تقول الحكمة الرائعة: «كُتب على كل الذين لم يقرؤوا التاريخ أن يُعيدوه مراتٍ عديدةً»، هذه الحكمة لم تتعلمها شعوبٌ كثيرةٌ بعد، وأبرز هذه الشعوب، هم العربُ للأسف.
سأسرد لكم حدثين تاريخيين مختلفين، نسيهما كثيرون من أبناءِ يعرب بن قحطان، ومَن هم على شاكلتهم، على وقْع جريمة قتل، جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول.
الحدث الأول وقع في بلاد العرب، يوم 29-4-1827، في الجزائر، التي كانت تحت الحكم العثماني، كان يحكمها الوالي، حسين داي، أعان هذا الوالي فرنسا، التي كانت تُعاني من الحصار الأوروبي عليها، بسبب ثورتها الفرنسية، وإطاحتها بالملوك الفاسدين عام 1789، فسمح الوالي العثماني، من مُنطلق الإحسان والتجارة بتصدير القمح الجزائري لفرنسا لتتمكن من كسر الاحتكار، استمرَّ توريدُ القمح الجزائري، من دولة الجزائر (الثريَّة) لفرنسا (الفقيرة) اثنتي عشرة سنة، بحيث بلغتْ ديون فرنسا مستحقة الدفع للجزائر، ثمانيةً وعشرين مليون فرنك فرنسي ذهبي، لم تتمكن فرنسا من تسديد هذا المبلغ، رغم مطالبة الداي حسين برسائل للملك الفرنسي، شارل العاشر، فقام الوالي باستدعاء القنصل الفرنسي في الجزائر، بيير دوفال، وسأله سؤالاً: لماذا لا يردُّ ملكُكم على رسائلي؟!
أجاب القنصل: كيف يرد على والٍ مثلك؟!
اغتاظ، حسين داي، ولوَّح بيده في وجه القنصل، وكان يحملُ في يده مروحته المصنوعة من سعف النخيل، وأمره بالخروج!
اغتاظ الملك الفرنسي، شارل العاشر من إهانة القنصل الفرنسي، وطالبه بالاعتذار، ورفْعِ علم فرنسا فوق علم الجزائر، فرفض الوالي!
هكذا جرى توظيف هذه الحكاية لتخدم المصالح الفرنسية، واعتبرها كثيرٌ من المؤرخين ذريعة لاحتلال الجزائر والاستيلاء على مقدراتها، وهذا تحقق بالفعل عام 1830 فأصبحت الجزائر من ذلك التاريخ بلداً خاضعاً للاحتلال الفرنسي!
أما الحدث الثاني، فهو يرجع إلى قصةِ طالبٍ يوغسلافي،(صربي) اسمُه، غفريلو برنسيب، تَنسِب له كتبُ التاريخ السبب في قتل ثمانية وثلاثين مليون إنسان في الحرب العالمية الأولى، حين اغتال هذا الشابُّ وريثَ عرش دولة النمسا الدوق، فريديناند، وزوجته صوفي في أحد شوارع مدينة، صربيا، حينما كانا يتجولان في سيارة مكشوفة، أطلق عليهما الرصاص بمسدس من طرار، براوننغ، لأن القاتل، الشاب، غفريلو، كان منتمياً إلى حزب صربي وطني، ينادي بإنهاء احتلال النمسا لبلاده.
على الرغم من إلقاء القبض على القاتل، إلا أن النمسا قررتْ الانتقام، ما أدى إلى اشتعال الحرب العالمية الأولى.
إنَّ براعة الدول وحُنكتها تتمثل اليوم في قدرة الدولة وكفاءتها في توظيف أيَّ حدثٍ يقع في بلدٍ من البلدان، أو أن تقوم الدولُ القويةُ نفسُها بصناعة الحدث، ليخدم مصلحة البلد.
إنَّ مقياس قوة الدول وعظمتها يتمثل اليوم في كفاءة الدول في استثمار الأحداث، أو (حلبها) لتخدم سياستها، فإذا أجادتْ جني ثمار الحدث، أو استخلاص كل فوائده فإنها إذن، جديرةٌ بالمنافسة على القمة، أما إذا كانتْ الدولةُ منجما طبيعيا للأحداث، تقعُ في شركِ أفخاخ الدول القوية، أي أنها فقط بئرُ خامٍ لإنتاج الأحداث فقط، يشغلها الحدثُ عن غيرها، فتقع في فخِّ المؤامرة، فإنها بالتأكيد ليست دولة، بل فريسةٌ سائغةٌ لذئاب العالم!
إن أخطر العيوب في الدول الفريسة يكمنُ في إقصاء الشباب العربي عن دراسة تاريخهم وتاريخ العالم، وإهمال تثقيفهم في مدارسهم ومعاهدهم، حينئذٍ تقعُ الكارثة وهي؛ فقْدُ الجسرِ الثقافي الرابطِ بين الأجيال، ما يؤدي إلى أنَّ كلَّ جيلٍ من الأجيال يُعيدُ أخطاءَ مَن سبقوه، ولا يتعلم من تجاربه السابقة، فيستفيد من أخطائه، هذا يؤدي بالتأكيد إلى استيلاء ألفية التكنولوجيا الحديثة في الدول القوية على أجيال الدول الضعيفة، الدول التي لا تستفيد من تجاربها التاريخية، فيسلمون أبناءهم طوعاً لهذه الألفية، ترضعهم حليبَها، تُنيمُهم بمستحضراتها، ثم تُلجمهم، ثم تطوِّعهم، ليُصبحوا جيشاً في كتائبها!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية