ندعم ونؤيد بقوة تحرير سوريا
سعدات: فتح أنهت الدور القيادي للمنظمة وأوسلو جثة ماثلة حتى للأعمى
اتهم الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات ، حركة فتح بإنهاء الدور القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية ، مؤكداً في ذات الوقت ان اتفاق أوسلو بات جثة ماثلة حتى للأعمى.
وقال سعدات، لصحيفة المصري اليوم إن المقاومة خيار لا بديل عنه في مواجهة صفقة القرن ومخطط تصفية الصراع العربي الإسرائيلي نهائيًا الذي ينتهجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأضاف «سعدات» من داخل معتقل «رامون» الإسرائيلي، في حوار خاص عبر وسيط، أن ترامب أطلق ما وصفه بـ«رصاصة الرحمة» على العملية السياسية، ما يستوجب إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني بمنطق حركة تحرر ضد «احتلال استعماري»، مشددا على أن القوة قد تُخضع شعباً لحقبة من الزمن لكنها لن تلغي مبررات مقاومته دفاعاً عن حقوقه وهويته ووجوده.
واتهم الزعيم الفلسطيني، المعتقل منذ 12 عاما في سجون الاحتلال، من وصفها بـ«القيادة المتنفذة في منظمة التحرير» في إشارة إلى حركة فتح والرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات، بأنه قدم في «أوسلو» كل أوراقه السياسية مقابل مفاوضات غير واضحة المعالم، واصفا الاتفاق بـ«الصفقة»، موضحا أن الاتفاق الآن أصبح جثة ماثلة للعيان حتى للأعمى»، بينما ما يزال البعض يعتبر التنسيق الأمني مع الاحتلال «مقدس» في إشارة إلى تصريح سابق للرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس .
وطالب أمين عام الفصيل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية، المحكوم عليه بالسجن 30 عاما من قبل سلطات الاحتلال، حركتي «فتح و حماس » بطي الخلافات لمواجهة «صفقة القرن»، متهما «شرائح طبقية» بالاستفادة من استمرار الانقسام وتعطيل مسار المصالحة، داعيا إلى وحدة اليسار الفلسطيني، متحدثا عن دور الشباب في النضال ضد الاحتلال، وحراك الشباب العربي في 2011 والموقف من الأزمة السورية.
فيما يلي نص الحوار
ما التحدي الأكبر الذي يواجه الشعب الفلسطيني في الوقت الحالي؟
التحدي الأكبر والمهمة المركزية أمام شعبنا تتمثل في إفشال المشروع الأمريكي الجديد لتصفية القضية الفلسطينية ما يسمى «صفقة القرن» وإغلاق الباب الفلسطيني أمامها، وفتح الطريق لتعزيز الخيار الوطني وانتصاره وتحقيق أهداف شعبنا الوطنية والتاريخية.
لقد أعطى انتخاب «ترامب» دفعة قوية لحكومة الاحتلال لفرض رؤيتها السياسية للحل على شعبنا وعلى المجتمع الدولي، لأن «ترامب» و«نتنياهو» يعتقدان أن الظروف الراهنة التي تعيشها المنطقة العربية الأكثر ملائمة لشطب فلسطين من خارطة الجغرافيا والقضية الفلسطينية من أسفار التاريخ.
وعلى الصعيد العملي مثّلَ نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة أبدية للكيان الصهيوني وإعلان إخراجها من دائرة التفاوض، ودعوة «ترامب» للتفريط في حق العودة والسعي لإلغاء وكالة الغوث « الأونروا » كرمز لاستمرار قضية اللاجئين وتأييده المطلق للتوسع الاستيطاني الصهيوني، حسب خطته التي يعتزم طرحها لم يبقَ من مضمون للقضية الفلسطينية شيئاً يمكن أن يطُرح في مزاد المفاوضات.
المشروع الأمريكي الصهيوني بما يحمله من دلالات وأخطار يتطلب موقفاً فلسطينياً واضحاً وصلباً يتمسك بثوابت قضيتنا الوطنية واستثمار كل مصادر قوتنا ومضاعفتها لتحقيق وحدتنا الوطنية وإنهاء ملف الانقسام، والرد في ميادين الاشتباك الشامل والتاريخي مع الاحتلال، لأن الرفض الفلسطيني الواضح والمدعوم بالوحدة الوطنية والبرنامج الوطني الموحد المرتكز على خيار المقاومة كفيل بإفشال المشروع سواء باستهدافه للقضية الفلسطينية أو سعيه للهيمنة الشاملة على المنطقة العربية. فاحتواء الصراع العربي الفلسطيني الصهيوني سيسهل تشكيل الحلف الإقليمي الذي يضم أدوات الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة والكيان الصهيوني، وانحراف البوصلة العربية باتجاه التحالف مع الكيان الصهيوني، وتطبيع العلاقات العربية معه تحت لافتة المبادرة العربية التي هيأت لذلك، وتوجيهها نحو إدارة الحرب مع إيران بعد أن أصبحت العدو رقم واحد لدى العديد من الأنظمة العربية.
هل سيقبل الفلسطينيون في النهاية ما تفرضه أمريكا من حلول؟
لا يمكن للشعب الفلسطيني أو لأي قوة سياسية أو وطنية أن تقبل بصفقة القرن وما تقترحه الولايات المتحدة من حلول للصراع، فهي تدعونا للقبول بالأمر الواقع والتسليم بوجود الاحتلال، واختزال حقوق شعبنا الوطنية في إطار حكم ذاتي مسخ، أو محمية تحت سيطرة الاحتلال مقطعة الأوصال على أقل من نصف مساحة الضفة، وفي أحسن الأحوال يمكن أن يضاف لها قطاع غزة . حين تساوم أي شعب على حقوقه ووجوده وهويته الوطنية -أي الاستسلام- سيختار المقاومة التي لا بديل عنها.
والشعب الفلسطيني لم يبدأ من الصفر ولديه العديد من أوراق القوة ومصدر قوته الرئيسية يتمثل في وجوده على أرضه واستمرار مقاومته للاحتلال في ميادين الصراع المباشر والاعتراف الدولي بهذا الوجود وبحقوقه الوطنية وبكيانه السياسي والمعنوي (منظمة التحرير الفلسطينية)، وهذا الوجود يجسد هوية شعبنا الوطنية ويعكس مضمون حقوقه الوطنية العادلة، فضلاً عن الاعتراف الدولي من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطين، والعديد من القرارات الدولية التي ترفض الأمر الواقع الذي يحاول الاحتلال تكريسه وفرضه على شعبنا وعلى المجتمع الدولي.
هل ترى ثمة أوراق قوة سياسية يمتلكها الشعب الفلسطيني ضد مخطط تصفية الصراع؟
نجاح تجارب الاستيطان الأوروبي في إبادة السكان الأصليين في أمريكا الشمالية، فيما بات يُعرف اليوم بالولايات المتحدة الأمريكية، أو السكان الأصليين في أستراليا، هذه الجرائم البشعة التي ارتكبها المستعمرون الأوروبيون لم تنجح في إلغاء هوية تلك الشعوب، كما شعوب جنوب أفريقيا وزيمبابوي، وهي قطعاً لن تنجح في فلسطين، فشعبنا لديه هويته الوطنية الواضحة المعترف بها وانتمائه التاريخي للأمة العربية كمعطى موضوعي غير قابل للزوال. القوة قد تُخضع شعباً أو أمة لحقبة من الزمن، لكنها لن تستطيع إلغاء تناقضات عملية الصراع الموضوعية بين الشعب والمُحتل، وقد تجافي الظروف نضال شعب من أجل إنجاز حريته واستقلاله، لكنها قطعاً لن تلغي مبررات مقاومته دفاعاً عن حقوقه وهويته ووجوده.
وعليه أقول بوضوح، إن أي حل يتجاوز حقوقنا الوطنية العادلة لن يُكتب له النجاح أو الاستمرار، صحيح أن مجمل ما سبق لا يشّكل وحده وصفة سحرية لانتصار نضال شعبنا، ولا يعني بأي حال أننا نتوقع من المجتمع الدولي أن يحارب نيابةً عنا أو أن يكون فلسطينياً وعربياً أكثر من العرب والفلسطينيين، بقدر ما يشير إلى ظروف ومصادر قوتنا الداخلية التي يجب أن يجري البناء عليها لصياغة البرنامج الوطني النضالي الموحد لشعبنا الفلسطيني.
كيف انتهت الثورة الفلسطينية وآمالها العريضة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي إلى سلطة أوسلو؟
تراجع الثورة الفلسطينية، الذي جرى التعبير عنه بالتوقيع على اتفاق أوسلو مع العدو الصهيوني -الذي مر ربع قرن على ذكرى توقيعه المشؤومة- وإدخال القضية الفلسطينية في مأزق خطير، ارتبط بالسياسة والمنهج السياسي الخاطئ للقيادة المهيمنة على منظمة التحرير الفلسطينية، وفي وجود قوة دعمت هذه السياسة داخل المنظمة، فقد قدّمت القيادة كل أوراق قوتها السياسية مقابل مشاركتها في مفاوضات مدريد ضمن وفد أردني فلسطيني مشترك، وفي موافقة مسبقة على صيغة لا تقود إلى أكثر من حكم ذاتي في أحسن الأحوال، وإخضاع الثوابت الوطنية المضمنة في قرارات الشرعية الدولية للتفاوض حول نصوصها، وليس على آليات تنفيذها، وارتكاز المفاوضات على قرار وحيد للشرعية الدولية وهو قرار 242 غير المتفق دولياً على صيغة محددة لتفسيره.
والأهم من كل ذلك أن تلك القيادة المهيمنة أعاقت المؤسسة الحاضنة لقرارات الشرعية الدولية عن تأدية دورها ومسؤولياتها عن تنفيذ قراراتها، لتصبح شاهد زور عاجز أمام انتهاكات العدو للقانون الدولي والقرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، إضافة إلى أن المفاوضات جرت في ظل موازين قوى مختلة لصالح العدو الصهيوني والرعاية الأمريكية المتحكمة في مسارها، والمنحازة بل والداعمة لسياساته والتي وفرت له الدعم والغطاء والحماية في كل المحافل الدولية، هذا من الزاوية التكتيكية، أما من الزاوية الاستراتيجية فقد أصبح تنفيذ القرار 242 وإقامة دولة في الضفة والقطاع سقفاً للحقوق الفلسطينية، وبالتالي التنازل عن 78% من مساحة فلسطين التاريخية.
أقل ما يمكن أن يقال إزاء اتفاق أوسلو أنه صفقة قدمّت فيها القيادة المتنفذة في المنظمة كل أوراق قوتها السياسية مقابل مفاوضات غير واضحة المعالم أو الآفاق، وسعت لحل أزمتها الخاصة التي تولّدت بفعل الحصار المالي في أعقاب حرب الخليج الثانية ضد العراق، وأدخلت نفسها ومعها شعبنا في مأزق أعمق ونفق لا نهاية له، يترجمه ويعكسه بوضوح الوضع القائم الذي يعيشه شعبنا وقضيتنا اليوم، إضافة لذلك فإن القيادة المتنفذة لم تحاول استثمار الفرص التي نشأت لتجاوز الاتفاق خاصة بعد انتهاء المدة الزمنية للاتفاق الزمني في 4 مايو 1999، وفي وقت كانت حكومة «نتنياهو» تعيش حالة عزلة دولية، وفشلت مفاوضات «كامب ديفيد» وانفجرت الانتفاضة الثانية كرد على فشلها.
في ذاك التوقيت وبدلاً من قطع سياق المسار الذي وُلد بدون آفاق دخلت هذه القيادة إلى ما سُمي خارطة الطريق، النسخة المعدلة الأسوأ لاتفاق المبادئ، حيث تضمنت تدخلاً فظاً في الشأن الفلسطيني الداخلي وفي نظامه السياسي، ورهنت أي تقدم في المفاوضات بمكافحة السلطة للمقاومة تحت مسمى «الإرهاب»، مروراً بالعديد من حلقات التفاوض تحت مسميات مختلفة، وعطّلت أي محاولات لإجراء مراجعة شاملة للمسار السياسي داخل مؤسسات المنظمة أو في الإطار الأوسع في محطات الحوار الشامل التي ضمت قوى المنظمة والقوى الإسلامية. للآسف التفرد في اتخاذ القرار ظل النهج الذي يحكم سلوك القيادة المتنفذة وأحد أهم نقاط الاختلاف الفلسطيني.
والآن بعد أن أطلق «ترامب» رصاصة الرحمة على الاتفاق وعلى العملية السياسية التي بُنيت على منهجه، من المفترض أن تكون قد اتسعت مساحة القواسم المشتركة بين مجمل أطراف التكوين الوطني لإدارة النضال ضد الاحتلال، والتحلل من الالتزامات السياسية والأمنية والاقتصادية التي نتجت عن الاتفاق، وإعادة بناء مشروعنا الوطني وفق منطقه الحقيقي المتمثل في صراع بين حركة تحرر وطني واحتلال استعماري استيطاني عنصري، والعمل على إنهاء الانقسام وإعادة بناء منظمة التحرير كإطار ومرجعية جماعية تجسد الشراكة السياسية الوطنية الديمقراطية في إدارة الشأن الفلسطيني واتخاذ قراراته المصيرية، وتطبيق كل القرارات التي اتخذتها المجالس المركزية المتعاقبة بفك الارتباط مع الاحتلال وسحب الاعتراف به، وإخراج تلك القرارات من دائرة التمييع والاستخدام التكتيكي، وإعادة ملف القضية الوطنية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة ليتحمّل المجتمع الدولي مسؤولية إلزام الكيان الصهيوني بالقانون الدولي وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، واعتبار ميادين مقاومة وإدارة الاشتباك مع الاحتلال المركز الذي يجب أن نضع فيه كل ثقلنا، فنتائج أي صراع تحدده في نهاية المطاف موازين القوى التي تحكم معادلته على أرض الواقع.
ما رأيكم في «التنسيق الأمني» بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي؟
شَكّل التنسيق الأمني جوهر اتفاق أوسلو وملاحقه، وتحول إلى وظيفة رئيسية لسلطة أوسلو، حيث أدخلها الاتفاق ومضامينه الأمنية في مواجهة مع القوى المعارضة له، ونقل التناقض إلى الداخل الفلسطيني على حساب التناقض الرئيسي مع الاحتلال، وتدرجت أبعاده وإطاره وصولاً إلى إنتاج حالة الانقسام التي يعيشها شعبنا وقضيتنا اليوم، تحت وطأة اسقاطاته التي تهدد مستقبل النضال الوطني الفلسطيني، وعلى الرغم أن ما بقى من تفاهمات اتفاق أوسلو هو التنسيق الأمني، لا يزال البعض يعتبره مقدساً ويماطل في ترجمة كل قرارات المجالس المركزية التي دعت إلى وقف هذه العلاقة، والتحلل من كل التزامات أوسلو السياسية والأمنية بعد أن أصبح الاتفاق جثة ماثلة للعيان حتى للأعمى.
كيف تنظرون إلى الوضع في منظمة التحرير الفلسطينية؟
منذ تأسيسها عانت المنظمة من بعض الإشكاليات في بنيتها وفي مقدمتها سياسة الهيمنة والتفرد، وقد تعززت أزمة المنظمة وتهميشها بعد توقيع اتفاق أوسلو ونشوء السلطة الفلسطينية ونقل دورها للسلطة على حساب مكانتها ككيان سياسي جامع وممثلٍ شرعيٍ للشعب في كافة أماكن تواجده، لتصبح ملحقة بالسلطة يجري استخدامها في إطار وظيفي لمنح الشرعية لبرامجها وتوجهاتها.
ويمكن القول إن قيادة حركة فتح أنهت عملياً الدور القيادي للمنظمة واستخدمتها في إطار الصراع الداخلي وعملية الاستقطاب الجارية مع حركة حماس، وعلى الرغم من أن اتفاق القاهرة في مارس 2005 وضع حجر الأساس لتفعيل دورها وتطويرها وتوسيعها لتشمل كل قوى شعبنا السياسية والاجتماعية لتكريسها كمرجعية وممثلاً لشعبنا ونضالنا الوطني، إلا أن الاتفاق ظل حبراً على ورق رغم دعمه بالعديد من الاتفاقيات الوطنية بدءاً من وثيقة الأسرى «وثيقة الوفاق الوطني» واتفاق 2011 الذي أقر الوثيقة المصرية لإنهاء الانقسام، واتفاق الشاطئ، ومخرجات اللجنة التحضيرية في 2017 بشأن عقد دورة جديدة توحيدية للمجلس الوطني. للأسف فإن كل هذه التوافقات بقيت في أدراج القيادة المهيمنة على المنظمة، ما يعكس عدم جدية تطورها واستمرار الاستحواذ على قراراتها.
ما المطلوب في رأيكم لاستعادة دور منظمة التحرير؟
يجب إعادة بنائها أولا حتى تستعيد دورها، ونحن نرى أن إعادة البناء يجب أن تكون على أساس التوافقات الوطنية ومخرجات الحوار الوطني الشامل، ومشاركة الكل الفلسطيني عبر آليات تتيح الانتخاب المباشر لتمثيل شعبنا وفق نظام التمثيل النسبي الكامل، وتحويل المنظمة إلى جبهة وطنية ديمقراطية مؤهلة لقيادة شعبنا ونضاله الوطني.
تلك المهمة يشكّل إنجازها حلقة مفتاحية لإنهاء حالة الانقسام وتحقيق وحدتنا الوطنية، وهي معيار جدية أي فصيل ومصداقية موقفه في مواجهة صفقة القرن والتحديات التي تفرضها على شعبنا وأمتنا.
لماذا قاطعت الجبهة الشعبية الدورة الأخيرة للمجلس الوطني؟
لأن القيادة المهيمنة على منظمة التحرير تجاوزت التوافقات الوطنية بشأن إعادة بناء المنظمة، وآخرها مخرجات اللجنة التحضيرية التي عقدت في بيروت من أجل الإعداد لعقد تلك الدورة، ولأن التفرد بعقد الدورة قطع سياق جهود المصالحة الوطنية، التي بنت عليها جماهيرنا آمالاً عريضة.
نحن نرى أن المصالحة ضرورة وطنية ملحة لا تقبل التأجيل لمواجهة الأخطار المحدقة بقضيتنا الوطنية التي يحملها المشروع الأمريكي الصهيوني القادم لتصفية القضية الفلسطينية تحت عنوان «صفقة القرن».
بعد مرور سنوات على الانقسام.. هل من أفق للمصالحة بين فتح وحماس؟
لا ننظر إلى المصالحة من منظور التفاؤل أو التشاؤم فهي استحقاق وطني مطلوب ومُلح، فالصعوبات والعوامل التي تمنع تقدمها كثيرة، رغم توفر التوافقات الوطنية التي تحتاج إلى تنفيذ، ولعل أبرز العوائق وجود شرائح طبقية مستفيدة من استمرار حالة الانقسام ولديها الجاهزية لتعطيل مسار المصالحة، واستحداث مصطلحات ومفاهيم اعتراضية لوقف تقدمها كمصطلح «تمكين حكومة التوافق».
لا أحد يعترض على تمكين الحكومة إذا كان المقصود تسلمها صلاحياتها وفق ما ينص عليه القانون الأساسي الفلسطيني، فأحد أهم مهامها حل مشكلة الموظفين العالقة منذ سنوات، ووقف العقوبات الجائرة على غزة، كما لا اعتراض على تسلمها الصلاحيات الأمنية كاملة فيما يتعلق بالأمن الداخلي، أما المقاومة فهي جزء من الملف السياسي الذي يجب أن تديره منظمة التحرير الفلسطينية بعد أن يُعاد بنائها على أساس الشراكة السياسية الديمقراطية بين جميع مكونات شعبنا السياسية، لتشكّل المرجعية القيادية وتكون صاحبة القول الفصل في إدارة الصراع مع الاحتلال وفق رؤية نضالية متوافق عليها وطنياً.
أما إذا كان المقصود بالتمكين تفكيك قوى المقاومة فهذا يثير الاستغراب والاستنكار إذ أن متطلبات مواجهة الاحتلال ومخططات التصفية تستوجب امتلاك كل الأسلحة بالمعنى الشامل، وتعزيز الدفاع عن أبناء شعبنا وثوابته وحماية مشروعه الوطني.
في رأيكم ما المطلوب لإنهاء الانقسام واستكمال إجراءات المصالحة؟
تحكم رؤيتنا الواجبات الملقاة علينا كجزء من الحالة الوطنية لإنجاز المصالحة وطي ملف الانقسام إلى الأبد، لأن المصالحة ليست شأناً فتحاوياً حمساوياً خاصاً بالفصيلين، بل مصلحة وطنية تهم شعبنا بكل قواه السياسية والاجتماعية، فهي المدخل لخروج شعبنا من مأزقه وأزمته السياسية الراهنة، وامتلاكه مصادر القوة التي تؤهله لمواجهة المشاريع المعادية ودفع قضيتنا ونضالنا الوطني لتحقيق أهدافه الوطنية والتاريخية.
لذلك، على شعبنا ألا يبقى متفرجاً أو مراقباً لكل أشكال المناورات في إدارة الانقسام بانتظار أن يسفر الصراع الجاري عن نتائج لمصلحة هذا الفريق أو ذاك. على الشعب أن يقوم بدوره الفاعل والنشيط والمبادر للضغط على كل من يعطّل سير عربة المصالحة، أو يضع العصي في عجلاتها لمنعها من الدوران. هذا استحقاق لجماهير شعبنا في كل أماكن وجوده، الجماهير يجب أن تدرك أنها مصدر شرعية أي فصيل أو مؤسسة سياسية عليا أو دنيا في النظام السياسي الفلسطيني.
وفي نفس الاتجاه ينبغي على القوى التي تدعّي حرصها على إنهاء الانقسام ولا تعتبر نفسها جزءاً فاعلاً فيه، ولا تميل لطرف على حساب آخر، وأن تساهم بمصداقية في الحراك الشعبي للضغط على الطرف المعطّل لاحترام وتنفيذ التوافقات الوطنية التي تقود إلى إنهاء الانقسام.
أنتم جزء رئيسي من مسيرات العودة كيف تقيمونها؟
شكّلت مسيرات العودة الرد الفلسطيني القوي على سياسة «ترامب» ومشروعه لحل الصراع العربي الفلسطيني الصهيوني وفق رؤية الكيان الصهيوني التي يحاول فرضها على شعبنا وعلى المجتمع الدولي، وبشكل مباشر محاولات إخراج موضوعي القدس وحق العودة من إطار أي حل للصراع، كما مثّلت المسيرات حالة متقدمة لتجسيد الوحدة الوطنية والشعبية في ميدان المقاومة، وعكست حجم الاستعداد الشعبي غير المحدود للبذل والعطاء والتضحية والتصميم على إفشال المؤامرة الصهيونية الأمريكية الجديدة لتصفية قضيتنا الوطنية.
لقد غطت فعاليات المسيرات على احتفالات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ووضعت دولة الاحتلال وأمريكا في حرج على المستوى الدولي، وأحدثت حالة إرباك وخسائر مادية للعدو بفعل الإبداعات الشعبية الكفاحية مثل الطائرات الورقية التي كبدّت مستوطني ما يُسمى بغلاف غزة خسائر مادية فادحة، ما دفع حكومة الاحتلال للبحث عن حلول لتخفيف الحصار عن قطاع غزة.
لماذا برأيكم لم تتوسع مسيرات العودة ولم تشمل الضفة و48 والشتات؟
إن ما تُحدثه جهود الشعب المنتفض وتحققه من إنجازات يجري تبديدها في إطار عملية إدارة الانقسام المستمر وفي إرهاق شعبنا و«مكافأته» على الحالة الثورية الشعبية عبر فرض عقوبات عليه من قِبل السلطة، فالتداعيات المباشرة للفعل الشعبي وامتداداته في عموم الوطن المحتل وخارجه لم يجرِ دعمها وتفعيلها لإحداث التناغم والوحدة على امتداد مساحة فلسطين التاريخية، بما يؤسس لمقدمات تحوّل الحراك إلى انتفاضة شعبية تنظم علاقة شعبنا مع الاحتلال.
الوضع في فلسطين يحمل في أحشائه احتمالات انفجار انتفاضة شعبية شاملة قد تكون أكثر حدة من الانتفاضتين الأولى والثانية، لأن سياسة الاحتلال العدوانية لم تبقِ لشعبنا سوى خيار المقاومة بعد أن حبست عنه الهواء الضروري لتنفسه وطالت الشجر والحجر والبشر والمقدسات.
إن الظروف الموضوعية الناشئة عن عدوان الاحتلال الشامل على شعبنا، تدفع على الدوام لمختلف أشكال الانفجارات الشعبية على شكل هبات وغليان وعصيان شامل، ولكن الخلل الذي يمنع تحّول أشكال الحراك الشعبي إلى انتفاضة شعبية شاملة، يكمن في غياب الشرط الذاتي والدور القيادي المبادر لفصائل العمل الوطني، وغياب حالة التوافق السياسي الوطني، والاستراتيجية النضالية الموحدة، وغياب الأدوات الكفاحية للانتقال بشعبنا من حالة ردود الأفعال العفوية إلى حالة الفعل الكفاحي المنظم تحت لواء قيادة ومرجعية موحدة.
هل اليسار الفلسطيني بحالته الراهنة قادر على قيادة الوضع الفلسطيني بديلاً لطرفي الانقسام؟
وضع اليسار الراهن دون مستوى القدرة على قيادة الوضع الفلسطيني بديلاً عن فتح وحماس، وهو في نفس الوقت لا ينظر إلى دوره الوطني من هذه الزاوية، اليسار لا يسعى لأن يكون بديلاً لأحد بقدر ما يناضل من أجل تحقيق الشراكة السياسية الوطنية الديمقراطية على أساس برنامج الحد الأدنى لإنجاز مهام التحرر الوطني الديمقراطي المطروحة على شعبنا بكل قواه، وتحقيق الوحدة الوطنية ووحدة الإرادة والعمل تحت إطار منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة الاعتبار لمكانتها ودورها ككيان جامع لوحدة شعبنا في كل أماكن تواجده.
والتقدم على صعيد هذه المهمة يتطلب تعزيز دوره ومكانته وحضوره المؤثر وإحداث التوازن المطلوب في النظام السياسي الفلسطيني، وحتى يكون صوته مسموعاً ومؤثراً ينبغي تعديل وضعه ووزنه النسبي في إطار موازين القوى التي تحكم العلاقات الفلسطينية الداخلية، وهذا يتطلب تحقيق وحدته كحامل للبرنامج الوطني الديمقراطي الذي يعكس بوضوح مصالح شعبنا الوطنية والديمقراطية.
هل اليسار الفلسطيني في حالة تسمح بالوحدة الآن؟
أرى أن وحدة قوى اليسار الفلسطيني ضرورة موضوعية وتاريخية ومهمة ملحة لا تحتمل التأجيل، والانتقال من حالة التنافس الفئوي وإنجاز وحدته الفكرية السياسية أولاً كمقدمة لإنجاز وحدته التنظيمية التي تُضاعف قوته وتعيد المكانة والاعتبار لدوره الوطني وحضوره الفاعل والمؤثر، والاستفادة من أسباب فشل تجاربه ومحاولاته السابقة لتحقيق هذه المهمة. لأن الظروف الموضوعية الراهنة التي تعيشها قضيتنا وسعت مساحة القواسم المشتركة التي يمكن البناء عليها لتحقيق وحدة اليسار وبناء أداته الكفاحية الموحدة والفاعلة.
كيف ترى دور الشباب من كل التيارات الفكرية أمثال الشهيد باسل الأعرج في مسيرة النضال الفلسطيني؟
الدور الكفاحي المحوري في محطات الثورة الفلسطينية المعاصرة لعبه الشباب، فهم معاوله الأساسية وقوته المحركة. هذا الدور كان واضحاً في بناء مقدمات الانتفاضتين الأولى والثانية، وبديهي أن تشكّل أسماء من طراز باسل الأعرج وبهاء عليان ومهند حلبي وأحمد العديني نماذج مضيئة جمعت بين الوعي والاستعداد، واستطاعت أن تقرن القول بالعمل والنظرية بالممارسة، وينطبق عليها المصطلح الذي أطلقه باسل الأعرج للتمييز بين المثقفين من زاوية موقفه من الممارسة، واستخدم وصفاً أطلقه على المثقف النموذجي هو «المثقف المشتبك»، ما يترجم مفهوم المثقف العضوي لدى «جرامشي» في حديثه عن المثقف الثوري الملتزم.
وعلى العموم، فإن هرم كل التنظيمات الفلسطينية عماده الشباب، والقطاع الأكبر من الشباب يلتزمون بالقوى السياسية ومرتبطون بها وفي صيغها التنظيمية المتنوعة الحزبية والجماهيرية.
هل البنية التنظيمية للفصائل الفلسطينية قادرة على احتواء الشباب؟
هذا يتوقف على المقصود من كلمة «احتواء»، فإذا كان المقصود تنظيمهم واستيعابهم في منظماتهم فهذا الأمر حاصل وموجود، أما الحديث عن قيادتهم والاستجابة لمطالبهم وإدراك أهميتهم فهذا يختلف من تنظيم لآخر، وحسب مستوى نضج هذا التنظيم أو ذاك، فالشباب لا يمثلون الحرارة والاندفاع والجرأة فحسب، بل الوعي والثقافة والمعرفة والمهارات المتنوعة، ودون إحساس الشباب بوجودهم وباحترام عقولهم وآرائهم وقناعاتهم بعمق المحتوى الديمقراطي للتنظيمات، دون ذلك يصعب قيادتهم. فاحتواء الشباب بمعنى قيادتهم واستيعابهم دون أية خطوات للشعور بمشاكلهم وهمومهم ومطالبهم ومنحهم الخبرة والثقة بهم وبقدراتهم وتجديد الهيئات الكادرية والقيادية الأولى في المنظمات والأحزاب ورفدها بالعناصر الشبابية، ستبقى الأحزاب تفتقد قوة رئيسية وقدرات وطاقات متجددة ومبدعة وخلاقة.
ونحن في الجبهة نسعى للعمل في هذا الاتجاه، وفي المؤتمر السابع بلغت نسبة التجديد في الهيئات المركزية قرابة 70% غالبيتهم من الشباب، كما نسعى لفتح وتوسيع الفرص أمام صعودهم وارتقائهم في الهرم التنظيمي. ومع ذلك فإن هذا التوجه يحتاج إلى تعزيز لتصبح الجبهة حزباً للشباب.
ما تقييمك لما جرى في عدة بلدان عربية بداية من التظاهرات التونسية 2010 وما تبعها من الربيع العربي؟
ما جرى من حراك شبابي شعبي عكس عمق الأزمة التي يعيشها النظام الرسمي العربي، والحاجة للتغيير الديمقراطي بمعناه السياسي والاجتماعي، ما لخصته شعارات الثورة في مصر وتونس، هذا من جانب، ومن جانب آخر لا يمكن أن نضع كل ما جرى في أقطار الوطن العربي في سلة واحدة، وإضفاء الصبغة الإيجابية عليه، وهذا يعتمد على طبيعة القوى التي امتطت أو قادت الحراك، حتى لو حملت نفس الشعارات والمطالب، وعلينا أن نميز بين من سعى من قوى الشعب وقيادته لتحقيق هذه المطالب، وبين من سعى منذ بداية الحراك لاستخدام قوى الناتو لحسم الصراع مع النظام وإصدار الفتاوى لإجازة التدخل على الطريقة الليبية أو من اعتمد السعودية أو قطر أو قوى الخليج مرجعية لحركته من أجل التغيير الديمقراطي الثوري.
باختصار وإيجاز، لقد عبّر الحراك الشعبي عن ضرورة وحاجة موضوعية لاستنهاض شعوب أمتنا وتحقيق نهضتها، لكن الشعب وقواه في هذا القطر أو ذاك لم يكن اللاعب الوحيد، فالشباب الذين شكّلوا المحرك الرئيسي للثورة لم يمتلكوا القدرة والامكانيات والنفوذ لقيادة الشعوب حتى النهايات السعيدة، كما أنه جرى اعتقال عدداً كبيراً منهم.
واستطاعت القوى الإقليمية والدولية وأدوات أمريكا في المنطقة خطف الثورة والانحراف بها عن مسارها وسياقها الطبيعي، وأنتجت الوضع الممزق والمهلهل الذي تعيشه شعوب أمتنا اليوم، والتي سهلّت تحقيق أمنيات وطموحات الولايات المتحدة الأمريكية في مواصلة تنفيذ مشروعها للشرق الأوسط الجديد ونظام الفوضى الخلاقة الذي سعت إليه «كوندليزا رايس».
والاستخلاص الأكبر لمسيرة دامت قرابة ثمانية سنوات ولا زالت تداعياتها مستمرة، هو أن الوضع الشعبي العربي لم يكن محصناً، ويفتقد للحوامل الثورية المنسجمة مع أهداف الحراك، بما يستجيب لمصالح الشعوب في التغيير الديمقراطي والحرية والعدالة الاجتماعية.
وهذا الغياب للحوامل الثورية التقدمية انسحب على المستوى القطري والقومي العام، وللأسف فإن القوى الوحيدة التي كانت مؤهلة لتوجيه وقيادة الحراك هي القوى السلفية الإسلامية بمدارسها المتنوعة، والتي لا تملك برنامج التقدم والتغيير الذي تنشده الجماهير، وبهذا المعنى فهناك ثورة وثورة مضادة وقوى الثورة المضادة على المستويين الرسمي والشعبي المدعومة من القوى الدولية الإمبريالية استطاعت قيادة وتوجيه الحالة.
وفي هذا الإطار، فإن التجربة التونسية شكّلت الاستثناء لأسباب تتعلق بنضج القوى السياسية من جهة، وموازين القوى التي حكمت الصراع بين القوى التونسية المتصارعة من جهة أخرى، إلا أن حجم الإنجاز لا زال متواضعاً وبقايا النظام استطاعت بناء نفسها من جديد وتصدرت المشهد السياسي، على الرغم من ذلك فقد كانت محصلة الحراك التقدم للأمام وجرى تكريس القيم الديمقراطية داخل المجتمع التونسي وإنجاز الحد الأدنى من أهداف الثورة.
على العموم، فإن الدرس الأهم الذي من المفروض أن تكون قوى اليسار والقوى التقدمية والقومية عموماً قد استخلصته هو ضرورة إعادة بناء وحدتها وأدواتها على المستويين الوطني والقومي العام، لملء الفراغ الناشئ عن غيابها وضعف دورها، والذي استغلته قوى الإسلام السياسي، والدفع بقوة لإيجاد حلول سياسية للصراع في سوريا واليمن وليبيا، تحقق وحدة البلاد وشعوبها على أساس وطني وقومي ديمقراطي يستجيب لمطالب الشعوب في الحرية والديمقراطية والعدالة.
ماذا عن موقفكم من الأزمة السورية؟
ندعم ونؤيد بقوة تحرير سوريا واستعادة وحدتها أرضاً وشعباً، كما ندعم أي حل سياسي يؤدي إلى تحقيق هذا الهدف، ويستجيب بنفس الوقت إلى مطالب الشعب السوري بكل مكوناته في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وبديل ذلك أن نقف على الحياد- أي موقف اللاموقف- تجاه المؤامرة التي حيكت وتحاك لتمزيق سوريا بدعم الإمبريالية وأدواتها العربية والإقليمية، أو الاصطفاف في خندق المعارضة المأجورة وأدوات المؤامرة، التي امتطت الحراك الشعبي السلمي واستدعت التدخل الإمبريالي على الطريقة الليبية.
وعليه فنحن لا نرى في موقفنا أي تعارض مع وحدتنا القومية أو هويتنا اليسارية الديمقراطية، ونأمل من قوى المعارضة التي ما زالت تؤمن بالتغيير الديمقراطي واستعادة وحدة سوريا أرضاً وشعباً، أن تراجع موقفها وتصوبه، لأن التغيير الديمقراطي في سوريا لا يمكن تحقيقه بالاصطفاف إلى جانب الأنظمة العشائرية البطريركية المتخلفة؟
بعد كل هذه السنوات هل لازلت تؤمن بمقولة العين بالعين والسن بالسن؟
هذه المقولة ليست خاصة بالجبهة بقدر ما تهم كل حركات التحرر بشكل عام، فأي حركة لا تسعى أن تكون نداً مع أعدائها في ميادين المقاومة، حتماً لن تستطيع نقل شعبها إلى الانتصار وتحقيق أهداف الثورة التي تقودها مهما كانت القيود والظروف التاريخية، إلا أن الجبهة استطاعت أن تنقل الشعار إلى حيز التنفيذ، وحاولت أن تكون نداً، وقدّمت عملاً غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الصهيوني رداً على اغتيال الأمين العام السابق للجبهة القائد الوطني والقومي أبوعلى مصطفى، إلى جانب العديد من المآثر البطولية لشعبنا ومقاوميه عبر محطات الثورة الفلسطينية المتعاقبة.
وكنا ولا زلنا نأمل أن يتم البناء على هذا العمل النوعي بالمعنى الشامل، أي بإعداد أنفسنا من كل الجوانب لامتلاك القدرة على الدفاع عن شعبنا وقضيتنا الوطنية، وتعديل موازين القوى التي تحكم صراعنا مع عدونا الاستعماري الاستيطاني الإحلالي الصهيوني العنصري لصالح شعبنا لوضع نضالنا على الطريق الذي يقود لتحقيق أهدافه الوطنية والتاريخية.
أخيرا.. لماذا انسحبت من التوقيع على وثيقة الحركة الشعبية من أجل الدولة الواحدة العلمانية الديمقراطية؟
لأن اجتهادي بتأييد الوثيقة لم ينل تزكية الهيئة القيادية التي أمثلها، والتي اختلفت مع عدد من نصوصها ورأت في توقيعي تجاوزاً لموقفها في مسألة لم تتناقش وتحسم داخلياً.
وعليه، فإن من الطبيعي لمسؤول أول في تنظيم ديمقراطي أن يحتكم إلى المركزية الديمقراطية وأن يحترم موقف الجماعة والهيئة التي يمثلها.