يمر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في أسوأ فترات حكمه، الذي شارف على تجاوز أعلى فترة حكم لرئيس وزراء إسرائيلي، حيث سيتجاوز في شهر تموز القادم  دافيد بن غوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي وصاحب أطول ولاية كرئيس حكومة، وذلك بسبب توصية جهاز الشرطة الإسرائيلية بتقديم اتهام ضد نتنياهو وزوجته سارة في قضية الفساد المعروفة باسم ملف 4000، والتي يتهم نتنياهو وزوجته فيها بتلقي الرشاوى والاحتيال وخيانة الأمانة، كما أن زوجته متهمة بالإضافة إلى ذلك بتعطيل التحقيق. وهذه القضية تتعلق بشركة الاتصالات «بيزك» وموقع «وللا» الإخباري. وحسب الشبهة فإن نتنياهو قد عمل على الحصول على ترويج إيجابي له ولزوجته في موقع «وللا» الذي يملكه شاؤول إلوفيتش صاحب أكبر الأسهم في «بيزك» مقابل عقد صفقات بمئات الملايين لصالح الشركة بما في ذلك تعطيل قوانين تحد من أرباح الشركة.


وهذه ليست أول قضية تقدم فيها الشرطة توصيات بتقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو، فقد حصل هذا قبلاً في شهر شباط الماضي في قضيتي 1000 و2000 المتعلقتين بتلقي هدايا منها سيجار فاخر وشمبانيا ومجوهرات بقيمة مليون شيكل، وجريدة «يديعوت أحرونوت» والصفقة التي عقدها مع مالك الصحيفة ضد صحيفة «إسرائيل اليوم» مقابل تغطية أخباره والترويج له بصورة إيجابية. ومنذ ذلك الحين لم يحصل شيء، وحتى تقدم ضده لوائح اتهام لابد من أن تقتنع النيابة العامة بالدلائل وتتبنى توصيات الشرطة التي لا تلزم النيابة. وفي العادة يستقيل رؤساء الحكومة في إسرائيل عندما تقدم ضدهم لوائح اتهام، ولكن نتنياهو على ما يبدو سيرفض الاستقالة لو حصل هذا معه. ولكن وضعه لا يحتمل أن يخرج اي شريك في ائتلافه الهش المعتمد على صوت واحد. وفي حال قررت النيابة العامة توجيه الاتهام له على الأغلب سيطالب بعض شركائه بانتخابات مبكرة.


ونتنياهو يرفض الاتهامات ضده ويشن هجوماً على ضباط التحقيق في الشرطة وعلى مفتش عام الشرطة الذي يغادر منصبه قريباً، ويتهمهم بإعداد «خطة مسبقة للإطاحة به»، بل وذهب إلى التلميح بوجود فساد في الشرطة وتضارب مصالح. وهو ينذر المفتش القادم للشرطة بضرورة القيام «بحملة إصلاحات وإعادة تأهيل هائلة». كما ينتقد التسريبات لفحوى توصيات الشرطة قبل الإعلان عنها ويعتبرها جزءاً من حملة الملاحقات المستمرة ضده.


ولو أخذنا في الاعتبار الجدل الدائر الآن في أروقة السياسة الإسرائيلية حول تعيين المفتش الجديد المقترح من قبل وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان المقرب من نتنياهو، سنجد أنه يتعلق بالولاء أكثر من أي شيء آخر، حيث يصر أردان على تعيين موشيه تشيكو أدري مفتشاً للشرطة خلفاً للمغادر روني ألشيخ، على الرغم من أن لجنة التعيينات برئاسة غولندبرغ والمعروفة بلجنة «غولدنبرغ» رفضت تعيين إدري بسبب قيامه بإلغاء مخالفة سير لأحد الضباط الكبار، ومثل هذا السلوك من وجهة نظر اللجنة يمس بمبدأ المساواة ولا يجعله قدوة، كما أنه يضر بثقة الجمهور بالشرطة. ويؤيد أردان وزراء البيت اليهودي نفتالي بينت وأييلت شاكيد، ولكن لأسباب مختلفة، فما يريده نتنياهو ومؤيدوه هو بقاء الأول في الحكم لأطول فترة ممكنة بينما يريد «البيت اليهودي» تقويض ركائز الدولة «العلمانية- الليبرالية- الديمقراطية» لصالح دولة صهيونية- دينية- استيطانية تتبع أيديولوجيا يمينية متطرفة وفاشية، تشطب كل من يعارضها وتخونه وربما تكفره، لا مساحة فيها لكل ما تدعيه إسرائيل من فصل للسلطات وسلطة القانون وحقوق الإنسان والمواطن.


وبدون شك فإن ضائقة نتنياهو ورغبته في السلطة قد تساهم بصورة كبيرة في تعزيز الفكر اليميني المتشدد وتغيير طابع الدولة على كل المستويات، والمضي في الطريق الذي رسمه قانون القومية العنصري وتشريعات الولاء الثقافي وغيرها التي لا تترك مجالاً أمام أية تعددية سياسية أو فكرية، ناهيكم عن رفض فكرة التعددية القومية. ونتنياهو باعتباره ملك إسرائيل المتوج والذي لا منافس له سيسعى بكل ما يستطيع لضمان بقائه في الحكم، ولهذا قد يلجأ لانتخابات مبكرة حتى يوقف موضوع لائحة اتهام ضده، وحتى يكسب ما يستطيع من الوقت لتغيير التشريعات فيما يتعلق بتوجيه اتهام له.


ومع أنه لا يرغب في خوض أية حروب لأنه لا يستطيع ضمان نتائجها، إلا أن الظروف قد تجبره على شيء من هذا القيبل، إذا شعر أن هذا سيساعده في كسب الوقت والفوز بتعاطف الجمهور والانتصار في الانتخابات. ولعل العملية التي تقوم بها القوات الإسرائيلية على الحدود الشمالية مع لبنان هي مثال على تفكير نتنياهو الذي لا يرغب في حرب، ولكنه يريد أن يبدو أنه رجل الأمن الأهم الذي يحافظ على أمن ومصالح إسرائيل، وليس من قبيل الصدفة أن تبرز وسائل الإعلام الإسرائيلية قصة لقائه مع وزير الخارجية الأميركي وأخذ موافقته على العملية في الشمال التي قد تتطور إلى ماهو أبعد من مجرد البحث عن أنفاق «حزب الله». وفي حال المفاضلة بين نتنياهو ودولة إسرائيل ومصالحها فهو سيختار مصلحته ومصلحة التيار الذي يمثله والذي يخلط بين اليمين الصهيوني العلماني واليمين الصهيوني- الديني- القومي- الاستيطاني. فلتسقط الدولة ويحيا الملك.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد