يعرض في دور السينما الأميركية فيلم جديد للمخرج بروس ماكدونالد حول قصة شمشون الخرافية، التي تنسب لكتاب القضاة في التوراة، وهو ليس إلا دعاية أخرى من مزاعم  الوجود اليهودي في فلسطين، الذي لم يثبت حجر واحد في هذه البلاد بطولها وعرضها وجوده. مرة أخرى تتجند هوليود ومالها وفنها الموجه لخدمة الدعاية الصهيونية والدفاع عن المزاعم الكاذبة. مرة أخرى تشحذ الصهيونية كل معاولها وكل فؤوسها لخدمة برامجها والدفاع عن بربرية الاحتلال وفاشية دولته التي تتأسس على هذه الأكاذيب. مرة أخرى يتم الاستعانة بالخرافات من أجل إثبات خرافة أكبر عن وجود تاريخي مزعوم غير مسنود إلا بنصوص منسوبة لرب تم خيانته وتركه.


الفيلم من بطولة تيلور جيمس وجاكسون روثبورن ومجموعة أخرى من الفنانين والفنانات يتحدث عن خرافة شمشون الخارق للعادة، الذي يقود تمرد اليهود ضد الفلسطينيين. القصة المعروفة التي تعيد التذكير زوراً وبهتاناً بأن ثمة تواجداً يهودياً تاريخياً في هذه البلاد حتى لو لم يثبت علم الآثار أي شي منه، حتى لو لم توجد أي لقية واحدة تشير إلي أي شيء منه، حتى لو كان كل ذلك مجرد افتراضات كولونيالية تم دسها في الوعي الشعبي الغربي تأسسياً لاستنهاضها في الفعل السياسي المستقبلي. إنها القصة التي تسرد ما لم يكن سابقاً حتى تشرعن لما هو غير حق اليوم. 


تدور أحداث الفيلم في مدينة غزة ، حيث يتم تصوير العبرانيين اليهود أصحاب الأرض الذين يقوم الفلسطينيون باستعبادهم، ويتم تصويرهم كعبيد مستضعفين على يد الفلسطينيين القساة، يأخذون منهم الخراج ويصادرون مزروعاتهم وحصادهم، ويعتدون على نسائهم ويسخرونهم للعمل في حقولهم ومناجمهم. صورة بشعة يتم تصويرها لكيفية استعباد الفلسطينيين غير الإنساني لليهود الغلابى المساكين. بالطبع الصورة مقلوبة وهي بالضبط تصلح لكي تكون العكس، ولكن في الماضي فعلاً كان الفلسطينيون سادة البلاد لأنهم أصحابها، وهذه حقيقة، ولكن التزوير هو في فرض اليهود كسكان لهذه البلاد وتصوير قرى لهم يعيشون فيها ويقوم الفلسطينيون بمهاجمتها، ويتمرد سكانها ضد ما يتم وصفه بلغة الماضي وكأنه احتلال. نعم الفلسطينيون أصحاب الأرض. هم سادتها ولهم ملوكهم وحضارتهم وهذه حقيقة لم ينجح الفيلم في إغفالها، وإن كان هم المخرج والمال من خلفه تصوير البربرية والقسوة الفلسطينية في التعامل مع المجموعات اليهودية، وتصويرها وكأنها مصادرة لحقوق أهل البلاد. لذلك أمام هذا يضطر المخرج أن يصور الفلسطينيين بوصفهم قوة ذات شكيمة ونفوذ، بل ويغزون مصر ويذهبون في حملات شمالاً وجنوباً. لكنه التصوير الذي يبغي من ورائه إلى فرض مقارنة بين هذه القسوة وطيبة سكان القرية اليهودية. بل خلال كل أحداث الفيلم يتم تصوير وجود قرى يهودية أخرى جاهزة حتى تثور ضد الظلم والبطش الفلسطيني والتحرر من عبودية الملك الفلسطيني. أي افتراء هذا؟!


مرة أخرى المكان غزة. ربما ليس صدفة أن يتم استدعاء الصراع في غزة هذه المرة كجزء من ماكنة التحريض الصهيونية. غزة التي تحتل شعب إسرائيل. غزة التي تقتل. غزة التي تحرق. غزة التي تحاصر القرية اليهودية. غزة التي تبطش. في المقابل إسرائيل التي تطلب السلام ويذهب وفد بقيادة شمشون يطلب الرحمة من القاتل الدموي. وغزة التي تقتل المبعوثين وترسل رؤسهم مقابل مطالبهم بالسلام والأمن. وإسرائيل التي تتوسل من أجل البقاء أمام البطش الفلسطيني. وغزة ذات الأسوار المشيدة فيما القرية اليهودية هشة أمام سنابك الخيل الغازي من تخوم الفلسطينيين. إسرائيل وشعبها البريء والفلسطينيون هم القتلة المجرمون. صورة معكوسة تماماً. 


المكان لم يكن صدفة. واستدعاء الصراع على المكان ليس صدفة. هناك محاولة لتوظيف كل ذلك في تعزيز الرواية الصهيونية حول الصراع الجاري مع الفلسطينيين. صراع يتم فيه مصادرة كل شيء وتشويه كل شيء. مرة أخرى استدعاء قصة شمشون ليس صدفة في فيلم كان في قائمة "البوكس أوفس" قبل فترة، وتوقيته ليس صدفة أيضاً. إسرائيل تجند كل أسلحتها في حربها ضد الفلسطينيين حتى تفوز، حتى حين تقمع الفلسطينيين وتقتلهم وتشردهم وتبقر بطون الحوامل وتقتل الأم وطفلتها، فإنها تدعي البراءة.. إنها البراءة التي تحاول قصة شمشون المزعومة بثها من خلال تسامح شمشون وبساطته قبل أن يستفزه الفلسطينيون. ولكن أيضاً الفيلم يصور البطل المزعوم يسرق بضاعة الفلسطينيين. كما يبدو فإن فكرة السرقة جزء من عقيدة الصهيونية في التعامل مع الفلسطينيين بل هي فعل بطولي. 


لكن شمشون أيضاً خرافة يتم توظيفها وليس فعلاً حقيقياً. لاحظوا أن ثمة مكاناً في غزة اسمه قبر شمشون، وهو معروف بغزة ويفترض السكان أن شمشون الجبار، دون أن يعني هذا أن للأمر علاقة بالخرافة اليهودية، إذ إن قصة شمشون قد تكون إحدى قصص الفلسطينيين الأوائل وحكايتهم ووقائعهم. لاحظوا أن وجود القبر لم يلفت انتباه قادة الصهيونية بعد احتلال غزة عام 1967 ولم تقم بمصادرته فيما تم مصادرة قبر تاجر تركي اسمه يوسف وإطلاق اسم النبي يوسف عليه، كما تم تبني الرواية الفلسطينية عن تاريخ الأماكن الكنعانية وتم تحريف أسمائها من أجل مواءمة اللفظ العبري. 


بقي أن نذكر أنه حتى حين يتم تصوير الفلسطينيين القدماء بالمناعة والقسوة والقوة فإن المخرج والمنتج يحذران أن يصوراهما بصورة متقدمة معمارياً أو على صعيد الأزياء، فثمة فقر واضح في العمارة وفي ملابس حتى ملكهم، وجواريهم. نرى ما نراه حين تقدم هوليود الإغريق أو الرومان أو حتى الفراعنة. ثمة افتراء من أجل عدم دفع المشاهد للانبهار بالحضارة الفلسطينية القديمة. كل شيء معمول بقدر وكل شيء موزون، حتى جرعة التقدير. هكذا كل شيء يخدم الرواية المشوهة للتاريخ ولا يتردد في تحريف كل سطر وكل كلمة فيه.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد