مَن يتصفحْ كتابَ «المُستطرَف في كل فنٍّ مُستظرَف»، للكاتب، شهاب الدين محمد بن أحمد الإبشيهي، يظفرْ بجمال اللغة، وبالمتعة في فنِّ القص، كما أن الكتاب يجلب السعادة، ويُحبِّبُ الأبناء في تراث الآباء. في هذا الكتاب بسماتٌ ساخرة ونقدٌ مرير، وجمالٌ في السرد. إليكم بعضَ القصص الجميلة عن حكايا وأقاصيص بخلاء العرب بتصرُّف:
أراد جماعةٌ من الأصدقاءِ أن يزوروا صديقَهم المصابَ بالحُمَّى، وأن يصفوا له الدواء الشافي، فاقترح أحدُهم علاجَ صديقهم البخيل، قال لهم: إذا دخلتم منزله، أكثروا من الأكل عنده، لأنه حين يراكم تأكلون كثيراً، فإنه يَعرقُ، والعرقُ يُشفيه من الحُمَّى!!!


اختبرَ رجلٌ من  البخلاءِ أبناءه في (فن) البُخل، فجمع أبناءَه الثلاثة، وأنضج على النار قطعةَ لحمٍ تكسو عظماً، ثم شرعَ في أكلِ قطعةِ اللحمٍ فأكلها كلَّها، ولمْ يُبقِ منها سوى العظم، وكانتْ عيون أطفالِه الثلاثة ترمُقُه بنهمٍ، وجوعٍ، فقال لهم يختبرهم: سأعطي هذا العَظمَ، لمَن يُجيدُ وصفَ طريقةِ أكلِهِ، فسأل أكبرهم سنا: كيف تأكل هذه العظمة؟ فقال: أمُصُّها، حتى لا أتركَ فيها شيئاً للنمل! فرد الأبُ، أستاذُ البخلاء: العَظْمةُ ليست لك، لأنك لم تُحسن أكْلَها!!


قال الابنُ الأوسطُ: أمُصُّها، ثم ألوكُها، ثم ألحسها، حتى لا يدري مَن يراها، أهي تعود في تاريخها لعامٍ، أو عامين! قال الأبُ: هي أيضاً ليست لك!


قال الأصغرُ: ألحسُها، ثم أمُصُّها، ثم أدُقُّها، حتى تصبح رماداً، ثم أسُفُّها سَفَّا! قال الأبُ: هي لك!!!


ومِن روائع هذا الكتاب أيضاً: مرَّ أعرابيٌّ جائعٌ من بلدة أبي الأسود، وكان أبو الأسود بخيلاً مشهوراً في البُخل، وكان هذا البخيل، أبو الأسود يأكلُ طعامَه في الصحراء، فلم يَقلُ للأعرابي الجائع: تفضَّل، كُل معي، فشرعَ الأعرابيُ يُحدثُ البخيل آمِلاً أن يظفرَ بشيء من الطعام، فقال له: مررتُ بأهلكِ في الطريق، وصمتَ، في انتظار أن يدعُوَهُ للأكل! ردَّ البخيل: كانتْ طريقك! فقال الأعرابي: إن امرأتَك حُبلى: ردَّ البخيل: كذلك عهدي بها، قد ولدَتْ.... لا بُدَّ لها أن تَلِد!.... ولدتْ غُلامين!!.... كذلك كانت أُمُّها، تُنجب التوائم!!.... ماتَ أحدُهما!!.... امرأتي لا تقوى على إرضاعِ اثنين!... مات الثاني بعد يومين!!... ماتَ حُزنا على أخيه،  ولما يَئسَ الأعرابيُ قال: ما أطيبَ طعامَكَ!! ردَّ البخيلُ، أبو الأسود: لهذا آكلُهُ وحدي، واللهِ، لا ذُقْتَه!!!


نسج شاعرٌ آخرُ، اسمُه (الحمدوني) حواراً بين بخيلٍ، اسمُهُ، أبو زرارة، وبين خادِمَه، أو حاجبه وحارسه الشخصي، يأمرُه ألا يسمح بدخول الزائرين حينما يدخل الطعامُ عليه مصفوفا فوق الخِوان، أو الصينية، وهو يُهدِّدُ حاجِبَهُ بقطع رأسه بالسيف، (الحسام) إذا سمح لزائرٍ أن يدخل عليه أثناء الأكل لشدة بُخله، قال:


 رأيتُ أبا زُرارةَ قالَ يوما 
        لحاجِبِهِ، وفي يدهِ الحُســــــــــــــــــــــــــــامُ.
إذا وُضِعَ الخِوانُ، ولاحَ قومٌ
لأختطفنَّ رأسَك والســـــــــلامُ
فقالَ: سوى أبيك، فذاك شيخٌ 
كبيرٌ ليسَ يردعُه الكلامُ
فقام، وقال من حُنقٍ عليه
ببيتٍ لم يَرد فيه القيـــــــــــــــامُ:
إذا وُضعَ الطعامٌ فلا حقوقٌ 
 عليَّ لوالديَّ، ولا ذِمامُ
فما في الأرضِ أقبحُ من خِوانٍ
عليه الخبزُ، يحضره الزحامُ


للأسف، إن مناهج أبنائنا تستثني معظم النصوص الجميلة، تستثني الحكايا، والأقاصيص، والأشعار الباسمة من مناهج الدراسة في المدارس، والمعاهد، فأكثر النصوص الأدبية المُقرَّرة في مدارسنا ومعاهدنا صعبةٌ على الفهم والحفظ، لا يلتذون بجمالها، وحُجة مَن يختارون المقررات الدراسية، أن التعليمَ يجب أن يتسم بالجَدَّ، والقوة، والصرامة، وهم يعتقدون أن مختاراتِهم ستخدمُ الفضائلَ، والمثُل، والقيم الأخلاقية، وتحافظ على العاداتِ والتقاليد، لذلك، فهم يرون في طرائف العرب خروجاً على معتقداتهم، فهل هم مُحِقُّون، أم أنهم يُكرِّهونَ أبناءنا في لغتهم؟!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد