2014/12/30
259-TRIAL-
لقد حفظنا الدرس عن غيب وبشكل تام، فما أن يكون هناك تقارب أو خيوط حوار أو اتصال بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس ، حتى تهدأ الأخيرة، وتتحدث عن الرئيس وعن السلطة بكل خير وبكل احترام، وما أن يحدث ما تفسره "حماس" على انه تجاهل أو تلكؤ من السلطة تجاهها، حتى تقلب ظهر المجن، وتبدأ جوقة الردح المعروفة بمصطلحاتها ولغتها، منطقها وحتى أفرادها، وذلك في سباق المزاد العلني بين الناطقين باسمها والمتطلعين لمواقع قيادية فيها، بالتعرض للسلطة وقيادتها بكل ما في قاموس الردح من مصطلحات يندى لها الجبين.
لا ندري من أقنع "حماس" بأن لغة التشهير تجدي في حقل السياسة، حتى لو كان من يمارسها يجلس منذ ألف سنة على مقاعد المعارضة، أو حتى تحت الأرض، ربما هي تناسب الانقلاب التام، ولكنها ـ نقصد لغة التشهير ـ لغة لا تناسب منطق الشراكة ولا بأي شكل كان، كما أن تكرار تناقض المواقف ودورانها مئة وثمانين درجة بين فترة وأخرى، يفقد صاحبها مصداقيته أمام الجمهور العام، حتى لو كان مناصروه ومحازبوه من ذوي فكر التسليم والتأييد دون مناقشة أو مراجعة تفكير.
يبدو أن "فتح" "أخذتها من قصيرها هالمرة"، وقررت إحياء ذكرى انطلاقتها الخمسين دون التنسيق مع "حماس"، وبالتالي دون مهرجان مركزي في غزة ، وهذا يعني ان ما فعلته "حماس" لقطع الطريق على إحياء الذكرى العاشرة لرحيل أبو عمار، بهدف ابتزاز السلطة لدفع مرتبات موظفيها المدنيين والأمنيين ما زالت "تحز" في نفوس الفتحاويين! كذلك فإن الإعلان عن إلغاء قيام لجنة المعابر، التي أعلن عنها قبل أيام، بتسلم مهامها في غزة، يعني بأن تقدم السلطة بخطوة للأمام، والتي أقدمت عليها قبل، أيام، ما كانت إلا من قبيل "الدق ع الحافر والدق ع المسمار" وان السلطة ما زالت تتعامل مع الوضع في غزة بروية، ودون تسرع، حتى لا تفشل كل ما ترى انه تحقق حتى الآن.
ربما لا نجيء بجديد، لو قلنا ان كل الخلاف بين السلطة وحركة فتح من جهة وحركة حماس، التي أعلن احد كبار قادتها، موسى أبو مرزوق، قبل ثلاثة أيام، عن أنها ـ أي "حماس" ـ قادرة على العودة لإدارة غزة ـ ما هو إلا صراع محموم ومفتوح على السلطة، ولا شيء آخر غير ذلك، وان هذا الصراع بدأ ثلاثيا وما زال كذلك، وان هذا الصراع هو الذي تسبب في حالة الانقسام، وما زال يحول دون وضع حد نهائي لها.
لكن ما كان يبدو كتكهنات أو تحليلات، في الماضي، قد ظهر بشكل جلي خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة، وإذا كانت حركة حماس قد آثرت منع إقامة مهرجان الذكرى العاشرة لرحيل أبي الفلسطينيين ياسر عرفات، فذلك لأنها كانت تدرك بأن الاحتفال سيعزز من حضور حركة فتح والسلطة في غزة بشكل كاسح، وهي تدرك بأن اسم أبو عمار بمثابة المفتاح السحري لحركة فتح، وقد تورطت "حماس" العام الماضي مطلع 2013 وسمحت بمهرجان "فتح"، الذي اظهر شعبية الحركة الكاسحة في غزة، كما أنها لا يمكن أن تنسى ان ذكرى أبو عمار وفي العام 2007 وبعد أشهر قليلة على الانقلاب الذي نفذته الحركة في غزة، خرج مئات الآلاف للاحتفاء بالذكرى، فكان أن ارتكبت بحقهم مجزرة راح ضحيتها العشرات من المواطنين.
سيسجل إذن، العام المنقضي 2014 تقدما حثيثا نحو ملف الوحدة الداخلية، لكنه أيضا سيسجل أن القصة تعود إلى مبتدأ الحكاية، وهو الصراع الميداني والفعلي على السلطة، وحيث إن "حماس" لا تأخذ على حركة فتح ولا على القيادة الفلسطينية أي مأخذ سياسي، بعد أن أغلق ملف المفاوضات وبعد أن خرجت الحركة من الضفة و القدس المحتلتين، وبعد كل العجز الذي قدمه نموذجها في حكم غزة، فإن الخلاف بات واضحا ومحصورا في رواتب موظفيها، وذلك للإبقاء على سيطرتها من خلالهم، وكأن الصورة باتت معكوسة لما كان عليه الحال العام 2006 حين شكلت "حماس" الحكومة العاشرة، ورفضت أن تكون مجرد صورة، فلا تحكم غزة فعليا بسبب سيطرة أجهزة الأمن التابعة لـ"فتح"، فقادت الحالة للاقتتال، فكيف لها أن تظن بأن "فتح" يمكن أن تقبل الآن ما سبق لـ"حماس" وان رفضته هي العام 2006.
بقي أن نشير إلى الضلع الثالث من معادلة الصراع على السلطة، دون تقديم برامج سياسية متباينة أو مختلفة وحيث كان يمكن الحديث عن صراع أطرافه: "فتح" و"حماس" وجماعة دحلان من جهة، واليسار والجهاد مثلا من جهة ثانية، نظرا لتباين المواقف والبرامج السياسية، ونقصد بذلك جماعة محمد دحلان ، والتي حاولت "حماس" قبل أسابيع استثمارها في صراعها مع "فتح" والسلطة. فغني عن القول إن ذلك شكل مفارقة غريبة كون ثنائية دحلان/ "حماس" هي التي تسببت في الاقتتال الداخلي ومن ثم في الانقسام أصلا.
هنا لابد من الإشارة إلى أمرين بخصوص هذه الحالة، وهما: أولا: أن الحالة الدحلانية حالة داخليه في "فتح"، بدأت منذ ما قبل الانقسام، بسبب الطموح الشخصي للرجل للسلطة، وهو قاد محاولة السيطرة على الحركة منذ أيام الراحل عرفات، حين كانت جماعته تشكل قوائم انتخابية في انتخابات "فتح" الداخلية، وكانت الحالة ذات تأثير حين كانت "فتح" عبارة عن دكاكين لأفراد قيادية، قبل مؤتمرها السادس، أما الآن فهي محصورة في غزة، وقد تآكلت كثيرا، وهي لم تهتم يوما بالكفاح ضد إسرائيل لا على جبهة الاحتلال في الضفة والقدس (لم نسمع أنها شكلت لا كتائب مقاومة ولا حتى جماعات مقاومة سلمية ـ ولا على جبهة كسر الحصار عن غزة)، لكن سعي "حماس" لاستثمارها، أظهر مفارقة تسم الحالتين معا، تؤكد استعدادهما في سبيل الوصول للسلطة للتحالف مع الشيطان!
لم ينف احدهما إشارة التحالف مع الآخر، حتى محمود الزهار الذي كان يشكل مع دحلان "وجهي الاتجاه المعاكس"، قبل سنوات أجج خلالها الرجلان حالة التوتر الداخلي وجرا حركتيهما للاقتتال، في غزة، صمت ولم ينبس ببنت شفة، كما أن دحلان وأحد من أعوانه لم يصرح بما يشير إلى رفضه التحالف مع "حماس" ضد أبو مازن. وهذا دليل يضاف إلى عدم تقديم برنامج اعتراضي على سياسة السلطة لكل منهما، على أن دافعهما الوحيد هو الوصول للسلطة ولا شيء غير ذلك!
بعد عشرة أعوام تقريبا من الصراع المحموم على السلطة بين أطراف المثلث المشار إليه، لابد من الإقرار بأن حركة فتح/ أبو مازن قد حسمته بنسبة كبيرة تصل إلى 90% تقريبا لصالحها، فهي تنفرد بالوجود والسيطرة الداخلية على الضفة والقدس، وتنفرد بزمام المبادرة السياسية وهي تقاتل إسرائيل على الجبهة السياسية/ الدبلوماسية، وبعد إعلان الشاطئ باتت طرفا لا احد ينازعه لا على التمثيل ولا على الحضور الخارجي، وبعد أن كانت "حماس" تنازع السلطة رأسا برأس، وتشترط الشراكة في "م.ت.ف" والسلطة المركزية، باتت تقاتل ـ من اجل الاحتفاظ فقط ـ بالسيطرة الأمنية الداخلية في قطاع غزة! أي أن الصراع على السلطة والسيطرة محصور الآن بين "فتح"/ أبو مازن و"حماس" على داخل غزة، وهنا حاولت "حماس" أن تساوم بورقة دحلان، وربما أيضا أنها كانت توجه رسالة لإسرائيل، مفادها انه يمكن لثنائية "حماس"/ دحلان أن تسيطر على غزة، وان تشكل عنوانا سياسيا/ أمنيا، ينسق مع إسرائيل ومن ثم يفاوضها على سقف اقل بكثير من سقف أبو مازن. المهم أن جماعة دحلان، باتت جماعة مجهرية، تشبه حالة أبو موسى في سورية أو أبو هلال في غزة، فسرعان ما اقتنعت "حماس" نفسها بعدم جدوى المحاولة. نقطة ضعف حركة فتح مع ذلك تتمثل في تقدم أبو مازن في العمر، وبالتالي عدم قدرتها على التقدم لانتخابات يكون فيها مقعد رئيس السلطة مضمونا، كما هو حال الأغلبية التشريعية، لذا فإن مؤتمر الحركة السابع يبدو على قدر كبير من الأهمية، لجهة اختيار نائب لأبو مازن، لضمان أن تستمر الحركة في موقعها كقائد للشعب الفلسطيني لسنوات قادمة.
والى حين ذلك، هناك فسحة من الوقت ما زالت لازمة، لاستمرار الصراع داخل غزة، حتى تقتنع "حماس" بالدرجة الأولى، ومن ثم ذوو الطموحات الرئاسية داخل "فتح"، بأن أبواب تحقيق المكانة والموقع إنما هي الأبواب الشرعية والمشروعة، أي من خلال المؤسسات التنظيمية والانتخابات الداخلية لحركة فتح ومن خلال الالتزام بالميثاق الداخلي، كذلك عبر الانتخابات العامة الفلسطينية، وبالالتزام بشرائع وقوانين واتفاقيات السلطة، وان الطرق والوسائل والأشكال الانقلابية لا مكان لها بين الفلسطينيين!.
Rajab22@hotmail.com 273
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية