استقالة الوزراء واجبة لا نتدخل بشغل القضاء، فهو الأقدر على التقييم وإعطاء الحكم النهائي على كل متورط، أو عدم مسؤوليته عن سلوك، لأن استقالة وزيري التربية والسياحة، بمثابة استقالة معنوية سياسية أخلاقية واجبة النفاذ وحُسن الاختيار، ان لم تكن بسبب تحمل المسؤولية المباشرة لكارثة البحر الميت، بل لأنها ت فتح على تقاليد جديدة لم تكن مطروحة لدينا من قبل.


استقالة الوزيرين تمت على خلفية التقصير المحتمل لمأساة البحر الميت، لعلها تشكل بداية عهد جديد نحو إرساء قيم تحمل المسؤولية لدى كل وزير يقبل أن يشغل الموقع الوظيفي بمكتسباته وخسائره، المادية والمعنوية، فالوظيفة المتقدمة ليست ترفاً بل عبء يجب دفع ثمنه لدى كل راغب لشغل وظيفة وزير، وعلى كل موظف عام في موقع متقدم عليه أن يدرك أنه ليس «فلتة زمانه» وليس «ما في حدا غيره يصلح لهذه الوظيفة أو تلك» فالوظيفة العمومية ليست امتيازاً يتمتع بها من يشغلها، وليست شرفاً يحصل عليه عن سائر الناس، بل مسؤولية عليه أن يدفع ثمنها بالتواضع إذا كان متمكناً، وبالعقاب القانوني إذا كان فاشلاً، وعند وقوع أخطاء أو خطايا أو مصائب، فهذا يعود لعدم قدرته على الإدارة، أو عدم يقظته، أو سوء حظه، وفي كل الأحوال يجب أن يدفع ثمن وقوع التجاوزات البسيطة أو الكارثية في عهده، نزولاً عند احترام الذين يدفعون بدل وظيفته واستحقاقاتها من جيوب دافع الضريبة: المواطن.


حادثة البحر الميت تعود لمعطيات فرضت نتائجها عوامل متعددة منها:    1- الصدفة التي أطلق عليها المختصون «الوميض المطري» وهي خارجة عن المألوف، وان كان الخبراء قد توقعوا حدوثها، 2- والاحتمال الثاني سوء الإدارة المتراكم، والترهل الوظيفي المعتاد لدى العاملين في بعض المؤسسات الرسمية، ولا نجد له مماثلاً لدى البنوك والشركات الخاصة، بينما نجده منتشراً لدى بعض شركات القطاع العام، حيث تُعاني من تضخم الكم الكبير من الحشد الوظيفي الزائد عن الحاجة، فيؤدي التراكم الكمي الى النتائج الكيفية السلبية في الأداء، كما حصل من خسارة الأرواح البشرية في البحر الميت، وتصادم الطريق الصحراوي، ولدى عمال الصوامع في العقبة وغيرها من الأحداث المأساوية، 3- أما العامل الثالث فهو غياب القدرة المالية التي تنعكس على إفرازات الإنتاج ونوعيته، وتؤدي الى ضعف الصيانة الدائمة، وعدم تحديث البنى التحتية، وقد تكون العوامل الثلاثة مجتمعة، لكل منها دور ونصيب فيما نُعاني منه من تكرار الحوادث والخسائر.


استقالة الوزيرين غير كافية، إذ يجب أن تشمل غيرهم، لتكون حقاً المسؤولية جماعية، كما أكد رئيس الوزراء حينما «دق على صدره» تعبيراً عن تحمل الحكومة المسؤولية الجماعية لما حصل، فنحن نتطلع على قاعدة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي التدريجي للوصول الى مظاهر الشعوب المتحضرة التي يتحمل لديها الوزراء وكبار الموظفين مسؤولية أي تقصير يقع في مجال اختصاصهم، وهو أقل ما يمكن أن يحدث في بلد يتطلع شعبه الى الاحتكام الى صناديق الاقتراع، وتداول السلطة، والتعددية في الفكر والتوجه والانتماء. باستثناء حكومة المستعمرة الإسرائيلية التي رحبت بقرار الولايات المتحدة لزيادة العقوبات والإجراءات والحصار على إيران وتكثيفها وزيادتها لتشمل موضوعي النفط والبنوك، ما يسبب مأزقاً حقيقياً ليس فقط لطهران بل ولكل العواصم التي تتعامل معها.

حرب اقتصادية على إيران
ففي الوقت الذي يواصل فيه ترامب سياساته في شن الحرب الاقتصادية لتجويع الشعب الإيراني ودفعه نحو التمرد والثورة على حكومته الشرعية المنتخبة، يرفض أصدقاء الولايات المتحدة هذه السياسة التحريضية التي وصفها الرئيس التركي أردوغان على أنها غير شرعية وتفتقر لأي مظلة قانونية، ذلك لأن أصدقاء الولايات المتحدة وخاصة أوروبا يرفضون هذه السياسة ليس فقط لأنها تتعارض مع مصالحهم بل لأنهم يدركون أنها سياسة متطرفة رغم خلافاتهم السياسية مع طهران، ويجدون أولاً أن الحوار والتفاهم هو الصيغة الأكثر ملاءمة من فرض الحرب الاقتصادية، وأنها ثانياً تشكل استجابة للسياسة العدوانية الاستعمارية الإسرائيلية ولتحريض اللوبي الصهيوني اليهودي الإسرائيلي داخل مؤسسات صنع القرار الأميركي، ولو لم تكن كذلك لما سبق وأن توصلت إدارة الرئيس الأميركي أوباما مع البلدان دائمة العضوية في مجلس الأمن إلى الاتفاق النووي الذي انسحبت منه واشنطن من طرف واحد، دون رضا بريطانيا وفرنسا وألمانيا إضافة إلى روسيا والصين التي واصلت تمسكها في الاتفاق مع إيران. 
سياسة ترامب ابتزازية، ولا تستهدف فقط إعادة النظر بالاتفاق النووي، بل تشمل عملية إنتاج الصواريخ البالستية، ونفوذ إيران الإقليمي في آسيا الوسطى والعالم العربي، وسياسة إيران وإن لم تكن غير مقبولة عربياً وإسلامياً ولكن تدخلاتها تتأتى من خلال غياب المعايير الديمقراطية السائدة لدى البلدان التي تتدخل بشأنها إيران، وبسبب سياسات الولايات المتحدة التي كانت تدعم الأنظمة غير الديمقراطية وتقف إلى جانبها في قمع شعوبها وتحول دون التحول الديمقراطي السلمي لأنظمتها، فالتدخل الأميركي العسكري في كل من العراق وليبيا وإسقاط نظاميهما وكذلك في اليمن وغيرها هو الذي سمح للتسلل الإيراني أن يتعزز وأن يُملي سياساته على قوى اجتماعية كانت تعيش الظلم والدونية وتتطلع إلى المساواة والمواطنة على أساس الشراكة.
واشنطن هي التي لعبت دوراً في دعم وإسناد أغلبية التنظيمات السياسية ذات البعد والنكهة الإسلامية وتوظيفها للإسلام واستغلاله طوال مرحلة الحرب الباردة، بما فيها تنظيم «القاعدة» وما انبثق عنها المناهضة للسوفييت وللتوجهات اليسارية والقومية.
الشعوب العربية والإسلامية، تؤمن حقاً بالتعايش والشراكة والتعددية، لأن رسالاتها السماوية الثلاث ولدت في أحضان شعوبها ومن خلالهم امتدت إلى العالم، ولذلك لا يمكن لهذه الشعوب أن تكون معادية لتراثها الإسلامي والمسيحي واليهودي، ولكن التوظيف السياسي للقيم الدينية هو الذي فجّر الخلافات والصراعات، وهذا التوظيف لم يكن حديثاً، فقد بدأ منذ الحملات الاستعمارية الأوروبية تحت رايات الصليب لغزو البلدان العربية والإسلامية، مثلما وظفت الصهيونية اليهود لقيام مستعمرتها الإسرائيلية على أرض فلسطين وعلى حساب شعبها العربي بتراثه الإسلامي والمسيحي، وها هي «القاعدة» و»داعش» تسيران على نفس النهج الاستغلالي في توظيف الدين لإقامة دولتهما الإسلامية.
نختلف مع إيران ولكننا لسنا في حرب معها أو ضدها، ويمكن لكل العناوين الخلافية معها معالجتها وحلها في إطار من احترام المصالح والتوافق والشراكة وحُسن الجوار كما هي مع تركيا وأثيوبيا التي تجمعنا معهم الجيرة والتاريخ والتراث المشترك، وبالتالي لن نستطيع القفز عنهم وإلغاء وجودهم كما هم لا يستطيعون المس بوجودنا وتاريخنا ومستقبلنا ما يتطلب البحث عن أدوات ووسائل العيش المشترك بيننا وبينهم. 
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد