شهدت الجلسة الأخيرة للبرلمان العربي المنعقد في مقر الجامعة العربية في القاهرة نقاشاً حاداً حول مشروع البيان الختامي الذي اقترحه رئيس البرلمان مشعل السلمي، حول أوضاع حقوق الإنسان في فرنسا وأوروبا على خلفية احتجاجات «السترات الصفراء» في فرنسا، حيث تحدث بعض الأعضاء عن ضرورة الالتفات الى أوضاع حقوق الإنسان في الدول العربية، بعدما جرى خلال هذه الجلسة، مساء أمس الثلاثاء، عرض مشاهد فيديو للاعتداء على المتظاهرين في فرنسا، في محاولة للإشارة الى ان القمع في كل مكان، وان حتى الدول الديمقراطية تقوم بمواجهة المتظاهرين، في محاولة للإشارة الى ان أحوال حقوق الإنسان العربي لا تختلف عما هو الأمر عليه في الدول الديمقراطية.


يجري هذه الأمر، بينما هناك دعوات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية، لامتداد «السترات الصفراء» الى هذه الدول، فرأينا هناك «الشماغات الحمر» في الأردن، والسترات الصفراء في البصرة، وقيل ان جمهورية مصر العربية منعت بيع السترات الصفراء في السوق، في حين ان البعض يشير حول ذلك ان ليس هناك ما كان يعرض أساساً من هذه السترات الصفراء في السوق المصرية، وهي فقط يتم تداولها من خلال المؤسسات المهنية العاملة في مجال الصناعة والمرور وما الى ذلك، ما يشير الى عدم دقة هذا التداول فيما يتعلق بمصر.


وبينما اتسعت ظاهرة «السترات الصفراء» من فرنسا الى بعض الدول الأوروبية كعدوى .... في سياق ثورات احتجاجية في بروكسل وأمستردام وصوفيا، وإمكانية تمددها الى دول أوروبية أُخرى، خاصة اذا ما استمرت الحركة الاحتجاجية الفرنسية، السبت القادم، على ضوء ان خطاب الرئيس الفرنسي ماكرون لم يشكل عودة حقيقية عن قراراته الاقتصادية حسب العديد من فرق السترات الصفراء، ما يوحي بان هذه الحركة ستستمر للإعلان عن غضبها واحتجاجها بحجة أن ما جاء في كلمة الرئيس الفرنسي، يتعلق بفئة محدودة من الجمهور الفرنسي الغاضب.


نقول، بينما تمتد السترات الصفراء أوروبياً، هل من الممكن ان تمتد عربيا؟ في حين يرى بعض العرب ان الحراك الاحتجاجي الفرنسي، ما هو الا امتداد لما بات يسمى بالربيع العربي الذي انطلق عام ٢٠١١ في عموم المنطقة العربية تقريباً؟!


قد نجد الإجابة على هذا السؤال لدى فرنسا نفسها وكيف تعاطت مؤسساتها الديمقراطية مع هذه الاحتجاجات، فالواضح ان آليات وديناميات الدول الديمقراطية تمتلك القدرة على التعاطي السريع مع مثل هذه الاحتجاجات، ورأينا كيف تراجع رئيس الحكومة الفرنسية، مع بداية الاحتجاجات وأعلن عن تجميد قرار رفع أسعار المحروقات، ثم عاد لكي يلغي هذه الإجراءات ثم تقدم الرئيس الفرنسي بعملية مراجعة، متحملاً قسطاً من المسؤولية أمام الجماهير الفرنسية، معلناً عن سلسلة خطوات من شأنها تهدئة الشارع الفرنسي، واذا كان هناك مجال للمقارنة، فإن أنظمة الحكم المستبدة، لدينا في المنظومة العربية، لم تلجأ أثناء ثورات الربيع العربي الا الى اداة واحدة، القمع والبطش والغطرسة، الأمر الذي أدى الى النتائج التي تشهدها هذه الأيام في عموم المنطقة العربية التي باتت تترحم وتشتاق الى ما قبل هذه الثورات التي أدت، خلافاً لنوايا الثوار، الى صعود التيارات الإرهابية وإحياء الإسلام السياسي في المنطقة وإحالة عموم المنطقة الى الاحتراب وعدم الاستقرار.


لدى الدول الديمقراطية، كفرنسا، أدواتها لمواجهة مثل هذه الاحتجاجات، واياً كانت هذه الآليات فإنها تخضع في نهاية الأمر، الى الحلول الديمقراطية، وليس هناك أي بديل عن هذه الديمقراطية لدى هذه الدول، خلافاً للوضع العربي، فالبدائل مستنفرة وموجودة واكثر تنظيماً، وهي اكثر استبداداً وبطشاً ودموية، وآخر ما يعنيها مسألة حقوق الإنسان حتى بحدودها الدنيا.


من هنا، نرى ان الحراك الجماهيري، السترات الصفراء في فرنسا وربما في أوروبا، ليس له علاقة لا من قريب او بعيد بما يسمى بالربيع العربي، وحتى مع التقرب الى الحراك الفرنسي من خلال تسمية الاحتجاجات بالألوان المميزة، فإن اي حراك عربي قادم، لا بد من ان يأخذ بالاعتبار، تجربة الربيع العربي، الدموية والقمعية وعدم الاستقرار وتراجع الدور والتأثير، نظراً لعدم توفر البديل الثوري الديمقراطي المنظم!.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد