يعتقد البعض أن المجلس المركزي كمؤسسة، والمجلس كاجتماع على جدول الأعمال مع نهاية هذا الشهر هو الجهة الآمرة الناهية، الوحيدة القادرة على اتخاذ القرارات في كل الاتجاهات، وبما في ذلك إحداث أي تغييرات أو تعديلات أو تصويبات يراها مناسبة حتى لو طال الأمر أسس وجوهر وهياكل النظام السياسي الذي استقرّ في فلسطين بعد إجراء أول انتخابات تشريعية ورئاسية فلسطينية العام 1996م. في حين يعتقد البعض الآخر أن المجلس المركزي هيئة وسيطة عادية لا يجدر بها اتخاذ أي قرارات من شأنها الحسم في الكثير من المجالات ولا حتى في المراحل التاريخية الفاصلة والمصيرية.
الحقيقة أن المجلس المركزي وبالرغم من كونه هيئة وسيطة بين اجتماعات المجالس الوطنية، وبالرغم من كونه أعلى سلطة في منظمة التحرير الفلسطينية أثناء انعقاد دورته المعينة إلاّ أن هذا المجلس له صلاحيات مخولة عالية ولكنها ليست مطلقة.
الواقع الملموس في الحياة السياسية الفلسطينية لا يعطي الفرص الكاملة لتواتر انعقاد دورات المجلس الوطني، وهذا الواقع الملموس لا يوفّر بالتالي محاسبة هذه الهيئة بيسر وسهولة وسلاسة، ولهذا فإن المجلس المركزي بالذات مطالب دائماً بالحسم في قضايا مهمة وكبيرة، في حين يبقى دائماً وأبداً مطالب بأن يدعو ويعمل لعقد دورة المجلس الوطني حتى وإن كانت استثنائية للبتّ في قضية مصيرية كالحالة الفاصلة التي تعيشها الساحة الفلسطينية اليوم.
والمجلس بهذا المعنى مطالب بالانضباط الكامل للقوانين واللوائح الداخلية المنظمة لأعماله وصلاحياته، كما هو مطالب بعدم تمييع القضايا المهمة والكبيرة وعالية الشأن في المراحل السياسية المختلفة.
وبالعودة إلى هذا الدور المطلوب والضروري تصبح القضايا التي من صلاحياته ومن صلب مهامه التصدي لها واتخاذ القرارات أو التوصيات المناسبة بها هي الموضوع وهي الشأن، وهي الأمر الواجب قراءته وتشخيصه وتحديده.
هنا تكمن المسألة بالذات.
كما هو معروف فإن حل المجلس التشريعي كإجراء يمكن أن يطرح على جدول أعمال المجلس خصوصاً بعد أن أوصى المجلس الثوري لحركة فتح بذلك، لما لذلك من ثقل موضوعي سياسي ومعنوي وليس قانونياً.
وكما هو معروف فإن المجلس المركزي سيبت على ما يبدو في مصير العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، ومن خلفها أو إلى جانبها العلاقات الفلسطينية الأميركية، ولا أعرف لماذا لا يتم طرح العلاقات الفلسطينية مع أية دولة عربية أو إسلامية أو أجنبية تتبنى الموقف الأميركي والإسرائيلي من القدس واللاجئين والحدود ومسألة الدولة المستقلة!؟
المجلس المركزي مخوّل بالكامل في البت في هذه العلاقات، وهي من صلب مهامه وصلاحياته، والبت في أمر الحكومة هو شأن مباشر من شؤون المجلس المركزي، وصلاحيات ومهام هذه الحكومة هي كذلك.
البت بشأن العلاقة مع حركة حماس و"انخراطها" غير المباشر في " صفقة القرن " والميزانيات التي تخصص لقطاع غزة تحت سلطة حركة حماس هي من الشؤون التي يستطيع المجلس أن يقرر بها، وأن يحسم الموقف منها، دون مواربة أو التباس، حيث إن المجلس المركزي بالذات وعلى وجه التحديد هو الذي أمر بإنشاء السلطة والحكومة كجزء عضوي من هيكل السلطة الوطنية.
أما حل أو إلغاء المجلس التشريعي فلا أرى أبداً أنه من صلاحيات هذا المجلس.
لماذا؟
لأن حل أو إلغاء المجلس التشريعي هو إجراء يمس أسس ومرتكزات النظام السياسي بكل مكوناته، وأي مكون رئيس من مكونات هذا النظام ومرتكزاته هو مسألة أكبر من المجلس المركزي من زاوية المصير وليس من زاوية الموقع الذي يحتله هذا الركن أو ذاك في هذا النظام. أقصد أن إلغاء أو حل المجلس التشريعي هو مسألة مصيرية عليها يتحدد موقف مصيري وعليه فإن مثل هذا القرار هو توصية في أحسن الأحوال لأي دورة قادمة للمجلس الوطني.
وإذا كان لا بد من موقف ضروري على هذا الصعيد فإن القرار الصائب الوحيد هو أن يكون القرار تعليق أعمال وإجراءات ونشاطات المجلس التشريعي إلى حين البت بهذه المسألة في إطار المجلس الوطني إذا كانت هناك دعوة لعقده من دورة المجلس المركزي الحالية أو أية دورة قادمة.
وبذلك نعطي للمجلس المركزي أهميته السياسية والقانونية التي يتمتع بها من جهة، ومن جهة أخرى لا نعطي لأحد كائناً من كان فرصة التشكيك بدور ومكانة المجلس في الظروف المفصلية التي نمر بها.
وما أراه أن خطوة من هذا النوع هي أقرب إلى العقلانية السياسية المطلوبة في هذه الظروف الدقيقة، وهو الأصوب من الزاوية القانونية، وهي وفوق هذا وذاك تبقي الباب مفتوحاً في المستقبل، إما لإعادة تثبيت المجلس التشريعي أو لحله وفق الأصول القانونية المطلوبة.
صحيح أن حركة حماس تستخدم كتلتها داخل المجلس التشريعي بصورة غير قانونية، أو تحاول من خلال هذه الكتلة تكريس "وقائع" سياسية انعزالية وانفصالية مقيتة ومدمرة على مستقبل الوطن والشعب والقضية، ولكن الصحيح أيضاً هو أن كل هذا لا يعطي أحداً "حقوقاً" قانونية خاصة للبت في أسس ومرتكزات هي من أركان النظام السياسي.
كما أن أي قرارات ستصدر عن هذه الدورة بما يتعلق بالعلاقة الفلسطينية الإسرائيلية وكذلك العلاقة الفلسطينية الأميركية أو غيرها لا بد وأن تراعي حساسيات وطنية وإقليمية وحتى دولية لا بد وأن تؤخذ بالحسبان والاعتبار.
وخير لنا جميعاً أن تكون القرارات هي وسائل دفاع وضغط فعال من أن تكون هذه القرارات مثار مزيد من الإرباك أو التعرض للضغط. أقصد أن وجهة القرارات يجب أن تكون قصدية وهادفة وعلى أعلى درجات التسييس والاستثمار السياسي الوطني المطلوب.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد