أحد مخططي أوسلو: الاتفاق فشل والثقة بالرئيس عرفات خاطئة
بعد مرور 25 عامًا على توقيع اتفّاق أوسلو بين الحكومة الإسرائيليّة بقيادة يتسحاق رابين، ومُنظمّة التحرير الفلسطينيّة بقيادة الرئيس الفلسطينيّ الراحل، ياسر عرفات، عادت صحيفة هآرتس العبريّة إلى أحد مُخططي الاتفاق من الجانب الإسرائيليّ، وهو المُحامي يوئيل زينغر، (68 عامًا)، الذي كان مُقرّبًا جدًا من رابين، وشارك في جميع الخطوات بداءً من المُفاوضات السريّة بين الطرفين وحتى ما بعد التوقيع على الاتفاق في البيت الأبيض يوم الـ13 من شهر أيلول (سبتمبر) من العام 1993 بحضور الرئيس الأمريكيّ آنذاك، بيل كلينتون.
وقالت مُراسلة الشؤون السياسيّة في الصحيفة، نوعا لانداو، التي أجرت مع المُحامي الإسرائيليّ لقاءً مُطوّلاً في مكتبه بالعاصمة الأمريكيّة، إنّ زينغر ينظر من مكتبه في الطابق السابع بواشنطن أكثر من عشرين عامًا على نتائج المشروع، الذي غيّر وجه الدولة العبريّة، وأيضًا سيرة حياته، ويتألّم لأنّه انتهى بصورةٍ تراجيديّةٍ، إذْ أنّ الرجل كان المُستشار القضائيّ لإسرائيل، وهو عمليًا التي قام بصياغة بنود الاتفاق سويّةً مع الفلسطينيين، أوْ كما أسمته “رجل رابين في أوسلو”.
وبحسب الصحيفة، قال زينغر، وهو جنرال في الاحتياط، الذي خدم في النيابة العسكريّة لجيش الاحتلال، بصورةٍ حازمةٍ وجازمةٍ لقد أهدرنا فرصةً نادرةً وغيرُ مسبوقةٍ، ارتكبنا الأخطاء، والآن لا يوجد أيّ أملٍ للتوصّل إلى سلامٍ بين الشعبين الإسرائيليّ والفلسطينيّ، ولا في السنوات القادمة أيضًا، ولكن حذارِ من أنْ ننسى بأنّ العمليات الفاشلة تشمل أيضًا خطوات ناجحة، التي يجب أنْ ندرسها ونستوعبها ونتعلّم منها، على حدّ تعبيره، حيثُ لفتت الصحيفة إلى أنّه شارك في عقد اتفاق السلام مع مصر ومع الأردن، واتفاقيّات فضّ الاشتباك مع سوريّة في العام 1974.وفقا لما نشرته صحيفة رأي اليوم
زينغر يُعرّق نفسه في المُقابلة مع الصحيفة العبريّة على أنّه خلال المحادثات السريّة في أوسلو كان يساريًا، أمّا اليوم فيقول عن نفسه بأنّه ينتمي لمُعسكر اليسار المُتطرّف والراديكاليّ، ولا يُخفي بأنّ الجانب الفلسطينيّ انزعج من حضوره في المفاوضات السريّة بسبب كونه جنرالاً في جيش الاحتلال، ولكن مع تقدّم المحادثات بين الطرفين، أضاف قائلاً، تمّ بناء الثقة مع الوفد الفلسطينيّ المُفاوِض، كما قال.
واستعرض المُحامي زينغر الأخطاء التي ارتكبتها دولة الاحتلال خلال المُفاوضات، وبموازاة ذلك، عبّر عن النجاحات التي تمّ تحقيقها من خلال اتفاق أوسلو: بالنسبة للنجاحات، أكّد زينغر على أنّ إسرائيل حققت ثلاثة أمورٍ إستراتيجيّةٍ من خلال اتفاق أوسلو: الاعتراف المُتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينيّة، اتفاق أوسلو فتح الباب على مصراعيه أمام الدولة العبريّة لتطبيع علاقاتها مع الدول العربيّة، ووضع حجر الأساس لتوقيع اتفاقٍ شاملٍ وعادلٍ ونهائيٍّ للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، على حدّ قوله.
أمّا لجهة الإخفاقات التي ارتكبتها إسرائيل خلال المُفاوضات وصياغة الاتفاق فبرأي زينغر هي ثلاث أخطاء مصيريّة، جعلته يبكي اليوم على ما حصل، على حدّ قوله. والأخطاء هي برأيه: الرفض الإسرائيليّ القاطِع للطلب الفلسطينيّ بأنْ يشمل الاتفاق المُوقّع بين الطرفين تعهدًا إسرائيليًا بوقف الاستيطان في الضفّة الغربيّة المُحتلّة، والخطأ الثاني تمثّل في منح الفلسطينيين المسؤولية عن الأمن الداخليّ في المناطق التي تقرّرّ أنّها تابعةً لهم، لأنّ الفلسطينيين في ذلك الوقت، أكّد المُحامي الإسرائيليّ، لم يكونوا على استعداد لأنْ يتحمّلوا هذه المسوؤلية الكبيرة، والخطأ الثالث والأخير، شدّدّ زينغر، تمثّل الثقة الإسرائيليّة التي كانت من نصيب الرئيس الفلسطينيّ آنذاك ياسر عرفات، لافتًا إلى أنّ هذه الثقة كانت يجب أنْ تكون مُقيّدةً أكثر، بحسب تعبيره. وأضاف قائلاً إنّ رابين لم يكُن يثق بعرفات، ولكنّه آثر منح فرصةً له، ولكن مع مرور الأيّام، تابع زينغر، بدأت أرى بامّ أعيني كيف أنّ عرفات بات مُتشنجًا ويرفض التوقيع على اتفاقياتٍ وبنودٍ أخرى، ولخصّ الموقف من عرفات: “ارتكبنا خطأً حين اعتقدنا أنّ عرفات تغيّر”.
وكشف المُحامي زينغر النقاب عن أنّ الوفد الإسرائيليّ هدّدّ الفلسطينيين بأنّه رفضهم الاعتراف بإسرائيل، كما أرادت، سيمنعهم من الوصول إلى الضفّة الغربيّة وإلى غزّة، قلتُ لهم بالحرف الواحد، أكّد زينغر: أوْ تعترفوا بإسرائيل، أوْ تبقوا في تونس، لا يوجد خيارًا ثالثًا، فوافقوا، على حدّ زعمه.
وفي معرض ردّه على سؤالٍ قال زينغر صحيح إنّ اتفاق أوسلو قد فَشِل، ولكن اليوم في المنطقة لا يوجد سوى هذا الاتفاق الذي يُطبّق بشكلٍ أوْ بآخرٍ على الأرض، صحيح أنّ الواقع تغيّر، ولكن علينا ألّا ننتظر أنْ يعود الواقع إلى ما كان عليه، علينا أنْ نعمل من أجل خلق الواقع للاستمرار في عملية السلام مع الفلسطينيين، الذين أرى بهم أعدائي، ولكن مع الأعداء فقط يصنعون السلام، بحسب تعبيره.