أعلنت محكمة الجنايات الدولية، أن الحكومة الفلسطينية قبلت باختصاص المحكمة، أي أن هذا الإعلان ما هو إلاّ الشكل التقني لتسلم المحكمة الطلب الفلسطيني بالانضمام إليها، في ذات الإعلان هناك إشارة واضحة، إلى أن قبول الاختصاص، لا يعني الانضمام إلى نظام «معاهدة» روما الأساسي، أو الاتفاقية المنشئة لها.
مع ذلك فإنها البداية، وهي بداية ضرورية ولا بد منها، ففي مطلع شهر آب الماضي، طرحت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية «فاتو بنسودا» عدة أسباب لعدم اعتزامها فتح تحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل أثناء حربها الأخيرة على قطاع غزة فيما يسمى بعملية «الجرف الصامد»، مشيرة إلى أن أهم هذه الأسباب أن فلسطين لم توقع على معاهدة روما، وأنها «دولة فلسطين» لم تعلن في وثيقة جديدة سريان الصلاحية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية على أراضيها.
قبول الاختصاص، هو الرد العملي على المبرر الذي طرحته المدعية العامة للجنائية الدولية، رغم الجانب التقني الإجرائي لهذا القبول، وهي خطوة أولى، نعتقد أن هناك العديد من الصعاب الفنية والقانونية والسياسية التي ربما تحول دون أن تخطو الجنائية الدولية خطوات جدية في انضمام فلسطين إليها، ناهيك عن استجابة المحكمة لدعاوى فلسطين إزاء قادة وساسة مجرمي الحرب الإسرائيليين.
وحسب رؤية المشرعين الإسرائيليين وخبراء القانون الدولي، فإن انضمام فلسطين، أو على الأصح الطلب الفلسطيني بالانضمام إلى عضوية «الجنائية الدولية» ما هو إلاّ شكل من أشكال الحرب النفسية والدعائية، وللتأثير على الرأي العام الدولي لزيادة الحصار على إسرائيل، مجرد ضجيج، لن يسمح وفقاً لقانون إنشاء محكمة الجنايات الدولية، بانضمام دولة فلسطين لها من الناحية القانونية الفعلية.
من وجهة نظر هؤلاء، فإن المحكمة ليس لها اختصاص إلاّ على الدول المنضمة إلى عضويتها، إسرائيل، ليست عضواً في المحكمة الجنائية، ولكي يتم تحويل أشخاص متهمين لديها إلى المحكمة فإن الأمر يتطلب قراراً من مجلس الأمن، يخول المحكمة، استثناءً محاكمة أفراد يحملون جنسية دولة ليست عضواً فيها، وهذا الأمر غير مسموح به بالنظر إلى الفيتو الأميركي في مجلس الأمن.
المدعية العامة للمحكمة، حتى لو تم قبول فلسطين عضواً فاعلاً في المحكمة، ليست مجبرة على التعامل إيجاباً مع المطالب والدعاوى الفلسطينية، كما أنها ليست ملزمة حتى بفتح تحقيق ما لم تقتنع تماماً بضرورة ذلك، ولدى إسرائيل كل الحجج والمبررات التي بإمكانها أن تقنع المحكمة، خاصة المدعية العامة، بعدم جدية الدعاوى الفلسطينية.
ثم ان ـ حسب الخبراء الإسرائيليين ـ الاعتراف بفلسطين كدولة مراقب، يعني أنها دولة غير كاملة الأركان القانونية، وليس هناك «أراض محددة» لحدود هذه الدولة، إذ ان الأمر محل نزاع بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، خاصة في الضفة الغربية وتحديداً حول تقسيم مدينة القدس . مجرد وجود مثل هذا النزاع، هو تشكيك في حدود هذه الدولة، التي ينبغي للمحكمة أن تكون واثقة تماماً حول هذه الحدود التي ستعمل على أساسها في الدعاوى المقدمة لديها.
وحتى لو قبلت المحكمة بدعاوى فلسطين، وتم الاعتراف بها كدولة، فإن الجرائم التي ارتكبت بحق الفلسطينيين من قبل إسرائيل أثناء الحرب الأخيرة على قطاع غزة، جرت في وقت لم تكن دولة فلسطين تسيطر فيه على قطاع غزة، بل حركة حماس ، ما ينفي صفة الدولة من جديد على فلسطين خاصة فيما يتعلق بالمسؤولية عن قطاع غزة، حسب خبراء القانون الدولي الإسرائيليين!
كثيرة هي الحجج والمبررات الإسرائيلية التي تشكك بموقف «الجنائية الدولية» من عضوية دولة فلسطين، لكن كل هذا الخوف والارتباك وردود الفعل الانتقامية والثأرية ضد الشعب الفلسطيني ودولته بعد التوجه للانضمام إلى «الجنائية الدولية» لا يعود فقط إلى أن الدولة العبرية تخشى من ضجيج الفعل الفلسطيني وتأثيراته على الرأي العام، ان الجرائم والمذابح التي ارتكبتها إسرائيل في أراضي دولة فلسطين المحتلة عام 1967، والتي اقترفت على مرأى الرأي العام العالمي، 51 يوماً على الأقل، هي أيام الحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة، كفيلة وحدها بتحويل قادة إسرائيل، ساسة وعسكرا ورجال أمن إلى المحاكم الدولية، ومن شأن عدم القيام بذلك، من خلال الادعاء العام في محكمة الجنايات الدولية، أن يزيد من الشكوك حول طبيعة هذه المحكمة واستهدافاتها وتحيزها، ولا نعتقد أن المحكمة بحاجة إلى مزيد من التشكيك حول نزاهتها التي لا تزال موضع شك.
إن التوجه الفلسطيني إلى عضوية المنظمات الدولية، لم يكن يجب أن يظل خياراً يمكن التعامل معه، كرد فعل، بل باعتباره حقاً وواجباً فلسطينياً دائماً، وحتى لو كانت شكوك هنا وهناك، حول أحقية فلسطين كدولة في مثل هذه العضوية، فيجب على القيادة الفلسطينية أن لا تتأخر في اتخاذ الخطوات الضرورية للحصول على كل عضوية متاحة وفقاً للقانون الدولي.
المحكمة الجنائية الدولية لا ترفع قضايا على دول، وبالتالي فإن إسرائيل كدولة ليست محل محاكمة، لكن محاكمة أفراد إسرائيليين، ساسة ورجال جيش وأمن، ستعتبر بالتأكيد محاكمة لدولة تحتل دولة أخرى ولا تتورع في سبيل استمرارها لاحتلال هذه الدولة من إقامة المجازر وارتكاب المذابح بحق مواطنيها، إنها محاكمة للعنصرية العدوانية التي تعتبر جوهر دولة إسرائيل!!

Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد