كان ذلك في يوم خريفي من أيام سنوات الأربعينيات عندما دلفنا إلى غرفة الصف الحجرية كثيرة النوافذ المختلفة تماماً عن بيوتنا الطينية عديمة النوافذ، وجلسنا متراصين في المقعد الخشبي لأول مرة، ثلاثتنا أو أربعتنا، تحتك بنا الأكتاف والمرافق، ننظر إلى ذلك المستطيل الأسود والذي يتوسط الجدار أمامنا والمعلم المهيب بعصا في يده، وفي اليد الأخرى بين أصابعه أصبع بيضاء، يحك بها سطح اللوح الأسود، فيظهر نقش، رموز، حروف، كتابة، ربما.. فإذا انتهى نظر إلينا قائلاً رددوا بعدي، ثم يضع طرف عصاه تحت النقش وينطق " راس، روس " فتنطلق حناجرنا مرددين ما قال المعلم، ويستمر المعلم بتحريك عصاه ولسانه وتلاحقه عيوننا، وتتحرك ألسنتنا، وينسكب في آذاننا نغما لحنا يعلو، يصعد، يمتد " را " ثم يهبط هامسا " راس " في قراره، وتالف ذلك وتستسيغه فنكرره مرات ومرات..

هذه الكلمة الأولى، كلمة السر، مفتاح الكنز المليء بالجواهر – اللغة!

إنها ليست صوتاً فقط، إنما هي عين مبصرة ولسان طليق، وسمع مرهف، ونقش ترسمه الأصابع بقلم لا تحكم القبض عليه وإجرائه، فيزوغ النقش هبوطاً أو صعوداً ، غير أنه لا يلبث مع الوقت أن يستقيم .

هذه الكلمة هي أعظم الكلمات..

أليس الرأس جماع الإنسان!

وهل يحيا الإنسان بدونه – إنه الحياة، فيه العقل والسمع والبصر واللسان والحس، فأي اختيار مذهل ذلك الذي بدأنا به وامتلكناه.. لقد صرنا عارفين كل الأشياء..

هكذا ابتدع معلم الأجيال طريقته الخاصة لتعليم اللغة – هي طريقة جديدة ، وقد سمَّ كتابه الجديد في القراءة العربية ، وضعه في أربعة أجزاء وبدأ في تأليفه سنة 1925 ، وهو اسم على مسمّى ، فهو جديد كل الجدة في طريقته وأسلوبه ومحتواه ، وقد كتب على غلافه " لواضعه ، خليل السكاكيني ، لم يكتب لمؤلفه أو لكاتبه او لمصنفه، وكأن هذا الكتاب هو وليده الذي حمله في عقله ووجدانه ونماه ووهبه الحياة جسداً وروحاً ونفساً وعقلاً ثم وضعه متكاملاً، عفياً، سليماً وقوياً، جميلاً ورشيقاً ولطيفاً، تحتضنه الأيدي برفق ، وتتملاه الأعين بحب، وتلهج به الألسنة، وتصغي إلى مناغاته الأذان، وتعيد رسمه الأنامل.

وتعتمد تدريسه في مدارسها الأقطار العربية في الشرق. لقد كانت الطريقة القديمة الشائعة في تعليم اللغة تبدأ بتعليم الحروف رسماً وصوتاً فيحفظ الصغار شكلها وصوتها وهي بذلك بلا معنى مفهوم لديهم، فماذا يعني أن يعرف التلميذ؟ الألف لا شيء عليها، والباء وحده من تحت والتاء اثنتان من فوق .. وهكذا!!

أما الطريقة التي اتبعها معلمنا الرائد فهي كما ورد في كتاب الأصول: من الصورة إلى الكلمة ومن الصورة إلى الجملة ومن الصورة إلى القصة، وهي طريقة " انظر وقل " وهو أسلوب جديد في تعليم القراءة، وهكذا يبدأ التلاميذ بمعرفة الكلمات من الصور ثم يتعرفون الجمل.. وهكذا..

يقول معلم الأجيال عن كتابه: راعيت في تأليفه أحدث الأصول والمبادئ وإذا قيس بغيره من كتب القراءة العربية ، بل أجيز أن أقول في اللغات الغربية كان أقربها إلى الفن وأجمعها إلى شروطه، وهنا لا بد أن أقول إن عندي مجموعة من كتب القراءة قديمها وحديثها من عربية - سورية ومصرية وعراقية وفلسطينية ومن انكليزية وأمريكية وفرنسية وروسية وألمانية بل عبرية ، وقد قرأت عن كتب كثيرة أمريكية وأساليبها والمبادئ التي بنيت عليها مع بيان ما لها وما عليها، ولست أظن أن أحداً في اللغة العربية درس أصول تأليف كتب القراءة كما درستها !! من كتابه كذا أنا يا دنيا ص 249، عندما ينهي التلميذ الجزء الأول من الجديد يكون قد اكتسب مهارات القراءة الآلية تقريباً كما وردت في الكتاب بالإضافة إلى بعض المهارات العقلية بمقدار نموه العقلي، فهو قد صار يعرف الكلمات والجمل والعبارات والحروف كلها والحركات الطويلة (المدود) والقصيرة: الضمة والفتحة والكسرة، والسكون، وأل الشمسية وأل القمرية والمدّة والشدّة والتاء المفتوحة والتاء المربوطة والتنوين بأنواعه، والألف اللينة، والكلمات التي بها حروف تنطق ولا تكتب مثل: هذا، هكذا، لكن.. الخ

ومن المهارات العقلية التي اكتسبها التلميذ الفهم والاستيعاب.

لقد ضمّن هذا الجزء شيئاً من التراث العربي، فيقرأ الصغار – الأقوال المأثورة والأمثلة، وكأني به يريد أن يمهد ليجعل من قرائه مثقفين، فوضع أمامهم الأمثلة " لا دخان بدون نار " " وكلب حي خير من أسد ميت " والف عدو خارج البيت ولا عدو داخله " وغيرها .

لقد أدخل السكاكيني الصغار في عقله، ثم أدخل عقله فيهم!

قد يفهم الصغار بعض هذه الأمثلة فهماً عاماً أو سطحياً أو ربما لا يفهمون ما تعنيه بدقة إلا إنها ولا شك تستقر في عقولهم، وتصير في قاموسهم اللغوي وتعيش معهم وسيأتي الوقت لتظهر ويستعملونها في مناسباتها، ولم لا، ألا يحفظ الصغار سوراً من القرآن الكريم على ما هي عليه من ألفاظ ومعانٍ ليس من السهولة فهمها أو إدراك معانيها.

أما إذا انتقلنا للتعامل مع الأجزاء الأخرى من الكتاب وجدنا الدروس تتكون من فقرة أو فقرتين وربما أكثر قليلاً، وهذه الدروس تتميز بالقصر في معظمها، وهي تعتمد الأسلوب السهل الواضح البسيط، فالألفاظ متداولة مألوفة والمعاني جلية قريبة للأفهام، علاوة على ما فيها من عناصر التشويق والإثارة، فهي تشتمل على النكات والطرائف والنوادر، وكذلك على المفارقة، وهي في كثير من هذه الدروس يستخدم أسلوب الحوار وكأن النص مشهد مرئي.

وهي بهذا تثير الابتسام والضحك والمرح أحياناً فتحبب التلاميذ بالدرس وبالمدرس. فالدرس الأول في الجزء الثاني يعتمد على الحوار في التعبير عن الفكرة، وكذلك الدرس التاسع وعنوانه " الحقائب " والدرس العاشر " شجرة الزيتون “.

والحوار يضفي على النص حيوية وإثارة وتشويقاً فيقبل القارئ عليه بشغف.. وهكذا. أما المفارقة أو النكتة فتظهران في كثير من الدروس في هذه الأجزاء الثلاثة، فالدرس رقم 12 من الجزء الثاني بعنوان " التلميذ الرسام " حيث يطلب المعلم من تلميذه أن يرسم سيارة بها راكبان فيرسم الولد سيارة ولم يرسم الراكبين، وعندما يسأله المعلم: أين الراكبان يقول التلميذ: نزلا.!

وكذلك الدرس رقم 20 بعنوان " الولد والطبل " حيث يطلب الولد من أبيه أن يشتري له طبلاً صغيراً فيقول الوالد أخاف أن تزعجني بصوته، ولكن الولد يطمئن الوالد بقوله: لا تخف، لا أطبل به إلا وأنت نائم. وغير ذلك كثير..

وفي الجزء الثالث، الدرس رقم 10 بعنوان " العشاء في الظهر " حيث أراد صاحب مطعم أن يغري زبائنه بارتياد مطعمه ليلاً، فأعلن أن ثمن العشاء نصف ثمن الغداء فانتهز أحدهم الفرصة وذهب إلى المطعم في الظهر وطلب عشاء ..!

علاوة على ذلك فالدروس في كتبه هذه تشتمل على القيم والمثل العليا تدعو القراء إلى تبنيها من غير حث أو حفظ مباشر وإنما بالاقتداء والتقليد الواعي مثل المساعدة والنخوة والكرم والنظام والعمل والنظافة والعناية بالصحة ومحاربة الذباب، وحب الأرض والتمسك بها كما جاء في درس " احتفظوا بالأرض " في الجزء الثاني، لقد كان يدرك ما يدبر وما يهدف إليه اليهود بمعاونة بريطانيا بالاستيلاء على الأرض وحرمان مالكيها من أهل البلاد منها حيث يأبى الفلاح أن يبيع أرضه أو يفرط بها مهما كان الثمن الذي يدفع له، ويصد التاجر الذي يحاول إغراءه بقوله: إن شغلي في أرضي شرف ومسرة لي، وإني أتقبل ألف مرة أن أكون فلاحاً أعيش من أرضي بعرق جبيني على أن أعيش معيشة الكسالى !

وتركز النصوص في الجزء الثالث على أمور العلم والمدرسة والمبتكرات العلمية وأهميتها بالنسبة للإنسان وعلى صحة الجسم والوقاية من الأمراض وعلى النشاط والعمل والاعتماد على النفس والرفق بالحيوان ... الخ.

وفي الجزء الرابع اهتمام بالتراث والبطولات والأبطال العرب والمسلمين مثل خالد بن الوليد، وعلي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب.

ويشتمل كذلك على قصص من التراث مثل قصة المثل " وافق شن طبقه " وقصص على غرار قصص كليلة ودمنة، وفيه قصيدة مختارة من شعر أحمد شوقي التعليمية وهي بعنوان "عصفورتان”.

يقول مفتش اللغة العربية استاذ الأجيال: زرت مدرسة الناصرة، ودخلت أحد الصفوف، فسألت التلاميذ حول قصيدة استظهروها: أي بيت في هذه القصيدة يصلح أن يكون عنواناً؟ فقالوا: قول الشاعر: لا شيء يعدل الوطن ، فقلت على المعلم أن يقول لتلاميذه أعيدوا هذا العنوان خمس مرات، ثم يقول لهم تعالوا نصيح بملء أصواتنا يحيى الوطن، ثم يلتقي هيئة التدريس فيقول: " نحن ألف معلم منبعثون في المدن والقرى والبادية، فنحن قوة كبيرة ومسؤوليتنا عظيمة، إذا كان كل واحد منا وطنياً وحاول جهده أن يبث الروح الوطنية في تلاميذه هيأنا للبلاد جيشاً حرا شجاعا شريفاً مثقفاً " فلمعت العيون وتقطبت الجباه، هذا شأني في كل مدرسة زرتها وأزورها في هذه السنة.

ويضيف " لا أدخل مدرسة إلا بشرت بدور العرب الحضاري الذي كان، ومثلهم وقيمهم في حب الوطن وصونه وعدم التفريط فيه محاولاً أن أؤدي رسالتي هذه. وكلفت كل مدرسة أن يكون شعارها بعد اليوم قول الشاعر ابن الرومي:

ولي وطن آليت ألا أبيعه

وإلا أرى غيري له الدهر مالكا !

ويذيل كل درس بتدريبات وأسئلة: منها تدريبات لغوية ونحوية وأسئلة الفهم والاستيعاب والنقد والتحليل وتحويل النص من المذكر إلى المؤنث وبالعكس وكذلك من المتكلم إلى الغائب وبالعكس، كما يطلب من التلاميذ تمثيل القصة.

وتعتمد تدريباته النحوية على الأمثلة دون القاعدة وعلى طريقته الخاصة " وعليه قس “. فمثلاً التدريب على إسناد الفعل يكون كالتالي:

هو رمى أنا رميت هم رموا هن رمين

هو مشى أنا ----- هم ----- هن ----- الخ

ومن التدريبات الأخرى: تمثيل القصة، وتحويلها من المذكر إلى المؤنث وبالعكس وجعلها بلسان المتكلم تارةً والمخاطب أو الغائب بحسب مقتضيات الدرس.

لقد وضع معلمنا المبدع في هذا الكتاب عصارة فكره ونبض قلبه وسمو روحه، وكل القيم والمثل العظيمة التي عاش بها مؤمناً ساعياً دائماً لغرسها في نفوس من يتوجه لهم.

وهذا الكتاب يعبر عن شخصية رائد التربية، ويظهر ذلك في بعض الدروس بصورة واضحة وفي بعضها الأخر بشكل غير مباشر.

فهو " المهاجر " في الدرس السابع والأربعين من الجزء الثاني، الذي عاد إلى قريته (وطنه) فأحزنته حالتها وأثرت في نفسه تأثيراً قوياً لما رأى مدى التخلف والجهل والتعاسة التي تعم كل شيء فيها، فصمم على إصلاح حالتها وتحسين حياة أهلها فبنى مدرسة!

وقد فعل خليل السكاكيني ذلك بعد أن عاد من هجرته القصيرة إلى أمريكا، فقد أنشأ المدرسة الدستورية، وأصدر صحيفة الدستور ولعله كان ذلك الشيخ الكبير الذي كان يغرس زيتوناً كما ورد في الدرس العاشر (شجرة الزيتون) من الجزء الثاني أيضاً.

وربما كان هو ذلك الفلاح الذي رفض أن يبيع أرضه رغم إغراء المال كما جاء في الدرس الرابع والأربعين (احتفظوا بالأرض) في نفس الكتاب. أما درس الاستحمام بالماء البارد رقم 52 من الجزء الثاني فهو تعبير حقيقي عن عادته التي لازمته طيلة حياته ولم يتخلّ عنها في كل الظروف حتى وهو في السجن في مدينة دمشق في عز الشتاء.

ومن يعرف أخلاقه وصفاته والمثل والقيم التي حملها سيجد ذلك في كثير من النصوص في كتابه هذا بأجزائه الأربعة.

إن كتبه هي تجسيد لشخصيته الفذة بكل أبعادها.

فها هو يكتب في بطاقة التعريف خاصته " خليل السكاكيني إنسان إن شاء الله “.

وها هو يستقيل من عمله كمدير لدار المعلمين عندما تعين بريطانيا المندوب السامي الأول هيربرت صموئيل وهو يهودي صهيوني فتأبى عليه وطنيته وعزته القومية أن يعمل تحت إمرة هذا الذي سيمكن الصهاينة من احتلال وطنه فلسطين.

ومواقف أخرى كثيرة يظل فيها صادقاً مع نفسه ومع الأخرين وفي جميع الظروف والأحوال يحيا منسجماً مع مبادئه التي اعتنقها لا يحيد عنها أبداً.

هذا هو رائد التربية في فلسطين بل في الشرق الذي بقي كتابه الجديد في القراءة العربية بأجزائه الأربعة يدرس سنين طوال في بلاد الشام أو سوريا كما كان يحرص أن يسميها ويتمنى أن تظل متحدة متجمعة غير مجزأة، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه.!

وما تزال الأجيال التي درست كتبه في صباها تحفظ وتُعيد عن ظهر قلب كثيراً من تلك الدروس التي وردت في كتاب القراءة، من منا لا يحفظ تلك الأمثلة التي وردت في الجزء الأول من الكتاب، وتظهر كثيراً من الدروس التي وردت في الأجزاء المختلفة حتى بعد مضي سنوات وسنوات.

ولم يقتصر إنتاجه على الكتب التعليمية، إنما له باع طويل في النقد والأدب والشعر، فهو ناقد ولغوي وأديب وكاتب وشاعر، وهو عضو بمجمع اللغة العربية بدمشق وبمجمع اللغة العربية في القاهرة، وقد رشحه لهذا المركز الدكتور طه حسين، هكذا عاش السكاكيني مبشراً بالحرية وبالكرامة الإنسانية والعزة الوطنية والقومية، مخلصاً لكل القيم والمبادئ الإنسانية السامية، لقد قضى غريباً، بعيداً عن وطنه في القاهرة سنة 1953م، وقد أوصى أن يكتب على قبره العبارة التالية: " مات خليل السكاكيني لا له ولا عليه “.

يا أيقونة الوطن ... يا من تظل باقياً فيناً ... لك الخلود ... ما أجدر أن يكون في كل مدرسة ومعهد وجامعة رسم لك، وأن يحتفى بك وبذكراك في كل سنة، وأن تكون حياتك وآثارك ومواقفك محوراً للندوات والمحاضرات والمقالات في الصحف بل وفي الأبحاث والأطروحات الجامعية، إن الثقافة لا تكتمل إلاّ بك.

قالوا عنه: " كم هزتني إنسانيتك المثالية التي تمثلت في صفاء القلب ونقاء الضمير، وكم عجبت من هذه الإنسانية العميقة الرحبة التي لا تقيم وزناً لفارق عنصري أو اختلاف ديني، ولكنها تتسع وترحب فتحب الخير للناس جميعاً من كل لون وجنس ودين. لمست فيك صدق القول والعمل، وعفة اللسان والقلب ووضوح المعالم واستواء المواقف، فظاهر كباطن وباد كمستجن، ولسان يعبر عما في القلب، وطوال صحبتي لك، وجدت قلبك حديقة غناء تخرج الأزهار والورود وتنبو عن الأشواك فليس فيه موضع للخصومة والعداوة أو مكان للمداهنة والنفاق “. كامل السوافيري

" إنه إنسان بكل ما في معنى الإنسان من رفعة وعمق، وما برّ الفقيد بأمه وزوجته وابنه إلا آيات باهرات على إنسانيته الخالصة الأصيلة، ووفاؤه لأصحابه مضرب المثل ". عباس محمود العقاد

صورة بسامة لمعنى الإنسانية في كل ما يشمل ذلك اللفظ من حب الخير والشوق إلى التسامي وكذلك صورة رائعة للثورة النيرة في كل ما تشمله من تبشير بالأحسن “. الدكتور منصور فهمي

إن الذين لم يعرفوه لا يستطيعون أن يزنوه بكتبه ومقالاته وحدها فالسكاكيني أعظم من آثاره كلها “. الدكتور اسحق الحسيني

" إنني ما عرفت إلى الأن إنساناً أرحب منه صدراً، ولا أطيب منه قلباً ولا أكثر منه تسامحاً ولا أبش منه وجهاً “. عيسى الناعوري

" لم يكن خليل السكاكيني أديباً عربياً، ولا خطيباً وطنياً ولا مربياً فلسطينياً فحسب بل كان رجلاً بكل معاني الرجولة الرفيعة. أعني إنساناً كاملاً انتظم عقله مع قلبه واتحد وعيه مع ضميره، واتسق فكره مع عمله، فجرت حياته على سجيتها مستجيبة لمواقف الإنسانية حافلة بنوازع المروءة والأريحية. " الدكتور عثمان أمين

لقد كان السكاكيني سابقاً لعصره، وإنه لشديد الشبه من ناحية نزعته التربوية بهنري بستالوزي المربي السويسري الذي عاش في القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، فكلاهما أحبا الأطفال وعطفا عليهم ، وكلاهما ناديا بإصلاح المدرسة ، وجعلها كالبيت العائلي كي تسيطر فيها المحبة والشفقة والحرية . " جميل سعيد

" إن خليل السكاكيني شخصية فذة حقاً، لا لأنه أديب من الطراز الأول، ولا لأنه محاضر في الطليعة، ولا لأنه عالم لغوي ممتاز، ولا لأنه مرب بارع، ولكن لأنه فوق ذلك كله فيلسوف ساخر شديد التهكم، رائع النكتة، لاذع التعبيرات. " مختار الوكيل

" أكبرت فيك ثورتك على الظلم أيام الأتراك، وتحديك الاستعمار أيام الانتداب، وتضحيتك بالجاه والمنصب في سبيل الوطن، وجوبك الأقطار والأمصار تبغي الحياة الحرة الكريمة مع شغف العيش وقسوة الأيام، وتؤثرها على الحياة الناعمة مع مهادنة المستعمر وإحناء الرأس، فمن القدس إلى الآستانة ومن دمشق إلى نيويورك تستسهل الصعب وتستعذب الهول. " كامل السوافيري

" لو وُزِنَ قدره وعلمه وقوله، لما زاد الواحد على الآخر بذرة، فهو ينشد والأعشى:

وفضلي في الشعر واللب أنني أقول على علم وأعرف ما أعني " محمد المغربي

" سمعته يخطب فملت إليه كل الميل، يستشهد كثيراً بأقوال الأميركيين وعاداتهم. في خطبه يشبه المعلم أكثر من الخطيب، هو كانت من الطبقة الأولى وأحد أفراد النهضة الأدبية في فلسطين. " عزيز عويضة

" الاختبار والمعرفة والإيمان والأمانة هي بضع نواح من هذا الذي نسميه روح السكاكيني. " نقولا زيادة

" كان السكاكيني تلميذاً لابن خلدون، وقد أشار إلى أسلوبه أنه الأسلوب الخلدوني الذي يقتصر على الشواهد دون القواعد، أي يسار فيه من الشاهد إلى الاستعمال، فيقاس الكلام بعضه على بعض، اللغة وسيلة لا غاية في ذاتها. " أنيس فريحة

" كانت مجالسه فياضة بالأدب الوطني والروح الوطنية وظل هذا ديدنه حتى بعد أن اضطرته ظروفه إلى العمل في معارف الحكومة فلم يمنعه مركزه الرسمي من إظهار ذلك في كل مناسبة، وقد أدى تحرره إلى خلاف مع دائرته فلم ينكص على عقبه فيه، فترك العمل الرسمي في سبيله. " عزت دروزة

" كان على جانب كبير من الدماثة ورقة الحاشية، خفيف الظل قوي العارضة، لطيف النكتة مطبوعاً على التندر والفكاهة." محمد رضى الشبيبي

" على أن جملة المأثور من بحوث الفقيد في الشؤون إنما تدل على حفاظ على اللغة العربية ممتاز حقاً، وتشف عن بعد نظره وعمق تفكيره، وصدق قوميته حتى تسلكه في عداد حماة القومية العربية المجاهدين الأبرار." محمد بهجت الأتري

" فمن سجايا الفقيد رحمه الله أنه ذو جلد وصبر عظيمين فقد لقي ما لقي في حياته صابراً، وقد حمل من الشدائد ما لم تحمله الجبال، فما قنط وما تململ تحت الثقل، وما كنت تراه إلا طلق الوجه في عسر أو يسر، وما أشد عسره وأطول، وما أقل يسره وأقصره “. زليخا الشهابي

" فإن كنت أنسى أن قامة خليل السكاكيني كانت طويلة أو قصيرة فإني لن أنسى هامته فوق السحب يوم ركل بقدمه أرفع المناصب لكي لا يكون مرؤوساً لصهيوني عريق. كما لا أنسى حدب خليل السكاكيني وطأطأته تلك الهامة الشامخة فتلامس الحضيض، ويعفر لحيته رماد البؤس والشقاء. " إبراهيم الخوري

" إنه رجل إنساني بكل ما في كلمة الإنسانية من معنى كبير القلب والعقل، قوي البنية شجاع.. ثائر على التقاليد، على الحكم العثماني على الأكليروس اليوناني.. على وعد بلفور، وقصارى القول عل كل ما يخالف عقله وضميره ووطنه وأدبه، وفكره. " عارف العارف

" إنه متطرف في آرائه وفي وطنيته، صعب القياد لا يطيق أن يتحكم به أحد. "

جورج أنطونيوس

" سيدي خليل السكاكيني، ولا أقول أخي، لأنك علوت في حزنك على الإخاء البشري، وأخوك في الكون الأعلى هو (الشاه جهان) بل أنت اليوم ( الشاه جهان ) وكذلك في أم سري هو ( تاج محل ) فأهنئك بحزنك وأقرئك السلام . " أمين الريحاني

السكاكيني مبتكر في بكاء خليلته لأنه أديب حق ، وقد كفر من أجلها هو صورة من البنيان الصحيح ، وبعض الكفر إيمان ولكن أكثر الناس لا يعلمون . " زكي مبارك

" كانت شخصيته على رجولة حقه، امتازت بصلابة مبادئه الوطنية والاجتماعية فلم يكن يلين أو يتغير فيها، وقد ظهرت شخصيته الفذة في العمل التربوي المجيد الذي قام به في فلسطين قبل الانتداب الانكليزي وبعده. “ أسعد داغر

" إنه كان واسع الاطلاع على الآداب الإسلامية العربية شديد التعصب للغة، شديد الوطأة على عربي متفرنج يتهاون في لغته العربية. “ فدوى طوقان

كان من كبار علماء اللغة ومن الواقفين على أسرارها في القدس. “ محمد كرد علي

ولذلك نجد السكاكيني في ما اقتبسناه من كتاباته وفي سائر مقالاته الموضوعية مشرق العبارة، ناصع البيان ، مسلسل التفكير ، قريباً إلى الفهم ، خفيفاً على النفس ليسره ووضوحه ، فهو يخاطب بعقله عقول قارئيه أو سامعيه في موضوعات عقلية ومحاكمات ذهنية ، فيحسن التفكير والتعبير ويبلغ غايته في التوضيح والإفهام . " ناصر الدين الأسد

خليل السكاكيني

رائد التربية في الوطن العربي

كما في الأمم والدول كذلك في الأفراد، هناك من يُعطى الكثير، وأكثر مما يستحق أحياناً من دعاية وعناية، وهناك من لا يُعطى إلا القليل وإلا ما هو دون أن يستحق.

ومثلما نالت فلسطين أقل مما تستحق من الاهتمام والتتبع والانصاف، في عالم القرن العشرين، نال بعض الفلسطينيين القليل جداً مما يستحقون من الاهتمام والتتبع والإنصاف.

وخليل السكاكيني – وبعض العرب لم يسمعوا باسمه قط، ولا يعرفون عنه شيئاً – واحد من هؤلاء، بل هو أبرز هؤلاء ممن أعطوا النزر اليسير فقط من الدراسة والبحث، فبقي مجهولاً بالنسبة إلى أوساط كثيرة، أو شبه مجهول بالرغم من قوة شخصه، ووفرة عطائه وشموخ سيرته.

كان خليل السكاكيني واحداً من الرواد الفلسطينيين في عدد من المجالات الوطنية والثقافية والاجتماعية والتربوية والفكرية بل لا أحسب صفة الريادة، وهي عملية نادرة صعبة الوجود تنطبق على فلسطيني واحد مثلما انطبقت على خليل السكاكيني.

الدكتور أنيس الصايغ

خليل السكاكيني

المُعلّم

من علمني حرفاً ... حرّرني ... !

د. فيصل دراج

يا مُعلّم كل الحروف والكلمات ..!

يا أستاذ كل الأجيال في شرقنا الحبيب ..

يا واهب النور للعيون الكليلة ..!

يا مطلق الألسنة المعقودة ..

يا ساكب الصوت والنغم واللحن في الأذان..

يا مجري الأقلام بين الأنامل..

يا معلمنا.. يا أبا سري.. لك المجد ولك الخلود، فأنت فينا.. حروفك وكلماتك تظل ماثلة أمام نواظرنا، مالئة أفواهنا وأفئدتنا، وعقولنا.. قيمك ومبادتك وأفكارك، وعواطفك ومشاعرك وعاداتك، شهامتك ومروءتك ونخوتك، صدقك ووفاؤك وكل القيم الوطنية والإنسانية النبيلة التي غرستها في نفوسنا صغاراً ظلت تسري في عروقنا ودمائنا حتى آخر العمر.

كيف نوفيك أو نرد لك بعض جميلك وكرم نفسك يغمرنا وقد سقيتنا فرويتنا من عصارة فكرك وعقلك وقلبك أشَّعت كلماتك وحروفك النور إلى عيوننا فنزعت عنها الغشاوة، فانفتحت فأصبحنا مبصرين وصرنا عارفين.

سالت على ألسنتنا فصرنا ناطقين معبرين.. ثم تلقفتها آّذاننا فغدونا سامعين واعين ..!

لقد كنت رائداً، مبدعاً في كل الميادين والمجالات التربوية والثقافية واللغوية والأدبية والنقدية والفكرية بل والوطنية والقومية والإنسانية والاجتماعية.

المراجع:

1- مؤلفات خليل السكاكيني

2- خليل السكاكيني: يوسف أيوب حداد

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد