تطرح تقارير إسرائيلية بشكل منتظم مسألة غياب الرئيس الفلسطيني محمود عباس (83 عاما)، ومن سيرثه في الحكم أو “سلطة بدون سلطة” على حد وصفه شخصيا. ورغم تعدد النبوءات حول خلافة “أبو مازن”، إلا أن التحليلات تغرق في الجانب الشخصي وتتغافل عن حاجة الفلسطينيين الى مرحلة جديدة، وليس لشخص جديد بعد 25 عام من مفاوضات لم تحقق الدولة الفلسطينية، التي يعترف بها 139 دولة ما عدا إسرائيل وأمريكا وبعض الدول الصغيرة.
سيرحل يوما ما الرئيس الفلسطيني، لكن لن يكون هناك زعيم فلسطيني لديه قدرة على الذهاب نحو السلام كما فعل الرجل الذي انتخب عام 2005 في زمن الانتفاضة المسلحة والعمليات التفجيرية، ببرنامج يرفض العمل المسلح، ويعتبر إطلاق الصواريخ “عملا عبثيا”، ويدعو الى انتفاضة شعبية سلمية تنزع قدرة إسرائيل على استخدم بطش التكنولوجيا العسكرية المدمرة. انتفاضة تجلب التضامن الدولي في محاكاة لانتفاضة الحجارة في 1987، التي جعلت القضية الفلسطينية قضية وطن وشعب له مكان حضاري تحت الشمس.
طبعا، الواقع العربي والدولي الآن ليس نفسه كما كان قبل 30 عاما، فلكل عاصمة عربية همومها وأزماتها، إضافة إلى تراجع التضامن العربي-العربي إلى أقل من الحد الادنى بين شعوب متجاورة لها نفس اللغة ونفس الآمال والألم. كما لم يعد الفلسطينيون أنفسهم موحدين خلف هدف الاستقلال، بل حولهم الصراع على سلطة وهمية الى أعداء بأسهم بينهم شديد.
الرئيس الفلسطيني هو مهندس اتفاق أوسلو الذي ترفضه غالبية القوى الفلسطينية، لكنهم غير قادرين على جلب اتفاق أفضل منه، رغم أن مناصريه يفتخرون أنه حقق كيانية فلسطينية كانت مرفوضة، واستطاع أن يعيد 600 ألف لاجئ، ونقل قيادة منظمة التحرير وقوات الثورة من المنافي إلى أرض فلسطينية.
في خطابات الرئيس الفلسطيني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عرض الرواية الفلسطينية أمام رواية الاحتلال وقدم الحقيقة حول جرائم دولة احتلال عنصرية، واقتنع العالم بذلك… لكن المجتمع الدولي فشل في تطبيق مئات القرارات لرفع الغبن، مما أوصل الرجل المسالم الى حالة الشكوى وسؤال أين نذهب بعد كل القرارات المعطلة، وذلك بعد ما ضاقت الأرض المحتلة بالسلام، واختار رئيس امريكا تبني الرواية الاسرائيلية بالكامل، فلا قدس ولا عودة ولا دولة… فقط مساعدات إنسانية بشروط أمنية شديدة الصرامة.
رئيس حائر وخيارات صعبة وشعب بلغ مرحلة اليأس، وإسرائيل تلوح بالقذائف وحمم الطائرات مقابل أي رصاصة، وتستخدم الرصاص في مواجهة العزل كما يحدث حاليا على حدود غزة ، حيث استشهد منذ أول أبريل 193 شهيدا، بينهم 34 طفلا و3 سيدات. هناك أيضا ما يزيد عن 21 ألف جريح، بينهم 5 آلاف طفل مصاب ومئات الحالات الحرجة، مما يجعل خيار المقاومة المسلحة يترنح؛ وبالتوازي، تهاوي مع خيار السلام.
الرئيس الفلسطيني قال في خطاب ماضٍ أمام الأمم المتحدة: ذهبنا للجميع من أجل السلام ولم يبق أمامنا إلا سدرة المنتهى. نشكو ظلم إسرائيل وعجز العالم. لكن الخطاب الأخير خلال شهر سبتمبر المنصرم، بمقدار ما أكد رفض الوساطة الأمريكية والاستسلام للرؤية الاسرائيلية، لكنه لوح بخيارات سلمية تعتمد على تفعيل كل جبهات الحرب الدبلوماسية لكسب مساحات اعتراف دولي جديدة في ظل إشارات واضحة من برلمانات أوروبية والتطور الإيجابي في الموقف البريطاني وصعود الحضور الروسي الصيني لإحداث توازن دولي، يكبح جرأة الرئيس الامريكي على الجميع؛ فضلا عن حمل ملفات ثقيلة لإدانة وتجريم الاحتلال وممارساته أمام القضاء الدولي خاصة محكمة الجنايات الدولية في ظل انزياح المجتمع الاسرائيلي نحو أحزاب اليمين التي استقرت في الحكم.
الفلسطينيون يرددون أنهم 13 مليون إنسان وأنهم ليسوا شعبا زائدا. لديهم علم وسفارات وفريق رياضي، كما يدرك الفلسطينيون أن دولة إسرائيل قامت بمنطق الضحية مع رواية الهولوكوست، وعلى نفس الخطى يسير الفلسطينيون، يَشْكون هولوكوست إسرائيليا يستهدف الانسان والأرض، بعدما أصبح الضحيةُ جلادا؛ حتى صوتت 139 دولة لصالح الاعتراف بدولة فلسطين، وبقي نتنياهو وترامب و8 دول تحت ضغط حسبة المصالح.
بمنطق قرآني، يستند الفلسطينيون على أن معادلة الإساءة لوجه إسرائيل كقوة احتلال، هي رصيد إضافي لصالح فلسطين حتى تنتصر العدالة ويُكسر سيف الظلم، لتقرع أجراس القدس نغمات التعايش، وليعلو آذان السلام وصهيل الحرية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية