من حيث لا يجب، الملحق الثقافي في السفارة الفرنسية في تل أبيب يصرح بأن حرية اليهود مهددة كما هي حريتنا، هذا ما أثبته الهجوم الإرهابي في باريس!!
وكلمة واحدة تلخص الأمر: الإرهاب في خدمة الإرهاب الإسرائيلي، والإرهاب ليس فقط لا دين له، بل أيضاً لا عقل له!!
Hanihabib272@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية