أمس الأربعاء عقد المجلس المركزي جلسته التاسعة والعشرين في رام الله ، ولم يتسن لي، بسبب الالتزام بوقت النشر، أن أتناول، خطاب الرئيس الذي أظنه سيكون هاماً جداً، فضلاً عن جدول الأعمال والمناقشات والقرارات. على كل حال لن يفوتنا لاحقاً تناول أعمال ومخرجات هذه الدورة الهامة، التي لا تتضاءل أهميتها مع مرور بعض الوقت، فكل ما يصدر عن مؤسسات من هذا المستوى أو من لقاءات فصائلية جامعة ينطوي في هذه المرحلة على أهمية. على أن عدم القدرة على تناول مجريات هذه الدورة وهي الثانية منذ انعقاد دورة المجلس الوطني، لا يعفينا من تسجيل بعض الملاحظات الهامة أيضاً في سياق قراءة المشهد الفلسطيني السياسي براهنه، ومستقبله. لم يساورني أدنى شك في أن المجلس سينعقد في الوقت المحدد له، حتى لو تخلف عن الحضور عدد من أعضائه، وكان الأولى أن يتم الاهتمام بنوع وعدد الحضور حتى لو تطلب ذلك تأجيل الدورة لبضعة أيام.
غير أن انعقاد المجلس بهذه الكيفية، يشير بحد ذاته إلى أن ثمة مشكلة كبيرة، وأزمة عميقة بين فصائل العمل الوطني الفلسطيني، لم يسبق أن عانت منها الساحة الفلسطينية، حتى حين تشكلت جبهة الرفض وجبهة الإنقاذ في سبعينيات القرن الماضي.
لا يدور الحديث عن غياب حركتي حماس والجهاد الإسلامي عن حضور الدورة، فهذه الحركات محكومة حتى الآن بشروط وجودها خارج مؤسسات منظمة التحرير، وأمر حضورها ومشاركتها مرهون بتحقيق المصالحة الوطنية وإعادة بناء الشراكة السياسية في الإطار الجامع والموحد وهو منظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
وربما أيضاً يمكن استيعاب مسألة غياب وعدم مشاركة الجبهة الشعبية، التي يتواصل موقفها مع الموقف الذي اتخذته من المجلس الوطني، وهو أمر سبق للشعبية أن مارسته في مرات سابقة، على أنه لا يمكن في أي حال تجاهل مدى أهمية حضور «الشعبية» كفصيل أساسي إن لم يكن الفصيل الثاني في المنظمة، بحكم تغير الظروف وطبيعة المخاطر والتحديات التي تواجه القضية ومنظمة التحرير والحقوق الوطنية، والتي تستدعي تجميع كل مصادر وعوامل القوة حتى الفردية. المشكلة الكبرى أن يغيب فصيل مثل الجبهة الديمقراطية، التي تلاصقت مع حركة فتح في اطار منظمة التحرير منذ تأسيسها، فلم يحدث مرة أن قاطعت الجبهة الديمقراطية اجتماعات عامة من هذا المستوى وهي معروفة بواقعيتها السياسية، وحرصها الشديد على المؤسسة الوطنية. حتى في أحلك الظروف وخلال أشد الأزمات والخلافات لم تغب «الديمقراطية» عن اجتماعات «الوطني» أو «المركزي» أو اللجنة التنفيذية لكنها اليوم تطرح جملة من الانتقادات والاعتراضات الجادة على كيفية وآليات اتخاذ القرارات، بالرغم من أن البعض قد يعزو مقاطعتها إلى قرار سحب دائرة المغتربين من عضو اللجنة التنفيذية والمكتب السياسي للديمقراطية تيسير خالد.
وتتسع دائرة الأزمة حين تعلن المبادرة الوطنية عن مقاطعة جلسات المجلس فضلاً عن آخرين من حزب الشعب، وبعض المستقلين وكل لأسبابه، لكن النتيجة واحدة وهي أن ثمة غياباً سياسياً وهو الأهم من الغياب العددي.
النصاب متوفر للدورة، إن كانت شرعية انعقادها مرهونة بالنصاب، إذ إن تركيبة المجلس كما المجلس الوطني، تضمن انعقاد أي اجتماع بنصاب عددي معقول.
على أن هذا الغياب السياسي الواسع، وبغض النظر عن أسبابه ودوافعه، يعيد طرح مسألة الانقسام والمصالحة على بساط البحث، بطريقة مختلفة عما يعرف حتى الآن بالانقسام بين «فتح» و»حماس».
هكذا يبدو أن كل شيء منقسم على ذاته ومع الآخر، فمن غير المعقول أن تنقسم فصائل منظمة التحرير، ورفقاء السلاح بعد هذه التجربة الطويلة، بما يهدد فعلياً مسألة التمثيل، حتى لو أنها استندت إلى انعقاد المؤسسات الأساسية للمنظمة. لست أدري ما هي الحسابات السياسية والسيناريوهات التي تجعل المشهد السياسي حتى في إطار منظمة التحرير على هذا النحو المأساوي، الذي يدعو إلى تعميق المخاوف الوطنية من أن تتدهور الأمور نحو الانفصال، الخوف الأكبر هو من أن تتجرأ بعض الأطراف الدولية والإقليمية على الاستهتار بوحدانية التمثيل الفلسطيني والشرعية، ونحو تجاوزها كما تشير المعطيات الراهنة. في مصر تجتمع كل الفصائل والمجموعات والجماعات، لبحث موضوع التهدئة في غياب حركة فتح، وتبادر إسرائيل إلى فتح معبر كرم أبو سالم، وتوسيع مساحة الصيد البحري، بما يعني أن الاتفاق على التهدئة أو الهدنة، قد أصبح ناضجاً.
غزة ينبغي أن تتغير، هكذا قدرت الولايات المتحدة وإسرائيل، ونحو إعادة بنائها أو تأهيلها، حتى لو لم تكن السلطة الوطنية هي الشريك، رغم مطالبة الكل بأن تكون هي الشريك في غزة، ما يعني أن المصالحة قد تكون أصبحت في الباي باي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية