ربع قرن من المفاوضات وراعي البقر الأميركي يتعامل معنا كقطيع علينا أن نلتزم بتعليماته خوفا من غضبه، ربع قرن وهو يجرنا إلى صحراء التيه إلى الدرجة التي يتبنا فيها على يقين أنه أصبح لا يعرف ما الذي يريده وإلى أين هو ذاهب، فقد دخل وأدخلنا في متاهة باتت أكثر وضوحا عندما تلقى صفعة على وجهه من قبل الحكومة الإسرائيلية المنحلة في نيسان الماضي دون أن يتخذ إجراء على الأقل يحفظ به ماء وجهه الذي أريق بعد تسعة أشهر من الجهد الأميركي.
ممنوع أن تقاوم لأن المقاومة في العرف الأميركي هي إرهاب، والمفاوضات متروكة لتلاعب «الفيتو» الإسرائيلي حتى وإن أشرف عليها وزير خارجية الدولة الكبرى نفسها والأمم المتحدة ومجلس الأمن، يجد الفلسطينيون العصا الأميركية الغليظة أمامهم فما العمل في ملف أعلنت احتكارها له منذ أكثر من عقدين.
الصراعات بين الشعوب والدول موجودة منذ القدم واستمرت حتى العصر الحديث والقتال المسلح أحد الأشكال التي يراها الخصوم حلا لحسم الصراع بينهم وحين يفشل الحسم بالسلاح يذهب الفرقاء للحل على طاولة المفاوضات وحين يفشل المتفاوضون يبحثون عن وسيط يحل بينهم وعندما يفشل الوسيط يذهبون للمقاضاة والقانون.
فقد خاضت التجربة الفلسطينية كل هذه المراحل وعلى امتدادها كانت الولايات المتحدة الأميركية الدولة التي تقف داعمة للاحتلال وقيمه المناهضة لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية وحتى ضد القيم الأميركية نفسها فعندما قاتل الفلسطينيون اعتبرتهم إرهابيين وضغطت على الزناد الإسرائيلي، وعندما فاوض الفلسطينيون ضغطت على اليد الإسرائيلية وعندما ذهبوا للمؤسسات الدولية التي أنشئت لحل النزاعات الكونية حين تستعصي بالمفاوضات ضغطت بالنفوذ والمال و»الفيتو» فما العمل إذاً، أينما ذهبنا نجد من يغطي على الاحتلال ويحمي ظهره بلا خجل؟
لن يكون الأمر أفضل كثيرا حين يذهب الفلسطينيون إلى المحكمة الدولية فهذا النفوذ الأميركي الممتد على مساحة كل الكون لن يدخر جهده في حماية الجرائم والمجرمين في إسرائيل، فهناك شك كبير في عدالة المحكمة، والتجربة أمامنا، فقد ظل مدعي عام المحكمة الدولية أوكامبوا يلاحق الرئيس السوداني حسن البشير بتهمة ارتكاب جرائم وفي لحظة من اللحظات اعتبر البشير المطلوب الأول ولكن عندما وافق هذا على تقسيم ويبع وطنه بإقامة دولة جنوب السودان توقفت فجأة المحكمة عن ملاحقته.
ودولة جنوب السودان التي سلحتها إسرائيل وأشرفت على تدريب العسكريين هناك، وقد زار رئيسها الدولة العبرية كانت مطلبا إسرائيليا وقد سجل التاريخ أن إسرائيل عندما أرادت إقامة دولة لها في الوطن العربي تمكنت خلال خمس سنوات وأن العرب فشلوا لعقود طويلة من إقامة دولة فلسطينية وهذا يستحق قراءة أخرى.
لقد اختار الفلسطينيون إسقاط مشروعهم في مجلس الأمن خشية إغضاب الولايات المتحدة لأن انتظار الشهر القادم معناه استدعاء «الفيتو» والغضب الأميركي وقد تكون الدعاية الانتخابية الإسرائيلية قد بدأت وقد يفسر «الفيتو» حينها دعما ل بنيامين نتنياهو وإضعاف خصومه الذين يأخذون عليه تخريب العلاقة مع الحليف الاستراتيجي، هكذا كانت حسبة الولايات المتحدة وهي تطالب الرئيس الفلسطيني تأجيل المشروع إلى ما بعد الانتخابات، يا لنعومة هذه الدولة وهي تخشى على الزجاج الإسرائيلي الا ينكسر ولا يهمها أن تنكسر كل رؤوس الشعب الفلسطيني، فقد آن الأوان أن تدرك الدولة العظمى أننا مللنا من اعوجاج سلوكها معنا.
وما كان يجب على القيادة الفلسطينية أن تنتظر وعودات أميركية أصبحت لا تساوي حبر ورقها حين يتعلق الأمر بالملف الفلسطيني فقد ثبت ضعفها وقلة شجاعتها عندما تكون إسرائيل حاضرة، فحكومة إسرائيل تستطيع تحدي الإدارة الأميركية، فقد دعم نتنياهو وخلفه صديقه الملياردير شلدون أدلسون منافس الرئيس أوباما ميت رومني علنا ولم يخف نيته إسقاط أوباما هذا قبل عامين، وقبل شهرين أيضا أعلن دعم الجمهوريين خصوم أوباما في الانتخابات النصفية للكونغرس وظلت إدارة الديمقراطيين الذين راهن العالم عليها بأنها مختلفة كالحمل الوديع في دعمها لإسرائيل أثناء صدها للمشروع الفلسطيني سواء تم التصويت عليه أو تم تأجيل التصويت وهي لا تريد أن تتدخل في الانتخابات الإسرائيلية رغم أن نتنياهو حشر أصبعه في أنفها.
فهل أسقط الفلسطينيون مشروعهم استجابة للرغبة الأميركية وحتى لا يضعوها في موقف حرج بعد ذلك؟ هذا الاحتمال الأبرز ولكن مقابل ماذا؟ أسئلة يجب أن تعلو لأن السياسة الأميركية تتفرد بملف الحل وحدها وتتحرك ببطء شديد والزمن مكلف جدا للفلسطينيين سواء بالأرض أو بالدم ولنا أن نجري مقياسا منذ بداية الحل الذي رعته الولايات المتحدة إذا ما أخذنا مجموع من قتلتهم إسرائيل ومجموع الأرض التي سرقتها الحكومات الإسرائيلية للمستوطنات، النتيجة أن الرعاية الأميركية لهذا الملف كانت مكلفة جدا.
صحيح أن أوروبا أقل شجاعة من الولايات المتحدة فلم يتم تداول مصطلح الدولتين أوروبيا إلا بعد إعلان بوش عن حل الدولتين قبل عشر سنوات وصحيح أن الموقف الأوروبي من الاستيطان لم يتحدد إلا بعد أن اتخذ أوباما موقفا حاسما ضد إسرائيل بوقفه وصحيح أن مصطلح دولة على حدود 67 تم بعد إعلان أوباما في جامعة القاهرة لذا ليس هناك أمل كبير أن تتقدم أوروبا على الولايات المتحدة التي يحسب لها أنها كانت أسبق من غيرها ولكن كأن التجربة تقول إن رؤساء الولايات المتحدة الذين يغادرون ينسون توجهاتهم السياسية حين تخص إسرائيل أو يلقون كلاما بلا حساب، فإذا كانت الولايات المتحدة تعترض الفلسطينيين في كل خياراتهم فهل تدلنا على خيار التخلص من الاحتلال أم لديها خطة تثبيت الوضع القائم وتأكيد الاحتلال، هل يعرف أحدكم ماذا الذي تريده منا؟.
Atallah.akram@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية