173-TRIAL- غداً تحلّ الذكرى الخمسون لانطلاقة حركة فتح، ومن المفترض أن يُعقد مؤتمرها السابع في منتصف الشهر القادم.
هذا المؤتمر يمكن أن يكون مفترق طرق، بحيث تنهض "فتح" مجدداً أو تستمر في هبوطها الذي بدأ منذ توقيع "اتفاق أوسلو"، مروراً بفشل برنامج إقامة الدولة عن طريق المفاوضات، وباغتيال ياسر عرفات، الزعيم التاريخي الذي قاد المسيرة الفلسطينية رغم العواصف العاتية، ومن ثمّ بفوز " حماس " في الانتخابات البلديّة والتشريعيّة، وانتهاء بالانقلاب/ الحسم العسكري الذي أدى إلى سيطرة "حماس" بصورة انفراديّة على السلطة في قطاع غزة .
قادت "فتح" بزعامة ياسر عرفات الثورة الفلسطينيّة ومنظّمة التحرير، لأنها أدركت أهميّة إحياء الهويّة الوطنيّة الفلسطينيّة، ومركزيّة وأولويّة الدور الخاص بالشعب الفلسطيني في إنجاز قضيّته الوطنيّة، وأهميّة الكفاح المسلّح. وهنا يجدر القول إن "فتح" كانت الفصيل الذي استخدم الرصاص في سياق إحياء الدور الخاص الفلسطيني، لذا استطاعت استقطاب الأغلبيّة الفلسطينيّة من مختلف التيارات، لأنها حركة شعب، وجمهورها أكبر بكثير من أعضاء تنظيمها.
كما قادت "فتح" لعشرات السنين معارك الشعب الفلسطيني على مختلف المستويات والأصعدة، وكانت صاحبة قرار "السلم والحرب"، فهي قادت الفلسطينيين من دون منافس حقيقي يوازيها بالقوة والجماهيريّة بالرغم من الدور المهم الذي لعبته الفصائل الأخرى، خاصة اليسارية، إلى حين صعود "حماس"، خصوصاً بعد غياب ياسر عرفات، إذ بات هناك منافسٌ كبيرٌ ل فتح أخذ ينازعها على القيادة، وفي بعض الأحيان تمكّن من التحكم بقرار الحرب، كما حصل أثناء وبعد العدوان العسكري الإسرائيلي في أواخر وبداية العامين 2008 و2009، وفي تشرين الثاني 2012، وفي تموز 2014. صحيح أن وفداً مشتركاً هو الذي فاوض بشكل رسمي، ولكن قرار وقف إطلاق النار كان بيد "حماس" أولاً وثانياً وثالثاً، وبيد الجهاد الإسلامي رابعاً، وبيد "فتح" وبقيّة الفصائل والرئيس أخيراً.
يتوقف مصير "فتح" على نتائج المؤتمر السابع، فإمّا أن تواصل سقوطها أو تبدأ بالنهوض مجدداً. صحيح أن كل إمبراطوريّة وحركة كبيرة على مدار التاريخ تمر في عدة مراحل، من الطفولة إلى الشباب والحيويّة والعنفوان، وتنتهي إلى الشيخوخة والانهيار، ولكن هذه المسيرة ليست قدراً لا رادّ له، ولا تسير دائماً في طريق واحد، بل يمكن أن تمتد مرحلة الشباب طويلاً، أو تنتهي بسرعة، ويمكن لحركة أن تشيخ ثمّ تجدد نفسها وتعود للشباب من جديد.
لا يتوقف مستقبل "فتح" - كما هو شائع حالياً - على مصير الصراع بين الأجنحة المختلفة، وخصوصاً جناحي الرئيس ودحلان، إذ يبدو جليًّا من مؤشرات عديدة أن الهدف الرئيسي للمؤتمر هو استكمال الإجهاز التام على جماعة دحلان وفرض سيطرة الرئيس المطلقة على "فتح".
وإنما يتوقف مستقبلها على رغبتها وقدرتها على تجديد وتغيير وإصلاح نفسها من فوق لتحت، حيث البرامج والخطط وأدوات العمل، خصوصاً قدرتها على إعادة الاعتبار للبرنامج والحقوق الوطنيّة الجامعة للشعب الفلسطيني، ولأشكال النضال والعمل السياسي القادر على تطبيق الحقوق، وما يتطلبه ذلك من مراجعة التجارب السابقة، على الأقل منذ انطلاقة الثورة الفلسطينيّة المعاصرة وحتى الآن، من أجل تجاوز الأخطاء والخطايا والثغرات وتعميق الإنجازات والبناء عليها، واستخلاص الدروس والعبر، التي أهمّها استحالة دحر الاحتلال وإقامة دولة فلسطينيّة والتوصل إلى تسوية تحقق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينيّة، أو أي حق منها عن طريق استمرار التمسك باتفاق أوسلو، والمراهنة على أسلوب المفاوضات الثنائيّة برعاية أميركيّة، وعلى العمل السياسي والديبلوماسي فقط، وتقديم شهادات حسن السيرة والسلوك وإثبات "الجدارة"، وبناء المؤسسات تحت الاحتلال، والتمسك بالالتزامات الفلسطينيّة السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة بالرغم من تجاوز الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة للالتزامات الإسرائيليّة، والمضي قدماً وبشكل محموم في تطبيق المخططات الاستعماريّة والاستيطانيّة والاحتلاليّة والعنصريّة الرامية إلى استكمال فرض أمر واقع؛ يجعل الحل الإسرائيلي بأشكاله المختلفة هو الحل الوحيد المطروح والممكن عملياً.
من دون مغادرة هذا المسار بشكل جذري وإستراتيجي وليس كرد فعل ومن قبيل التكتيك، وفتح أفق سياسي يفتح طريق المستقبل أمام الشعب الفلسطيني في داخل الوطن المحتل وخارجه؛ ستسير "فتح" بصورة متسارعة ومعها الأُطر والمؤسسات التي تقودها والفصائل المتحالفة معها أو تسير في فلكها إلى الهاوية.
المتتبع للتحضير لمؤتمر "فتح" لا يجد أن الخلاف والتنافس يتمحور على: ماذا يحتاج الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنيّة، وكيف يمكن وما هو دور "فتح" في تحقيق ذلك، وما هي الإستراتيجيات الضروري اعتمادها، وما هي أشكال العمل والنضال المناسبة لتحقيقها؟ بدلاً من ذلك يسيطر على التحضير للمؤتمر السابع الانقسام السياسي والجغرافي، خصوصاً بين "فتح" و"حماس"، والصراع بين  الأجنحة المختلفة والتنافس على عضويّة المؤتمر والحصص والمكاسب، ما يحول إذا استمر دون قدرة "فتح" على قيادة الشعب الفلسطيني، ويمنع تحويل التحديات والمخاطر التي تهدد "فتح" والقضيّة الفلسطينيّة برمتها إلى فرص ومكاسب.
ولا يجب أن يَغرّ "فتح" الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية والدعم العربي والدولي بالسلطة والمنظمة التي تقودهما، لأن هذا الاعتراف يتناقض جذرياً مع ما يجري على الأرض من نسف أي إمكانية لقيام هذه الدولة، وأنه في ظل الضعف والانقسام الفلسطيني له ثمن باهظ، بدليل واقع السلطة والنموذج الذي قدمته والقيود المجحفة التي تكبلها، ولأن دور "فتح" في هذه القيادة يتراجع، إذ لم تعد "فتح" هي التي تقود فعلًا، بل هناك نظام فردي يَكبُر دوره باستمرار، مع أنّها تتحمل المسؤوليّة عن هذه القيادة، بينما المنظمة تتقزّم، والسلطة يتضخم دورها بالرغم من أنها سلطة بلا سلطة، وأصبحت غاية بحد ذاتها تخدم الاحتلال أكثر ما هي وسيلة لإنهائه.
كما يجب ألا تنام "فتح" على وسادة الأزمة العميقة التي تمر بها منافستها "حماس" بعد خروجها من سورية، وتراجع علاقتها بإيران، وسقوط جماعة الإخوان المسلمين وتدهور علاقتها بمصر، بحيث تتصور أن سقوط سلطة "حماس" مسألة وقت لن يطول، وأن عودة السلطة التي تقودها "فتح" إلى قطاع غزة قاب قوسين أو أدنى.
إذا سقطت سلطة "حماس" تحت وطأة أزمتها، مع أن هذا ليس السيناريو الوحيد، لأن أسباب وجود "حماس" واستمرارها عديدة، ومن دون إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني والمؤسسة الجامعة والشراكة الحقيقية؛ لن يحل محلها – بالضرورة وبشكل مرجح – "فتح" وسلطتها، وإنما يمكن أن تعمّ الفوضى وتنتشر الأجنحة والقوى الأكثر تطرفاً، لأن ما جسّدته سلطة "فتح" وفشل برنامجها لا يعتبر خياراً مقبولاً ولا جاذباً، بل قاد إلى تعميق الاحتلال وتوسيع الاستيطان والحصار والانقسام، وتهميش القضيّة الفلسطينيّة من خلال أن أقصى ما يمكن أن يسمح به الأفق السياسي الراهن قيام "دويلة على جزء من الأراضي المحتلة العام 1967، من دون بقيّة فلسطين، وعلى حساب حق العودة وتقرير المصير لمجموع الشعب الفلسطيني، ويمكن أن يقود استمرار الخيار المعتمد منذ أكثر من عشرين عامًا إلى الانهيار التام والكارثة المحدقة.
لا أنسى أن "فتح" تحاول أن تراجع نفسها وتلّوح منذ فترة بخيارات أخرى بدلاً من خيار المفاوضات الثنائيّة، ولكن هذه المراجعة وهذا التلويح لم يصلا إلى مغادرة الرهان على هذا الخيار، وإنما يهدفان إلى الضغط من أجل إحياء ما يُسمى زوراً وبهتاناً "عمليّة السلام". 
Hanimasri267@hotmail.com 29

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد