الوضع الفلسطيني بما هو عليه، يدعو للعجب والغضب، تتعطل التهدئة بسبب ارتباطها بالمصالحة، والمصالحة والتهدئة، التي يقول الجميع إنها مصلحة فلسطينية، لا تزال خاضعة لتعنّت الرؤى، والحسابات الفئوية الضيقة. 


ليس لدى الفلسطينيين ترف استنزاف المزيد من الوقت وبالتأكيد المزيد من عناصر القوة فيما لا تحتاج إلى تنبيه أو شرح، المخططات الأميركية الإسرائيلية، وما تستهدفه وتحمله من مخاطر.


لم يعد أحد لا يدرك بأن الولايات المتحدة ماضية في تنفيذ صفقة القرن حتى لم يعد ثمة حاجة لإعلان ما تبقى منها بعد كل ما ظهر منها حتى الآن.


لو أن أحداً بادر إلى توجيه قائمة بأسئلة مماثلة لكل الفصائل الفلسطينية والمكونات المجتمعية، حول كل العناوين السياسية التي تهم الفلسطينيين اليوم، لوجدنا أن الكل متفق على معظم هذه العناوين إن لم يكن كلها مجتمعة.


الإجابات ستشير إلى ما تنكره كل الأطراف من أن الصراع بين الفلسطينيين أساسه صراع على السلطة، فلو افترضنا أنه كان في بدايات الانقسام قابلا للتبرير على أساس سياسي، فإنه اليوم ينكشف على طبيعته. 


صراع على سلطة حكم ذاتي، هشة، أصحابها يقولون إنها سلطة دون سلطة، واحتلال بلا تكلفة، وأن هذه السلطة معرّضة إما لتغيير طابعها ووظيفتها، أو أنها ستختفي، بقرارات فلسطينية أو غير فلسطينية.


ولو صدقنا أن الكل لا يتمسك برؤيته الخاصة للمصالحة، بسبب الصراع على السلطة بالمواصفات التي تحدثنا عنها، فإن الصراع يكون على سلطة القرار ومنظمة التحرير الفلسطينية، وصراعا على المحاصصة التي تختفي خلف كلمة جميلة هي الشراكة الوطنية.


هنا علينا أن نتساءل عما تواجهه منظمة التحرير الفلسطينية وما ينتظرها خلال المرحلة القريبة القادمة في ضوء قرار إدارة الرئيس ترامب بإغلاق مكتبها في واشنطن. 


إغلاق مكتب المنظمة ليس قراراً إجرائياً محدود الأثر والأبعاد، ولا هو حلقة في سياق الضغط على المنظمة والقيادة الفلسطينية حتى تنصاع للإرادة الأميركية الإسرائيلية فتعود صاغرة إلى طاولة مفاوضات ليس فوقها ولا تحتها أي ملف يتعلق بالحقوق الفلسطينية.


إغلاق مكتب المنظمة، قد يلحقه قرار بسحب الاعتراف بها، وإعادتها إلى حيث نظرت إليها الإدارات الأميركية السابقة، باعتبارها منظمة إرهابية. 


بهذا المعنى تكون منظمة التحرير الفلسطينية مستهدفة تماماً وكلياً، باعتبارها واحدة من أهم ثوابت الشعب الفلسطيني وباعتبارها تمثل كل الشعب الفلسطيني بمن في ذلك اللاجئون في الوطن والشتات، وتحمل برنامجه وتطلعاته الوطنية.


المنظمة مستهدفة تماماً كما هو الحال بالنسبة لـ" الأونروا "، التي لا يتوقف الجهد الأميركي الإسرائيلي على تجفيف مواردها، وإنما يستهدف إنهاء وجودها، كشاهد وحامل تاريخي ذي خصوصية ومرجعية قانونية لضمان حق الفلسطينيين في العودة.


المطلوب إذاً إنهاء وجود منظمة التحرير الفلسطينية ومحاصرتها وتجفيف مواردها، وقدراتها على مواصلة أداء دورها كممثل وحيد للشعب الفلسطيني. 


وسنلاحظ أن الموقف الإسرائيلي العدائي من منظمة التحرير لن يتأخر، حين يتم تنفيذ كل أو بعض قرارات المجلس الوطني والمجلس المركزي للمنظمة.


لم تعد إسرائيل تهتم باعتراف المنظمة بحق إسرائيل في الوجود إذا بادرت المنظمة للتخلص دفعة واحدة أو تدريجياً من شروط وقيود أوسلو، فهي - أي إسرائيل - تسعى مع الولايات المتحدة، إلى فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين في كل الأحوال.


لدى الولايات المتحدة وإسرائيل خيار آخر للتعامل مع الفلسطينيين طالما أن هذا الخيار يخدم المصالح الإسرائيلية، وهو السلطة، لكن هذه هي الأخرى قابلة للزوال إن توقفت عن القيام بالوظائف التي تريدها لها إسرائيل.


السؤال الآن هو: على ماذا يدور الصراع الفلسطيني، إذا كانت كل سلطات ومؤسسات القرار مستهدفة من قبل التحالف الأميركي الإسرائيلي؟ والسؤال الآخر: هو هل تعتقد حماس أو غير حماس المصنفة أصلاً كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، وأوروبا الغربية، أن بمقدورها أن تحل مكان المنظمة ولو مؤقتاً أو أن تحظى بشرعية عربية أو دولية؟


إذا كانت المنظمة بقيادة فتح، والملتزمة ببرنامج السلام، وبالمفاوضات وتتسم بالمرونة الزائدة، غير مقبولة من طرف التحالف الأميركي الإسرائيلي فهل يمكن لأي فصيل آخر أن يحظى بهذا القبول؟، قد يحصل هذا تكتيكياً ولوقت قصير من أجل إنهاء وشطب المنظمة لكن ذلك سيكون المقدمة لشطب البديل، أياً كان.


المنظمة بما هي عليه اليوم غير محصنة لا بتركيبتها ولا بإمكانياتها، وهي تحتاج إلى إعادة بناء كل مفاصلها وبشراكة الكل في مؤسساتها حتى تكون حصينة وأكثر مناعة في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية وفي الدفاع عن نفسها ودورها أيضاً. 


لذلك ولأسباب أخرى نرى أنه من المنطقي جداً، أن تحظى المصالحة بالأولوية، ومن خلالها يمكن إبرام تهدئة أو هدنة، والبدء بكسر الحصار المفروض على سكان القطاع، ويتسبب في آلام شديدة في كل مفاصل العمل الوطني.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد