هل يمارس مجتمعنا الفلسطيني تعليما تحرريا؟ وما شكل التعليم الحالي؟،بقلم: نور الحج

نور الحج

لا يخفى على أحد أهمية التعليم التحرري القائم على مشاركة كل من المعلم والمتعلم في العملية التعليمية ليصل الطرفين للمعرفة والهدف المنشود دون إلغاء أيّ منهما للآخر. ففي وقتنا المعاصر والذي باتت فيه جميع أرجاء العالم تتبادل التواصل والمعلومات بنفس الوقت من أماكن مختلفة بفضل التطور العلمي التكنولوجي. حيث ولّى ذلك الزمن الذي كان فيه الطالب مجرد مستمع ومستجيب للمعلومات التي يتلقاها من المعلم والكتاب المدرسي ومضطر للذهاب إلى مكان يتعلم به سواء كان المدرسة أو حتى الجامعة, حيث أصبح الجميع اليوم يتفاعل ويتحاور ويتناقش دون أي حدود أو معيقات للوصول للمعلومات.

في هذا النهج التعليمي التعليم الذي تطبقه معظم الدول التي أحرزت تقدما حضاريا وعلميا منافساً على مستوى العالم, يتمركز بشكل أساسي حول المتعلمين ويسخر كل الإمكانيات والطرائق التعليمية والتدريسية والبيئة والموارد والمنهاج لتبني هذا الفرد بناءً حسناً صالحاً قائما بحد ذاته ومستقلاً ليكون فاعلاً في النسيج المجتمعي اليوم وغداً.

فالطالب في المدرسة التحررية يتعلم ويأكل ويتفاعل ويمارس أنشطة حياته اليومية بكل طلاقة وحرية وشغف. يحاور المعلم ويناقشه وزملاؤه, تُحترم خبراته ومعارفه وتجاربه ويعززها المعلم كذلك, يربط الطفل بمحيطه الاجتماعي والمحيط الخارجي من خلال التكنولوجيا والرحلات والأبحاث.

فهنا, ليس من الخطأ أن يتعلم الأستاذ من الطالب، فربما يبحث الطالب عن معلومات جديدة لم يتوصل إليها المعلم من قبل, فلا يكون المعلم هو المصدر الوحيد للمعلومة بل يتم تنمية روح الاستقلالية عند الطالب، ويتم تقدير ما لديه من معلومات حول أي موضوع.

ويأتي التساؤل هنا, هل يمارس مجتمعنا الفلسطيني تعليما تحرريا؟ وما شكل التعليم الحالي؟

للأسف فإن التعليم في مجتمعنا الفلسطيني يسير وفق قواعد ثابتة ، فقلما نجد شخصاً ما أو معلماً في هذا النظام يحاول أن يخرج عن الرتابة الموجودة فيه، فالاعتقاد السائد منذ القدم أن المعلم هو المسؤول صاحب السلطة على الطالب, مما يولد شعور الخوف أو النفور منه لدى الطلبة، فينتج عن ذلك معاداة الطالب للمعلم وعدم الاكتراث للدرس و التسرب أو الهروب من المدرسة, وعدم احترام المعلم ولربما يقود ذلك إلى القيام بممارسات عنف تجاهه.

فمثلا في المرحلة الثانوية من بداية كل عام, تقوم المؤسسات التعليمية بتوزيع المقررات الدراسية على الطلبة ويتم خلال العام ترديد وحفظ ما تم كتابته في هذه الكتب، ولكن الكتب تكون ممتلئة بالتجارب العلمية والتطبيقات العملية التي لا يتم تطبيقها أو محاولة فهمها بشكل مبسط، في المقابل يتم تخريج نسخ من المتعلمين الذي حفظوا المعلومات في هذه المناهج دون مشاركتهم الكافية والملموسة في الجوانب التطبيقية. أيضا الوقت المخصص للدراسة مقارنة بحجم وكم المنهاج المقرر على الطالب, يحد من فرصة تفاعله أو مشاركته في الأنشطة المنهجية, ناهيك عن شبه انعدام تام للأنشطة اللامنهجية.

وبالنظر إلى التجارب الفريدة في مجتمعنا, سنجد عدد منها والتي لم يكن لها حظا كافيا من التطبيق والانتشار. منها تجربة الكاتب والأديب الفلسطيني خليل السكاكيني الذي أسس منهاجاً رائعاً يُظهر بوضوح العديد من النصائح التربوية التي قدمها للمساعدة في تنمية وتطوير النظام التعليمي. فأسس نظامه على احترام عقلية الطالب, وقام بإلغاء العقاب البدني وحفظ للطالب كرامته، ودعا إلى التفاعل والمشاركة خلال الحصة التعليمية وقدم مقترحات للمنهاج المدرسي كي يبتعد به عن النظام التقليدي القائم على التلقين وقام بإصدار دليلين للمعلم حول هذا الموضوع إضافة إلى تأليف كتاب "الجديد في القراءة العربية" الذي وضع فيه الكثير من الأفكار الإبداعية التي تزهر عقل الطالب وتنمي الوعي لديه.

وتجدر الإشارة هنا إلى عدد من تلامذة خليل السكاكيني أمثال زياد خداش, ومنير فاشة مؤسسة مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي, وغيرهم ممن نقلوا لنا تجارب متعددة وناجحة في هذا النهج.

مثل هذا المنهاج يسمح بإعطاء مساحة كافية للإبداع، فمن المفيد للطالب أن يتم دمج الجانب النظري من المنهاج مع الجانب التطبيقي كي يتشرب الطالب المادة العلمية بسلاسة وإتقان، كما أنه من المهم تقوية شخصية الطالب من خلال قيام المعلم في خطته الدراسية بتوزيع بعض الدروس على الطلبة ليقوموا بالبحث والشرح لزملائهم مع توجيهات المعلمً، أيضا من الجميل أن يتخلل الحصة التعليمية جانب من النقاش والحوار بين المعلم والطلبة فهذا يساهم كثيرا في تعزيز النشاط العقلي والمعرفي للطلبة.

ربما يرى البعض أن هذا النظام قد يلغي دور المعلم في سبيل الدعوة إلى حرية الرأي والتعبير للطالب، لكن العكس تماما, فالحوار هنا لا يلغي دور المعلم في الشرح وتقديم ما لديه من معرفة وتجارب، فالنقاش يعتمد في الدرجة الأولى على الاحترام المتبادل بين المعلم والمتعلم فتصبح النتيجة هنا أن الطلاب يبدعون كل حسب ميوله واهتماماته وقدراته ومهاراته, مما ينتج للمجتمع العلماء والمفكرين الذي ينهضون به ويحملونه نحو مواكبة التقدم في العالم.

ترجع مسؤولية محتوى هذا المنشور لمؤسسة بيت الصحافة, ولا يعكس بالضرورة موقف مؤسسة روزا لوكسمبورغ

مشروع خطوة نحو تعليم أفضل- تنفيذ بيت الصحافة – فلسطين وتمويل مؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد