عاد ليبرمان الى عادته القديمة مهاجماً بنيامين نتنياهو ، وهو السبب الذي أرغم نتنياهو الى ضمه لهذه الحكومة بعد أن تركه مهملاً في الخارج عندما استطاع تركيب حكومة يمينية مستقرة تجاوزت الستين مقعداً، لم يضف ليبرمان الى تلك الحكومة مزيداً من الاستقرار، لكن المفارقة أنه مع مغادرته يعصف بالحكومة الأكثر تجانساً في تاريخ إسرائيل.


لم يكن نفتالي بينيت وزير التعليم يطمح لأكثر من تلك الوزارة رغم أنه كان بإمكانه أن يطالب بوزارة الأمن كبيضة قبان في تشكيل حكومي كان قابلاً لممارسة الابتزاز قبل واكتفى بها،  لكن الآن يطالب بتلك الوزارة، هل لأنه نضج بما يكفي وأصبح مؤهلاً وهو الضابط خريج وحدة سييرت متكال وحدة الأركان الخاصة، أم أنه أدرك قدرته على ممارسة الضغط الآن ويمكن أن يأخذ ما يطلب؟ أم أنه يريد التوجه لانتخابات مبكرة وحل الحكومة وتحميل رئيسها مسؤولية حلها وليس حزب البيت اليهودي الذي هبطت أصواته في الدورة الانتخابية من اثني عشر مقعداً الى ثمانية مقاعد طامحاً بالعودة للحصول على حصة أكبر متكئاً على الشارع الإسرائيلي الذي ينزاح باتجاه اليمين وعلى المستوطنين الذين يتزايدون وهو ممثلهم الشرعي والوحيد، قبل أن يلعب نتنياهو لعبته في الأسبوع الأخير للانتخابات ويحرف جزءا كبيرا من هذه الحصة حين اجتمع معهم قبل الانتخابات بأيام محذراً إياهم بأنه اذا لم يصوتوا له وفي حالة سقوطه عليهم تجهيز صناديق الكرتون لجمع أغراضهم وفك المستوطنات والرحيل.


هكذا حصد الليكود في الدورة الماضية ثلاثين مقعداً، وهو رقم كبير يشكل ربع الكنيست ، وهذه الأرقام لم تعد قائمة بعد تكسر النظام السياسي الى أحزاب كثيرة بما فيها الأحزاب الكبرى الليكود و»العمل» والهبوط أقل قليلاً أو أكثر قليلاً من عشرين مقعداً، وكانت تلك مفاجأة فقد مارس نتنياهو في حملته الانتخابية سياسة التخويف، تخويف الشارع اليميني من اليسار وتخويف اليهود من العرب عندما دعا اليهود للتصويت حتى لا يكسب العرب.


 وبنظر المواطن الإسرائيلي وبالتحديد سكان الجنوب وهم الفئة التي تندرج في اطار مصوتي الليكود من اليهود الشرقيين والذين وضعتهم الدولة في الجنوب في الهجرات الأولى في اطار التمييز الذي مارسه حزب المباي العمالي الاشكنازي أصل حزب العمل الذي وضع الأشكناز في مناطق الوسط الساحلية، وألقى باليهود العرب الى الجنوب ليحتضنهم الليكود، فان هذه الحكومة وان بدت بنظر الإسرائيليين أنها أقل الحكومات كفاءة أمنية، إلا أن حزب الليكود يتصدر استطلاعات الرأي العام بحصوله تقريباً على نفس نسبة الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات الماضية فيما لو جرت الانتخابات.


هي حكومة اللاأمن على مستوى الأمن، وحكومة اللاحل على المستوى السياسي، وحكومة ليس لها بصمة حقيقية في أية نجاحات في إسرائيل، ومع ذلك تتصدر استطلاعات الرأي العام كيف ولماذا؟ على غير العادة في تلك الدولة التي تشهد حركة انسيابية في مزاج الرأي العام وتقلبات هائلة في النظام السياسي في إسرائيل الذي أطاح بأحزاب وسيّد أحزاب على سدة الحكم، هذا يحتاج الى قراءة ربما تتعلق كثيراً بالفلسطينيين.


لقد أصبح حزب الليكود أكثر ميلاً للاتجاه الاستيطاني، ومنذ سنوات يشهد هذا الحزب تسرب قادة المستوطنين الى مواقع قيادية فيه، ورصدت وسائل إعلام تشكيل لوبي استيطاني داخل مركز الليكود أصبح مؤثراً وأفراد من شيبة التلال وغيرهم، وربما شهد الكثيرون كيف تم فصل نائب رئيس حركة الشبيبة في الحزب «يوئيل ناغر» من منصبه لمجرد لقائه الرئيس أبو مازن، وقد أصبحت تلك الكتلة ربما الأكثر تأثيراً داخل الحزب.


هنا بيت القصيد، المزاج الشعبي الذي انزاح نحو اليمين تمكن من تبديل أولويات الدولة من دولة أمنية الى دولة استيطانية، ولم تعد دولة تتحدث عن الحل مع جيرانها، بحيث لم يستطع أي مرشح رئاسة وحكومة بمن فيهم أرئيل شارون، إلا أن يضع في برنامجه خطة تسوية أو سلام ولم يستطع تجاهلها ارتباطاً بمزاج الرأي العام. لكن حل الدولتين أو التسوية لم تعد على جدول النقاش العام في إسرائيل واختفت الى غير رجعة، وقد سجلت الحكومة الحالية أكبر مشروع استيطاني، بحيث لم يتوقف الإعلان عن البناء الاستيطاني أسبوعياً.


هناك ما يؤكد تبدل الأولويات أيضاً، فمنذ سنوات يجري التحقيق مع رئيس الحكومة بتهم فساد كبيرة هو وعائلته في أكثر من ملف وأغلبها تم انتزاع اعترافات من أشخاص، كثير منها عن رئيس الحكومة، ومنهم اثنان عملا بالتتابع مدراءَ لمكتبه، كما وضعت الشرطة يدها على وثائق وأدلة وأشرطة تثبت التهم، هذا كان قديماً يطيح بشعبية رئيس أية حكومة في الاستطلاعات، ولكن رغم هذه التهم والتي لم يمر فيها على رئيس حكومة سابق الا أن نتنياهو يتصدر الاستطلاعات، هذا يعني أن الشارع الإسرائيلي لم تعد أولويته دولة ديمقراطية شفافة بل دولة استيطانية.


الانتخابات التي أطلق ليبرمان صافرة إنذارها والتي دفعت مراكز قياس الرأي العام الى إجراء استطلاعات كانت نتيجتها أن الأحزاب تحصل على نسب قريبة من مقاعدها البرلمانية، وإن حدث بعض التغيير الطفيف في مقاعد بعض الأحزاب، لكن الأصوات ستبقى في إطار الكتلة الواحدة أي كتلة اليمين وكتلة ما يعرف باليسار، وستظل السيادة لليمين وحده القادر على تشكيل حكومة، وهذا يعني أن الانتخابات القادمة لن تحدث أي تغيير في المشهد السياسي في إسرائيل ولا حتى لرئيس الحكومة.


اللافت أيضاً ارتباطاً بانزياح ومزاج الرأي العام الذي أصبح ذا أغلبية يمينية يعبر عن نفسه بالنظام السياسي أن الصراع بين التيارات في إسرائيل أصبح بين أحزاب اليمين، وليس بين اليسار واليمين كما كانت إسرائيل منذ سنوات. فالكتلة ثابتة تقريباً مع تراجع ثابت لكتلة اليسار لصالح كتلة اليمين، وهذا ما يفسر هجوم اليمين على اليمين ليبرمان- نتنياهو - بينيت، واضح أن هذا هو المشهد القادم والحكومة بعد الانتخابات التي بدأت عجلتها بالدوران. وهذا فلسطينياً يعني الكثير، وهم الذين كانوا يراهنون ذات مرة على تغييرات تحدثها الانتخابات، هذه المرة على ماذا يراهن الفلسطينيون ؟؟ 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد