تمّر صناعة الأخبار حالياً في مرحلة تحوّل إلى حوار بين مزودي المعلومات ومتلقيها أكثر من كونها مجرد وسيلة لفرض فئة النخبة أرائها ووجهات نظررها. فالتدوين الإلكتروني، وتقارير الفيديو المتوفرة وإرسال النصوص إلكترونياً بسرعة انطلاق الرصاص تُمثل جميعها تكنولوجيات جديدة أصبحت تُستخدّم على نطاق واسع خلال السنوات القليلة الماضية، وظّفها مستخدموها الأذكياء الذين يَعرِفوّن قوّتها من أجل تحقيق أهداف تقدمية. أما الحكومات فإنها تكافح لمواجهة هذه التكنولوجيات، بعضها بالقمع والبعض الأخر بالإصلاحات .

إن عالم الإعلام يتغير، و مسار الأخبار لم يعد بالإمكان التَحكّم فيه كما كان سائدا في الماضي مع نموذج الإعلام الكلاسيكي. ولم يعد هناك مقدرة على حجبّ المعلومة والاحتكار المطلق للخبر بسبب تكنولوجيا الاتصال الحديثة التي تمتاز بالشبكية واللامركزية ، ولم تعدّ علاقة المسئول والنخب والجمهور العريض بالخبر وبالمعلومة كما كان عليه الحال سابقا من رقابة وتحكم بالمضامين" كحارس البوابة الإعلامية" الذي كان يشكل كابوساً لازم الصحفيين بوتيرة أقوى من القوانين والأخلاقيات التي عهدتها مهنة الصحافة لتدخلات المسئولين على العملية الإعلامية بغربلة الأخبار والسماح للبعض منها بالنشر أو الحجب أو إعادة تأطيرها قبل أن تصل إلى جمهور وسائل الإعلام.

لقد بدأت السلطة تنتقل من أيدي الذين ينتجون الأخبار.. والاتجاه الذي يبدو حالياً أوضح من غيره هو أنه مع تجزؤ المشاهدين سوف يزداد توجّه مصادر الأخبار إلى تغطية مجالات مواضيع ووجهات نظر محددة للمواطنين العاديين القاطنين في الأحياء والقرى الصغيرة، بإضافة موضوعات وبيانات و قصص خبرية على الإنترنت لا يكتشفها رادار وسائل الإعلام التقليدية، وتمّكن هذه المُقاربة التي تهتم بما يحدث على أضيق نطاق محلي، المواطنين من توحيد صفوفهم وجهودهم بشأن المشاركة في القضايا المجتمعية المحلية والتفاعل معها، وبهذا تنشأ الأسس الشعبية اللازمة للمشاركة المجتمعية.

واننا نرى خلال بضع سنوات قادمة مواقع إنترنت (محلية جدا) لكل مدينة، كالمجموعات الإخبارية المتخصصة عبر الميديا الاجتماعية التي نشاهد مضامينها ونتفاعل معها في مجتمعاتنا وتخصُصّاتنا وواقعنا ، وان ما سوف يبقى على المدى الطويل هو " ظـاهرة " صحافة المواطن.

لذلك فقد انقلبت الآية، فبعد أن كانت وسائل الإعلام التقليدية هي التي تجلب الهواة وأفراد الجمهور والمواطنين للمشاركة في بعض البرامج التي تقدمها عبر الإعلام الكلاسيكي، أضحى اليوم الجمهور أو المستخدمين "المواطنين" هم الذين يستضيفون مدراء مؤسسات الإعلام التقليدية والصحفيين المحترفين عبر صفحاتهم الإعلامية الفاعلة في عصر الميديا الجديدة .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد