نعترف، وعلى رؤوس الاشهاد، ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، اكثر فهما ومعرفة بالشعب الفلسطيني منا جميعا، مثلما يعرف ان الطريقة الامثل للتعاطي معه، اي الشعب، هي “ادارة القطيع″، يضرب اغنامه بعصاه فتهرول في الاتجاه الذي يريد، وشعارها السمع والطاعة.
نقول هذا الكلام ونحن في ذروة اليأس والألم، وبعد ان تابعنا مهزلة التصويت في مجلس الامن الدولي على مشروع القرار الفلسطيني بوضع سقف زمني للانسحاب الاسرائيلي الى حدود عام 1967 وفشله المهين والمذل.
الرئيس عباس ورهطه لم يذهب الى مجلس الامن من اجل استصدار مثل هذا القرار، او احراج الولايات المتحدة الامريكية بدفعها لاستخدام حق النقض “الفيتو”، وانما لمحاولة امتصاص غضبة الشارع الفلسطيني بعد اقتحامات المسجد الاقصى والعدوان على قطاع غزة واخيرا استشهاد الوزير السابق زياد ابو عين، ولاشغاله بوهم وسراب جديد، على غرار حركات بهلوانية دبلوماسية سابقة ليس هناك اي داع لتكرارها.
قبل عام فعل الرئيس عباس الشيء نفسه عندما ذهب الى مجلس الامن وسط طبل وزمر وحشد اعلامي، للحصول على قرار بالاعتراف بعضوية دولة فلسطين في المنظمة الدولية، وتحدي الولايات المتحدة، وبعد ان تأكد ان القرار لن يحصل على الاصوات التسعة التي يحتاجها، وبما يعفي الولايات المتحدة من عناء استخدام “الفيتو” عرض القرار على التصويت وكانت النتيجة معروفة اي السقوط المريع.
***
الرئيس عباس، هدد وارعد وازبد، بأنه سيوقف التنسيق الامني اذا لم يمر مشروع قراره بانهاء الاحتلال في مجلس الامن، وجادل المطالبين بوقف هذا التنسيق بأن اي خطوة في هذا الصدد ستؤثر سلبا على مشروع القرار الاممي ومن الافضل تأجيل اي خطوة قد تعطي نتائج سلبية.
اليوم ووسط مسرحية هزلية، شاهدنا الرئيس عباس يوقع على طلبات الانضمام الى عشرين منظمة دولية من بينها محكمة الجنايات امام عدسات تلفزيون فلسطين التابع للسلطة، كرد على فشل خطوته في مجلس الامن، والتوقيع على الطلبات “مناورة” مثل كل المناورات السابقة، ولا يعني الانضمام الفوري، لان امريكا التي قال عباس انه لا يريد احراجها في كلمته التي القاها اليوم عارضت خطوته هذه بشده ولان الطلبات قد تظل في الادراج لاسابيع او حتى سنوات، دون ان تقدم للمنظمات المعنية، واذا جرى تقديمها فعلا فإن طلب ملاحقة الاسرائيليين مجرمي الحرب قد يتأخر ربما لعقود، اذا بقي السيد عباس على قيد الحياة.
نتحدث عن الاستبداد والتفرد في الرأي في الكثير من الدول العربية، وننسى ان الشعب الفلسطيني يعيش ابشع فصول الاستبداد، واكثرها قمعا، ونحن لا نتحدث هنا عن القمع الجسماني، وانما ايضا عن القمع السياسي، فالرئيس عباس يقرر كما شاء، ويقدم التنازلات التي تريدها امريكا واسرائيل، ويعدل مشروع قرار مجلس الامن تجاوبا مع املاءاتهما دون ان يستشير احدا، حتى اعضاء لجنته المركزية، او الاخرى التنفيذية، والفصائل الاخرى المتحالفة معه.
التصويت في الامم المتحدة اكد فشل الرئيس محمود عباس وسلطته ودبلوماسيته وسفاراته (80 سفارة في العالم) والجيش الجرار من “السفراء” و”الدبلوماسيين”، فهل يعقل ان دولا وقفت تاريخيا مع الشعب الفلسطيني مثل رواندا ونيجيريا تمتنع عن التصويت على قرار لا يطالب بشن حرب على اسرائيل، ولا فرض عقوبات عليها، وانما تحديد سقف زمني لاحتلالها؟ وهل من المنطقي ان نخسر دولة عظمى مثل الهند التي وقفت دائما مع قضايانا وتحولت الى صديق حميم لاسرائيل؟ ومن المسؤول.
سيقولون لنا “متباهين” ان فرنسا الدولة دائمة العضوية في مجلس الامن صوتت لصالح القرار، ونقول لهم هذا صحيح، ولكن بعد ان ضمنت ان هناك سبع دول من اصل تسعة ستؤيده فقط، وانه ساقط حتما، ولذلك قررت ان تؤيده وهي مطمئنة، وفي تنسيق واضح مع الولايات المتحدة واسرائيل.
***
لعل سقوط مشروع القرار الذي تقدم به الرئيس عباس الى مجلس الامن خير، ورب ضارة نافعة، لانه يتناقض كليا مع الثوابت الفلسطينية، ويتنازل عن السيادة الحقيقية على القدس الشرقية والغربية معا، ولا يذكرها، خاصة الاولى بالاسم، ويؤكد بعد التعديلات التي اجريت عليه، ونزعت منه كل الكرامة الوطنية، مثل القول بأن القدس عاصمة للدولتين في اطار اتفاق يتم التوصل اليه بين الجانبين، والشيء نفسه تردد في البند المتعلق بحق العودة للاجئين الفلسطينيين.
لا نوجه اللوم لوصول القضية الفلسطينية الى هذه الحالة المزرية من التهميش الدولي الى الشعب الفلسطيني فقط الذي صدق وعود وتهديدات الرئيس عباس المضللة والفارغة، ولم يتحرك مطلقا الا في حدود دنيا لاسماع صوته الاحتجاجي، وانما الى اللجنة المركزية لحركة “فتح” وتنظيم “فتح” نفسه الذي صمت ويصمت ايضا، مثلما نوجه اللوم ايضا الى الفصائل الفلسطينية وامنائها العامين، ونخص بذلك حركتي “ حماس ″ و”الجهاد الاسلامي”، اللتين هادنتا الرئيس عباس طوال السنوات الماضية، وهو السلوك الذي ادى الى تماديه في التفرد في القرار وتقديم التنازل تلو الآخر.
ما يحز في القلب ان هذا الفشل الفلسطيني يتزامن مع الذكرى الخمسين لانطلاق رصاصة حركة التحرير الوطني الفلسطيني لحركة “فتح” التي يتزعمها الرئيس عباس.
المطالبة بالتحرر من عبودية الراتب باتت اولوية للشعب الفلسطيني، واكثر الحاحا، من تحرير فلسطين، ويبدو ان هذا الشعب يحتاج الى “منظمة تحرير” جديدة وجدية في اسرع وقت ممكن، ورحم الله الشهيد ياسر عرفات وكل شهداء الشعب الفلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية