لا يماري اقتصادي واحد أن الدورة الاقتصادية في قطاع غزة تكاد أن تتوقف، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تنحدر بسرعة الصاروخ نحو الانهيار. وبحسب البنك الدولي، فإن الاقتصاد المتدهور منذ أكثر من عشرة سنوات، دخل في انهيار شديد في الأشهر الأخيرة، إذ بلغ معدل النمو سالب 6% في الربع الأول لعام 2018، والمؤشرات تنبئ بمزيد من التدهور خلال الفترة المقبلة، خاصة أن هناك تلميحات رسمية بحزمة جديدة من إجراءات السلطة الفلسطينية قادمة في الطريق لاستعادة غزة.

تعيش غزة على وقع أزمات متصاعدة، كان آخرها وقف المنح والمساعدات الأمريكية الموجهة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين(أونروا)، واشتداد البطالة، وتدهور الخدمات العامة مثل الرعاية الصحية والكهرباء والمياه والصرف الصحي، وتدهور فادح متصاعد في مستويات المعيشة، وأنين اجتماعي مسموع في كل شبر من غزة، بعد أن انضمت جحافل من الطبقة المتوسطة للطبقة الفقيرة، وانزلقت الطبقة المتوسطة إلى طبقة المعدمين، وهو مؤشر سلبي له مردودات خطيرة وآثار مدمرة على المستويات كافة.

ومع عوامل الحرب واحتمالات اندلاع جولة رابعة في ظل الأوضاع المتوترة والعزلة وفشل جهود المصالحة وتوقف مفاوضات التهدئة، التي جميعها من المتوقع أن تفاقم المحن الإنسانية أكثر، وتزيد من مشاعر الإحباط وخيبة الأمل، تبدو سيناريوهات سياسية واقتصادية واجتماعية خطرة على سلامة المجتمع وتماسكه، قائمة وبشدة، في حال استمرار الصراعات السياسية الحالية.

من التوقعات شبه المؤكدة، أن الأيام المقبلة قاسية وتداعياتها تنذر بسيناريوهات من الفوضى والاضطرابات السياسية والاجتماعية، فالسكان لن يستطيعوا تلبية الاحتياجات الأساسية والضرورية من الغذاء والدواء، وقد يتحولون إلى قنابل موقوتة، وهو سيناريو مرعب، يطل من نافذة التطورات، كالوحش المجهول، ويجب أن يخشاه الجميع من اليمين إلى اليسار، لأنه سيكون من المستحيل السيطرة عليه أو التحكم به.

إن حدث هذه الانفجار الشعبي، وهو ما لا يتمناه أحد، لن تنفع محاولات فرض الاستقرار بواسطة القوة والقمع، ولن يفيد إنكار الواقع، ولا طلب المزيد من التضحيات والصمود والصبر، وإذا كانت الناس صبرت في السابق في انتظار انفراجة حقيقة، فإن هذا الصبر يوشك على النفاذ في ظل عدم وجود شيء حقيقي يمكن تقديمه لهم. يظن البعض أن إحداث الفراغ السياسي والأمني خطوة باتجاه خروج القطاع من مشاكله، بعد فشل محاولات التعايش والتأقلم وترحيل وتحويل الأزمات لسنوات طويلة، لكنه في واقع الأمر وصفة ناجعة للفوضى العارمة وتأزيم الوضع الإنساني أكثر.

إن محاولة فرض الاستقرار بالقوة، رغم توافر العوامل السياسية والاجتماعية المحفزة، مرتبط بعاملين: قوة أو رخاوة الأمن، وقدرة الفقراء والجوعى على تنظيم أنفسهم. السؤال هنا: إذا نجح فرض الاستقرار بالقوة، في ظل هذه الظروف، وهو أمر ممكن، لكن إلى متى يمكن أن يستمر؟ هل يمكن أن يصبر الناس على الجوع؟ هل يمكن أن تطلب ممن لم يجد قوت يومه أن يصبر؟!

من المؤكد أن غزة لا تسير في الاتجاه الصحيح، وهناك مخاوف حقيقية من انفجار شعبي كبير، أو كما يسمونه "ثورة جياع"، نتيجة للأوضاع السياسية والاقتصادية، وهي لا تزال حتى الآن مجرد سيناريو أسود يهدد مستقبلنا، من بين عدة سيناريوهات أقل وطأة، ولكنه سيكون الأقرب للحدوث، طالما استمرت المصالحة الوطنية، على ما هي عليه، وطالما استمرت المراهنة على مفاوضات تهدئة، لا يمكن التحكم بنتائجها النهائية، فإسرائيل الآن في وضع مثالي، ومن مصلحتها في هذا التوقيت أن تطيل أمد مفاوضات التهدئة لأطول فترة ممكنة، وغزة إن أرادت الحياة عليها التنازل!

أما التلويح والتعويل على حرب تحريكية مع إسرائيل، فهو إعادة لتجريب المجرب، ولن يكون الحصاد، سوى حرب مدمرة، ستقضي على ما تبقى من حياة في غزة.

في أي مدى منظور لا توجد فرص كبيرة لتجاوز هذا السيناريو المرعب وتفادي تبعاته الخطرة، إلا مصالحة وطنية شاملة تحصن غزة في وقت خطر.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد