المتابع لسياسة الولايات المتحدة الأميركية إزاء المنطقة العربية عموماً، وملفات الصراع العربي والفلسطيني الإسرائيلي، لن يجد فيها خطأً واحداً، يشذّ عن القواعد الثابتة التي تحدد رسوخ التحالف الأميركي الإسرائيلي، بصرف النظر عن كل ما تقوم به إسرائيل من انتهاكات للقوانين والأعراف الدولية، وما ترتكبه من جرائم.
الرهان على خلافات وتناقضات، وتضارب مصالح بين الدولتين، هو ضرب من الخيال، والوهم، الذي لا يمكن غفرانه.
ربما كانت إدارة الرئيس باراك أوباما، الأكثر تعرضاً، للإهانات، وأحياناً التحدي السافر من قبل حكومات بنيامين نتنياهو ، إلى الحد الذي يسيل له لعاب بعض المراهنين على استثمار ما ينجم عن ذلك من ردات فعل، حتى لو كانت شخصية من باب الدفاع عن الكرامة، غير أن الإدارة الأميركية الراهنة، لم تسجل على نفسها خطأ اتخاذ عقوبات بحق الشريك المشاكس. على العكس من ذلك تماماً فلقد سجلت إدارة الرئيس أوباما، المزيد من التراجع عن مواقف عارضتها إسرائيل، إلى أن كان هناك من يطرح سؤال من يقود سياسة الولايات المتحدة في هذه المنطقة أوباما أم نتنياهو.
النموذج الذي تقدمه سياسة الإدارة الأميركية إزاء التوجه الفلسطيني العربي إلى مجلس الأمن، ومحافل الأمم المتحدة، وإزاء انضمام دولة فلسطين إلى عشرين اتفاقية ومعاهدة دولية، بما في ذلك معاهدة روما، هذا النموذج، يعود ويضع الولايات المتحدة على رأس أعداء الحرية وأعداء الشعب الفلسطيني.
الولايات المتحدة، لا تشعر بالحرج وهي تعارض وترفض حقاً طبيعياً لدولة فلسطين، ولا تتورّع عن استخدام سلطة الفيتو، لإفشال الحق الفلسطيني والتلويح بعقوبات سياسية ومالية بحق السلطة الفلسطينية، إن هي، ترجمت عملياً وفعلت حضورها على المستوى الدولي، ومن خلال المحاكم الدولية، ما ينسف مزاعمها، وأكاذيبها عن حقوق الشعوب، وحقوق الإنسان، وتبنيها لقيم الحرية والديمقراطية.
كلاهما الولايات المتحدة وإسرائيل، يكرر، التزامه بقيم الحرية، والعدالة والديمقراطية، لكنها ديمقراطية مفزعة، مشوهة حين تتصل بالشعوب والأقوام الأخرى، فعند المساس بمصالحهما الأنانية، تنتهي حدود الحرية، وتنتهي حدود الأخلاق.
في الواقع فإن من يقرر الذهاب إلى الأمم المتحدة، والانضمام إلى المعاهدات والاتفاقيات الدولية، لم يكن ليغيب عنه، ان هذا التوجه سيستدرج ردود فعل عقابية، وإجرامية من قبل الولايات المتحدة قبل إسرائيل، ولذلك لا بأس في أن يكون هناك ثمن معلوم مسبقاً لمثل هذه القرارات لكن ما يغيب عن بال صُنّاع القرار الأميركيين والإسرائيليين أنهم هم من أوصلوا الحال إلى ما هي عليه، وان هذا الخيار أقل تكلفة بكثير من الاستمرار في الخيارات التي سادت خلال العقدين الماضيين.
من يتوجه إلى مجلس الأمن، بمشروع قرار لإنهاء الاحتلال، وهو يعرف سلفاً أن حظوظه من النجاح صفر، بسبب الفيتو الأميركي، يكون قد قرر أن يدشن مرحلة من التحول عن طريق العقدين السابقين، والتخلي عن مرجعيات وآليات التفاوض السابقة، والاحتكار الأميركي للملف، ونحو فتح الصراع والاشتباك.
من الطبيعي أن يكون مثل هذا التحول مدفوع الثمن، ولكن عليه أن يبحث في إمكانية تقليص هذا الثمن ما أمكن ذلك، وتعظيم فرص التقدم نحو تحقيق إنجازات، ما كان بالإمكان تحقيقها عبر خيارات العقدين السابقين. القرار الذي لم يحقق النجاح في مجلس الأمن، يبدو وكأنه جزء من عملية ترويض، وتكييف لمواقف المجتمع الدولي، وبالأخص مواقف وسياسات التحالف الأميركي الإسرائيلي، هذه المواقف والسياسات التي يترتب عليها أن تتعود على نمط جديد مختلف من التفكير والسلوك الفلسطيني.
ومن الواضح أن فشل القرار الفلسطيني العربي في مجلس الأمن والأرجح أنه فشل مدروس، هو الذي حضر وهيّأ، لقرار الرئيس محمود عباس ، الذي يقضي بالتوقيع على عشرين اتفاقية ومعاهدة دولية، من بين أهمها اتفاقية روما.
في هذا الخصوص، يبدو أنه لا معنى خطيراً للخلافات الفلسطينية التي اندلعت على خلفية القرار الذي فشل في مجلس الأمن، سواء من حيث الصياغات والمضامين، أو من حيث آليات اتخاذه، وكان بإمكان الرئيس عباس تجاوز ذلك، بقليل من الجهد، عبر الاهتمام بمواقف وآراء الشركاء من داخل المنظمة ومن خارجها، وفي شرح أبعاد هذا التكتيك السياسي.
إذا كانت آليات اتخاذ القرار تسجل قصوراً على الرئيس محمود عباس، فإن ثمة قصوراً آخر متعمداً عند الآخرين، الذين لا يحاولون تفهم أبعاد هذا التكتيك، والذين اتخذوا من ذلك القصور فرصة لمواصلة حملة الاتهامات، كتعبير عن استمرار حالة الانقسام.
هذه الحال الفلسطينية البائسة، تحمل القيادة الفلسطينية وقيادات العمل الوطني مسؤوليات تاريخية كبيرة، فما دام التوجه يذهب متدرجاً نحو الاشتباك والمواجهة، فإن من الأولى أن يتم تحصين الجبهة الداخلية بأقصى سرعة، وأن تتم معالجة الصدع الفلسطيني في اتجاه استجماع كل أوراق القوة.
ويفترض هذا التوجه إلى المجتمع الدولي، أن يكون استجابة لمتغيرات داخلية، أهم متطلباتها بالإضافة إلى استعادة الوحدة، تنشيط وتطوير المقاومة الشعبية بكافة أشكالها.
إذا كان ذلك مهما وضروريا، لخوض المجابهة مع الاحتلال المدعوم كل الوقت من قبل الولايات المتحدة، فإن من الضروري معالجة آليات اتخاذ قرار الحرب والسلم، لتحقيق التكامل بين أشكال المقاومة، والتكامل في الأداء السياسي، حتى لا يخرب بعضنا على البعض الآخر، أو أن يقدم للاحتلال ذرائع لمضاعفة الثمن الذي يترتب على الفلسطينيين دفعه نتيجة هذا التحول.
إذا اعتبرنا أن التوجه إلى مجلس الأمن بمشروع قرار إنهاء الاحتلال، وبعد ذلك الانضمام إلى عشرين معاهدة دولية، مجرد بدايات لطريق طويل مختلف فإن الطريق مفتوح أمام المزيد من التحديات الصعبة، التي ستنجم حتماً عن ردود فعل التحالف الأميركي الإسرائيلي، وما صدر منها حتى الآن مجرد بداية إذ ليس هذا كل ما لدى هذا التحالف من ردود إجرامية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية