يبدو أن جهود المصالحة الوطنية، تلفظ أنفاسها في هذه الأيام، وبعد عام على آخر محاولة مصرية جرت في تشرين الاول العام الماضي، وبدا في ذلك الحين، أن ثمة إمكانية واقعية وحقيقية لإنهاء الانقسام.


الآلية المتبعة في إدارة الحوار، غير مفيدة أبداً في دفع المصالحة قدماً، فالطرف المصري، يجري لقاءات منفصلة بين حركتي حماس و فتح مكتفياً بنقل الرسائل، والمواقف والملاحظات، ما يعني أن الحوار غير موجود أصلاً.


غريب أن يكون كل طرف مستعدا لإجراء حوار مباشر مع أي طرف دولي أو إقليمي أو عربي، لكنه غير مستعد لإجراء حوار مباشر مع الطرف الآخر، في هذا الإطار لم تعد مقنعة كل التصريحات التي تصدر عن مسؤولين فلسطينيين بشأن التحذير مما تواجهه القضية الفلسطينية من مخاطر، ولم تعد مقنعة التصريحات التي تتحدث عن الالتزام بتنفيذ اتفاق القاهرة 2011، أو الحرص على إنهاء الانقسام، الأمر الذي يعمق أزمة الثقة بين الطرفين، وبينهما وبين المجتمع الفلسطيني.


وبدلاً من ذلك يتبادل الطرفان فتح وحماس الاتهامات، وبلغة هابطة، لا تنتمي إلى لغة وقيم الحوار الحضاري بين أبناء الشعب الواحد، وكلّ يُحمِّل الآخر المسؤولية عن تعطيل المصالحة.


إذا كان مثل هذا الخطاب الإعلامي السياسي، الهابط يستهدف استقطاب التأييد الشعبي، فإن الكل في مشكلة، لكن المشكلة الأبرز هي أن أطراف الانقسام، لا تبدي الحد الأدنى من المسؤولية تجاه الرأي العام الفلسطيني أو ما تواجهه القضية الفلسطينية من مخاطر حقيقية.


من المؤسف أن السياسة لا تهتم بحجم الوقود الذي يؤمّن استمرار اشتعال النيران، فلقد أدّت الحروب الكونية إلى هلاك عشرات ملايين البشر من الفقراء، الذين يدفعون من دمائهم وعرقهم أثمان أسلحة الدمار التي يحضرها السياسيون من أجل مصالحهم حتى لو تطلّب الأمر هلاك البشر.


إذا كان المواطن الفلسطيني هو آخر اهتمامات القيادات السياسية الباحثة عن حصصها ورؤاها ومصالحها، فإن السؤال هو كيف يمكن الحفاظ على الأرض، وكيف يمكن الادعاء بأن القيادات السياسية تقوم بواجبات تحصين المواطن وتعزيز صموده على أرضه؟


ثمة إصرار من قبل الطرفين، على التمسك بالحسابات الفئوية، الخاصة، والتي تتصل بسؤال: من هو صاحب القرار، وما هي حصة كل طرف، فيما يتبقى من سلطات، ما يدفع إلى الواجهة سؤال: من هي أم الولد؟.


لا مجال لتأجيل الإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها، فما تحذر منه كل الفصائل، من أن استمرار الانقسام يخدم صفقة القرن ، يعني ان التأخير من شأنه أن يترك المجال، لتقوم صفقة القرن على أرض الواقع دون انتظار مواقف الفلسطينيين، إن بقيت لا تتجاوز الإطار النظري فقط. معروفة قصة القاضي الذكي الذي احتار في اتخاذ قرار الولاية لامرأتين تدّعي كل منهما أنها الأم الحقيقية للطفل. حين قال إنه في ضوء ذلك، فإن الحل هو قسمة الطفل إلى نصفين نهضت أمّه الحقيقية، وصرخت بأعلى صوتها أنها ليست والدة الطفل لأنها لن تسمح بإلحاق الأذى بطفلها. عندها أيقن القاضي الذكي أن المرأة التي رفضت حل القسمة هي أمّ الطفل الحقيقية.


في هذه الحالة لا نحتاج إلى القاضي الذكي، وإنما نحتاج إلى الطرف الوطني المسؤول، الذي يخشى على القضية ويخشى على المؤسسة الوطنية وعلى القرار الوطني، الذي يقدم التنازلات، من أجل ما هو أهم، بالمعنى الوطني. في الواقع فقد صعد الطرفان كل إلى أعلى الشجرة دون أن يتركا سُلَّماً ينزلان من خلاله إلى أرض الواقع.


فهذه حماس تتحدث عن أنها قدمت ما يكفي من التنازلات، وأنها تحقق إنجازات غير مسبوقة، وقد أصبحت ذات اهتمام دولي وإسلامي وعربي وبأنها تتمسك بمواقفتها على الورقة المصرية الأولى، التي رفضتها حركة، فتح. تريد حماس التمسك بالمقاومة وسلاحها، والتمسك بالسيطرة على قطاع غزة ، وباستيعاب كل موظفيها المدنيين والأمنيين، وتريد شراكة بحصة تناسب حجمها في منظمة التحرير، وفي حكومة وحدة وطنية. وتريد حركة فتح أن تسلم حماس السلطة، وتمكن الحكومة تحت الأرض، وفوق الأرض، وتتحدث عن قرار واحد، وسلطة واحدة وقانون واحد وسلاح شرعي واحد، وترفض فتحَ منظمة التحرير أمام حماس بالحجم الذي تريده حماس. السلطة تتخذ إجراءات عقابية، وتهدد باتخاذ المزيد من هذه الإجراءات، لكن كل ذلك لن يثني حماس عن عزمها، ولن يجعلها ترفع الراية البيضاء.


حماس تراهن على أن يؤدي الحراك الشعبي شرق وشمال قطاع غزة إلى كسر الحصار، وهي تعطي الأولوية للتهدئة، ولكن السؤال هو: ما المقصود من كسر الحصار، وما هي النتائج المتوقعة، وهل يمكن كسر الحصار في ضوء استمرار الانقسام، واستمرار وتصعيد الإجراءات العقابية من السلطة على قطاع غزة؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد