تسير غزة بخطوات واثقة على طريق إبرام التهدئة، ولكن وفقاً للرغبة الإسرائيلية، وللحاجة الفلسطينية، من خلال تحسين أوضاع السكان دون إبرامها خطياً وبشروط مرجعية، فقد تم الالتفاف على معارضة السلطة الفلسطينية لتلك التفاهمات والمحاولات التي قادها مؤخراً المبعوث الأممي نيكولاي ميلادينوف، وبدأت الأمم المتحدة وإسرائيل بتنفيذ تلك التهدئة بشكل أحادي الجانب من خلال إدخال الوقود القطري والمعونات والأموال إلى القطاع، وربما تأتي هذه الخطوة والتي سبق تجريبها على الحالة الفلسطينية من خلال تنفيذ بنود صفقة القرن بشكل أحادي الجانب من قبل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، دون الاهتمام بما تفكر به السلطة الفلسطينية.
إزالة العقبات أمام تنفيذ الصفقات الجديدة في الأراضي الفلسطينية لا تحتاج الكثير من التفكير بقدر ما تحتاج إلى طرف لدية الرغبة فى ذلك، فبعد عام على اتفاق المصالحة الهش تعثرت مسيرة الرعاية المصرية لملف المصالحة ولم تستطع إحداث اختراق حقيقي في هذا الملف المعقد، نتيجة للظروف الفلسطينية والإقليمية وتداعيات المواقف الدولية تجاه القضية الفلسطينية، لذا تسعى مصر لتحقيق النجاح مجدداً، من خلال استيعاب معاناه قطاع غزة وتقديم التسهيلات ودعم التوجهات الجديدة لإنقاذ حياة السكان، فهي تُمسك بعصا ملف المصالحة من المنتصف ولا تكيل بمكيالين، وتتعامل مع جميع الأطراف النقضاء والفرقاء على مسافة واحدة من أجل إنجاح مساعي المصالحة.
دخول الوقود والأموال القطرية للقطاع رغماً عن السلطة الفلسطينية يُغير قواعد اللعب في مستقبل التحديات التي تواجه حركة حماس ، ويخرجها من دائرة الأزمة إلى دائرة التفكير من جديد في مستقبل المصالحة.
هذا وذلك يُدخلنا مجدداً في مرحلة المقايضة على مستقبل غزة بالتحديد لأن السلطة الفلسطينية لا ترى نفسها بدون غزة وهي تعلم أن غزة بمثابة الامتداد السياسي والجغرافي للدولة الفلسطينية وهي عُمق التفكير العربي وأنها القادرة على إعادة توجيه البوصلة نحو المشروع الوطني الفلسطيني، وحماس تُدرك ذلك جيداً من خلال محاولاتها المتكررة بعدم مغادرة المشهد السياسي في القطاع على وجه الخصوص لأنه يمثل لها المعقل الأول والأخير وهي تنحصر بمكتبها السياسي ورئاسته داخل القطاع، وتعلم أيضا أن تواجدها في الضفة الغربية ينحصر ويتقوض بفعل الاحتلال والسلطة وأنه لا مفر من الحفاظ على وجودها داخل القطاع.
أبجدية التفكير في غزة الان تعتمد على أسلوب استثمار الفرص وتطبيق نظرية النُدرة والاختيار، ذلك الأسلوب يعتمد على التضحية من أجل ضمان استمرار الحياة فُيمكن التضحية بخيارات المصالحة مرحلياً، على أن تبقى هدفاً استراتيجياً خلال الفترات القادمة، فالمصالحة لا تشغل بال حركة حماس على المدى القريب، والأهم لها الآن هو التفكير في إعادة قطاع غزة للوثوق مجدداً بقدرات حركة حماس على إيجاد طريقة لإخراج القطاع من مستنقع الفقر وعدم جره إلى حرب جديدة مع الاحتلال الإسرائيلي، حتى لا تجد حماس نفسها تدفع ثمناً كبيراً على صعيد مستقبلها السياسي في القطاع وتتمكن من خلاله السلطة الفلسطينية من لي ذراع حماس وتجعلها تحت وطأه القبول بشروطها لضمان عودة السلطة لحكم القطاع.
نجحت حركة حماس من الإفلات من كماشة المصالحة المشروطة وأنجزت رؤية جديدة للتعامل مع القطاع من خلال تعظيم قوة مسيرات العودة، وأصابت الهدف بدقة لإخراج نفسها من حالة العُزلة من خلال استثمار العلاقات المضطربة بين السلطة الفلسطينية وميلادينوف، ومن خلال قوتها على إعادة الهدوء على الشريط الحدودي من أجل تسهيل استحقاق الانتخابات الإسرائيلية القادمة.
في المقابل ينحصر تفكير السلطة الفلسطينية على كيفية تفعيل ملف المصالحة لأنة يمثل المدخل الوحيد لها لاستعادة قطاع غزة من سيطرة حماس، وهي تعلم أن مزيداً من العقوبات المالية ليس حلاً بل يقوض من مكانتها وشعبيتها داخل القطاع، وأن ذلك يتطلب منها مزيدا من المرونة في شروط التمكين وقبول التفاوض مع حماس من جديد على قاعدة الشراكة الوطنية والسياسية من أجل المحاولة لاستعادة ثقة الشعب بالقيادة الفلسطينية التي فقدها خلال السنوات الماضية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية