دأبت الإدارة الأمريكية منذ وصول ترامب لمقاليد الحكم بقطع الوعود من أجل التوصل لمسودة خطة "مشروع" سلام جديد في الشرق الأوسط، بعيداً عن حل الدولتين، ولكن الأهم من ذلك هو تماسك القيادة الفلسطينية بقوة واهتمام لإقامة دولة فلسطينية، ولكن المفارقة، أن مشروع الدولة في تراجع بعدما كان هدفاً استراتيجياً ليصبح تكتيكاً مرحلياً، بعدما استفحل الانحلال السياسي الخطير بين الضفة الغربية وقطاع غزة .

في اليقين الداخلي للمواطن الفلسطيني أن هناك مشكلة حقيقية يعيش في اطارها ذلك المواطن وهي ما الذي حل مكان التفكير الإستراتيجي للسلطة الفلسطينية كبديل عن الدولة؟، الإجابة لا شيء.

طرفي الصراع بين الضفة الغربية وقطاع غزة لا يريد أي طرف منهما أن ينزل عن شجرة العنف الوطني التي ينتهجها، وكل طرف يتمنى الهزيمة للطرف الاخر، فميدانياً ما يقدمه القادة الفلسطينيون في هذه الأيام يخلو من رؤية وطنية للوصول للدولة بكل أشكالها.

في ظل حالة العجز التي يعاني منها النظام السياسي الفلسطيني على عدم قدرته على استنباط حالة سياسية "ثالثة"، تكون قادرة على صناعة التغيير في المشهد السياسي الفلسطيني، تُكون بين طياتها رؤية وسطية تجمع أفكار ومعتقدات قيادات وطنية من الأحزاب السياسية الفلسطينية المختلفة فكرياً وسياسياً تلتئم على مائدة واحدة، وتتفق على تشكيل حالة سياسية، تكون كخيار إضافي للحالات الفلسطينية القائمة، يكون عمادها قائم على جمع التناقضات الفلسطينية من كافة الأحزاب والفصائل، وتسعى لطرح رؤية سياسية شاملة وقادرة على التحول بالجمهور الفلسطيني من الصراع إلى التغيير وصولاً للتطوير الحقيقي للنظام السياسي الفلسطيني.

النظام السياسي برمته في حالة تآكُل! كيف؟ فنحن في انتظار ملامح سياسية جديدة، تفضي إلى نهاية هيمنة منظمة التحرير الفلسطينية على مقاليد الحكم في الأراضي الفلسطينية، وهي الفرصة التي انتظرها الكثيرين، من أجل بسط هيمنتهم على مقاليد الحكم في قطاع غزة والضفة الغربية بالتحديد، ففي نظرة سريعة لِحُقبة تاريخية عاشتها القضية الوطنية الفلسطينية، بعد نشأة منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1964م، بدأت ملامح النظام السياسي تتضح معالمه، من خلال شمولية التمثيل لكافة أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات من خلال ممثلهم الحصري والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن ما حدث بعد توقيع اتفاق أوسلو، أن ذلك التمثيل انحصر ليمثل في جوهرة الخاص الشعب الفلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية، وفي شكله العام الفلسطينيين في الخارج.

في ظل مقدمات الانقسام السياسي الفلسطيني وأحداث ما بعد العام 2007م، تُشير التقديرات المرحلية أن النظام السياسي الحالي والحالة الثورية والتفاوضية في شقي الوطن لن تصمد كثيراً، وستزول في وقت قريب، لعدم قدرتها على التكيف مع الحالة العربية والإقليمية، ولقوقعتها تحت ظلال شخصيات عايشت كافة المتغيرات وهي لم تتغير ولم تتطور، وانحدر تحت سقفها وإدارتها المشروع الوطني برمته سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، وباتت المشاريع الأمريكية والإسرائيلية المطروحة تُمثل خياراً عربيا وإقليميا، ولا تجد فلسطينياً إلا الرفض دون التحرك في منع تنفيذ تلك المشاريع، فنحن الطرف الأضعف في المعادلة الإقليمية والعربية والدولية.

إن الحالة الراهنة التي تمر بها القضية الفلسطينية أشبه إلى حد كبير تلك الحالة التي مرت بها اذبان حكم الرئيس الراحل ياسر عرفات، حيث عاش سنتين من العزلة في المقاطعة انتهت تلك العزلة باستشهاده، وبذلك تكون انتهت الحقبة الثورية في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة، والتي تجلت بقائد ثوري يؤمن بأن المقاومة والمفاوضات طُرق يُمكن استخدامها في الوصول للدولة الفلسطينية، وقد ساعد في ذلك الوقت الرئيس الأمريكي جورج بوش من التخلص من الزعيم الفلسطيني من خلال إعطاء الضوء الأخضر لرئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون في التخلص من ياسر عرفات، باعتباره عقبة أمام تحقيق السلام في الشرق الأوسط.

اليوم يسير نتنياهو على خطى شارون وبموافقة وترامب من أجل القضاء على الرئيس محمود عباس من أجل ترسيخ وقائع جديدة في المنطقة من خلال تجزئة الضفة الغربية والسيطرة عليها وضم المزيد من أراضي المستوطنات لحدود إسرائيل، وخلق نزاعات فلسطينية فلسطينية في الضفة الغربية، في ظل عدم نضوج النظام السياسي الفلسطيني وتداخل السلطات الممسك بها الرئيس عباس في يده.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد