بعد أن أُسقطت الطائرة الروسية والتي كان على متنها 15 جندياً وضابطاً روسياً قبالة سواحل اللاذقية بسبب الغارة الجوية الإسرائيلية، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا ستتخذ إجراءات لحماية جنودها وستكون ظاهرة للجميع. وعلى ما يبدو لم تتوقع إسرائيل رداً روسياً حاسماً وقاطعاً لا يحمل فقط إجراءات لحماية الجنود الروس بل وفيه عقوبة قاسية لإسرائيل وتغيير جوهري لقواعد اللعبة في سورية. بل إن هناك من شكك في جدية الموقف الروسي، وراهن على العلاقة المميزة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس بوتين. 


وجاء الرد الروسي كالصاعقة على إسرائيل، فأولاً حملت روسيا إسرائيل المسؤولية الكاملة عن إسقاط الطائرة ومقتل جميع ركابها. وحددت في هذا الشأن ثلاثة أمور تعتبر خرقاً للتفاهمات والتنسيق بين إسرائيل وروسيا وهي الكذب في المعلومات حول الأهداف المقصودة بالقصف، والإبلاغ قبل دقيقة واحدة من القصف بحيث لم يكن من الممكن سحب الطائرة الروسية من الجو، والمناورة التي قامت بها الطائرات الإسرائيلية وتحول الطائرة الروسية إلى هدف مفضل للصواريخ السورية المضادة للطيران.


وثانياً، أعلنت روسيا عبر وزير دفاعها سيرغي شويغو عن تسليم سورية منظومة صواريخ "إس300" المتطورة والتي تستطيع التعامل مع كل الأهداف الطائرة في مسافة 250 كيلومتراً، ومنظومة إلكترونية وآلية لتحديد الأهداف والتعرف على هوية الطائرات الروسية وغير الروسية. وأيضاً استخدام أنظمة التشويش الكهرومغناطيسي والحرب الإلكترونية قبالة السواحل السورية، ما يعني إفشال وشل الغارات المعادية في هذه المنطقة.


وفي هذا السياق، ذكر وزير الدفاع الروسي أن صفقة تزويد سورية بمنظومات "إس 300" وقعت في العام 2013 وأن التسليم تأجل استجابة لطلب إسرائيل، ولكن الموقف تغير لأن الظروف تغيرت. أي بسبب إسرائيل. ولسان حاله يقول: سنرد على العدوان الإسرائيلي المتكرر والاستخفاف بروسيا وبدورها وقوتها في المنطقة. 


هناك ذهول وصدمة في إسرائيل من هول الصفعة الروسية، وعلى ما يبدو لم تتعلم إسرائيل من تجربة إسقاط تركيا لطائرة السوخوي الروسية. وبالرغم من التصريحات التي أطلقها نتنياهو والتي تركز على استمرار العمل ضد الأهداف الإيرانية في سورية، واستمرار التنسيق مع روسيا وأنه اتفق مع بوتين على اجتماع يعقد بين الجيشين الإسرائيلي والروسي، فالواضح أن ما بعد سقوط الطائرة الروسي ليس كما قبله.


الخشية الإسرائيلية هي من تقليص أو إنهاء حرية العمل للجيش الإسرائيلي ضد أهداف في سورية. فأي تغيير حتى لو كان تقليصاً سيمنح إيران مناطق آمنة للعمل على تخزين السلاح المتطور في سورية وربما إنتاجه في مرحلة لاحقة، والتمركز والانتشار في المناطق الآمنة. وهذه الخشية لها ما يبررها فحرية التحليق والقصف التي كانت لإسرائيل كانت تتيح لها أن تقصف أي أهداف تشعر أنها تشكل خطراً عليها وخاصة الأهداف الإيرانية. ومع ذلك كانت هناك خطوط حمراء لم تلتزم بها إسرائيل وهي عدم المساس بالقوات الروسية أو تعريضها للخطر، وأيضاً عدم التعرض للجيش السوري.


لم تدرك إسرائيل أن التساهل معها كان مرده لتمكين الجيش السوري وحلفائه من القضاء على المجموعات الإرهابية، ولتفادي التدخل الإسرائيلي أو تقليله في الشأن السوري علماً بأن إسرائيل كانت تزود بعض مجموعات المعارضة بما في ذلك فصائل من جبهة النصرة بالسلاح والمال، وبالتالي مع انتصار الجيش السوري وتنظيف المناطق الجنوبية المحاذية للمناطق السورية المحتلة للحدود الإسرائيلية، لم تعد هناك حاجة للتساهل مع إسرائيل أو مداراتها في عدوانها على سورية خاصة وأنها في غارتها الأخيرة استهدفت القوات السورية.


روسيا لا تريد التصعيد مع إسرائيل أو استهدافها ولكنها لن تسمح لها بتخريب الانتصار الذي حققته سورية بدعم من روسيا وإيران و"حزب الله"، وبالذات بعد أن انتهت المعارك تقريباً في معظم المناطق السورية باستثناء الشمال، وبعد الاتفاق مع تركيا على حل مشكلة منطقة إدلب وإخراج السلاح الثقيل منها وطرد الإرهابيين وحل تشكيلاتهم فيها، وعودة مؤسسات الدولة السورية بشكل تدريجي للمنطقة في إطار الحفاظ على وحدة الأراضي السورية. وسيكون من الصعب على إسرائيل تجاهل تزود الجيش السوري بصواريخ "إس 300" وبمنظومات إلكترونية متطورة لمتابعة وتحديد الأهداف الجوية والتمتع بخدمة أنظمة التشويش الإلكتروني البالغة الدقة والتطور التي تشل قدرة الطيران الإسرائيلي على القصف الحر في سورية.


ولو ارتكبت إسرائيل حماقة في استهداف المنظومات الجديدة التي سيشرف عليها الروس وسيؤمنون لها الحماية فهذا يعني مواجهة مباشرة مع روسيا. وعندها لن ينفع الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل والذي يرى في تزويد الجيش السوري بالأنظمة الجديدة تصعيداً روسياً خطيراً. ولن تخوض الولايات المتحدة حرباً كونية بسبب إسرائيل، وربما تحاول إسرائيل التقليل بأي درجة من سوء الوضع والحفاظ على أي مساحة ممكنة للعمل بدلاً من المواجهة مع روسيا ولكن هذا لا يشبه بأي حال ما كان لدى إسرائيل قبل السابع عشر من أيلول الحالي، اليوم الذي سقطت فيه الطائرة الروسية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد