لم يمض يوم على « الانتصار» الذي تمثل بدخول السولار الممول من قطر إلى غزة ، خلافاً لرغبة وموقف السلطة الفلسطينية، حتى قامت إسرائيل بوقف إدخال كل أنواع الوقود القطري وغير القطري إلى القطاع حتى تتوقف المسيرات على الحدود بشكل كامل. بل وتبع هذا الموقف الإسرائيلي، غير المفاجئ لمن يقرأ إسرائيل بصورة صحيحة، تهديد بشن حرب قاسية على غزة وعلى « حماس » تحديداً على لسان وزير الحرب أفيغدور ليبرمان، وعلى حد تعبير رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو باتت إسرائيل قريبة جداً من توجيه «ضربة قوية جداً ضد «حماس» ... وعليها أن تتوقف قبل أن تتلقى الضربة القاضية». وقد أمهل الكابينت الإسرائيلي «حماس» حتى نهاية الأسبوع لإيقاف التظاهرات والمسيرات ضد إسرائيل.


تقديرات الموقف الإسرائيلية لا تشير إلى اقتراب شن حرب عسكرية شاملة على غزة، لأسباب عديدة منها رغبة إسرائيل في إنجاح مسألة التهدئة التي تشمل وقف المسيرات وإطلاق النار والحفاظ على أمن إسرائيل بصورة مطلقة انطلاقاً من قطاع غزة، والشروع بمفاوضات على إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين مقابل رفع جزئي للحصار والسماح بتخفيف الأزمة الإنسانية في غزة، وأيضاً لعدم جاهزية جيش الاحتلال من حيث استكمال بناء الجدار تحت الأرضي على طول الحدود مع قطاع غزة والذي سيكتمل بناؤه في نهاية العام القادم. ولكن هذا لا يعني بتاتاً أن إسرائيل لن تشن هجمات ضد غزة أو ضربات مؤذية إذا قررت ذلك، وقد تتدحرج الأمور نحو حرب شاملة تميل إسرائيل لجعلها خاطفة ومدمرة.


الموقف الإسرائيلي يعيد إلى الأذهان للمرة الألف أنه لا يمكن البناء على أي اتفاق مع إسرائيل، والأخطر أن هذه الأخيرة تريد الشعب الفلسطيني كله خاضعاً مستسلماً لمصالحها ورغباتها. وإذا كانت المصلحة الإسرائيلية الراهنة هي في بقاء وديمومة الانقسام الفلسطيني وتغذيته بتكريس سلطة «حماس» في غزة عبر اتفاقات لا ترقى للحد الأدنى من المصالح الفلسطينية ولا حتى الشعارات التي تطرحها «حماس»، فهذا لا يعني أنها ترغب في تقوية «حماس»، بل على العكس هي معنية أكثر في تحطيم «حماس» معنوياً وشعبياً إلى درجة ألا تجازف الحركة في المستقبل بنقض الاتفاق مع إسرائيل حتى لو نقضته سلطات الاحتلال. وما تفعله مع السلطة في الضفة ستفعل أسوأ منه مع «حماس» كذلك.


ومن الغباء الاعتماد أو المراهنة على إسرائيل في إدارة شؤوننا الداخلية، فالاتفاق بين قطر وإسرائيل بدون شك هو على حساب المصلحة الوطنية ولا يمكن أن ينجم عنه خير للشعب الفلسطيني. وإذا اعتقدت «حماس» للحظة أن قطر ستحميها من عدوان إسرائيلي ستكون واهمة ولها في تجربة حرب عام 2014 خير دليل على الموقف القطري الذي أضحى أضعف بكثير من تلك السنة بسبب الحصار العربي ومشاكل قطر مع دول الخليج ومصر.


وهنا يتبادر للأذهان سؤال جوهري: ماذا تريد «حماس»؟ هل أن مربط الفرس بالنسبة لها هو ضمان بقائها السلطة الحاكمة في غزة أم أنها تريد فعلاً رفع الحصار عن غزة وتوحيد الوطن وتوحيد قياداته السياسية ومواقفه في مواجهة المؤامرة على القضية الفلسطينية؟ للأسف أقوال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» اسماعيل هنية أنهم لا يريدون السولار أو الدولار وإنما رفع الحصار، لا يحمل أي مضمون سياسي، ولا فرق بين السولار والدولار وبين رفع الحصار. لم يقل شيئاً عن المشروع الوطني حتى مسألة العودة المطروحة شكلاً في تسمية المسيرات في غزة لم يأت على ذكرها وكأنها غلاف تجميلي لحل ضائقة المواطنين في غزة لعدم انفجار الوضع بوجه «حماس».


لا بد أن الجميع يدركون أنه لا رفع شاملاً للحصار عن غزة طالما «حماس» بشكلها الحالي موجودة هناك. فإسرائيل تريد القضاء على فكرة «المقاومة» الموجودة في غزة وخاصة الاحتفاظ بالسلاح الذي يهدد العمق الإسرائيلي، وما ترغب برؤيته إسرائيل هو مقاول ثانوي لحفظ أمنها وبشروط لا تمنحه أي قدرة على الاستقلال أو الفكاك من سيطرتها. والمانحون لا يمكنهم استثمار أموال جدية تساعد في التنمية الحقيقية في غزة دون عودة السلطة إلى غزة، وهذا ما تأكد بصورة قاطعة في الاجتماع الأخير للمانحين بشأن غزة. والطريق الوحيد لرفع الحصار ورفع الظلم عن غزة هو بالوحدة الوطنية وعودة السلطة الموحدة للقطاع. وأي حديث عن رفض الصفقة الأميركية في ظل الانقسام هو كذب على الشعب، فالصفقة تمر من خلال دولة غزة التي تريدها إسرائيل ومن يساهم في تعزيز هذه الفكرة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة هو شريك في المخططات التدميرية والمؤامرات على القضية الوطنية الفلسطينية. 


قد لا تنجح جهود المصالحة، ولكن هناك مخارج أخرى قد تحل موضوع الانقسام مثل اللجوء مرة أخرى للشعب في انتخابات جديدة بشرط أن يلتزم الجميع بنتائجها مهما كانت ومن يفوز يحكم. ولكن قبل الذهاب إلى الانتخابات هناك حاجة للتوافق الوطني على أن تجرى في كافة المناطق الفلسطينية. وفي هذا السياق ربما تكون دعوة المجلس الثوري لحركة فتح بتنظيم انتخابات عامة خلال عام فكرة يمكن البناء عليها وطنياً لتعميقها والاتفاق على كافة التفاصيل. المهم أن نتخلص من الانقسام القاتل الذي يهدد مستقبلنا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد