التعليم التحرري ... عقبات وطموحات،بقلم: انتصار أبو جهل

انتصار أبو جهل

باتت تتردد في الآونة الأخيرة الدعوة إلى تعزيز منهج ومبادئ التعليم التحرري، هذا النهج من التعليم القائم على الإبداع والحرية والابتكار ومحورة التعليم حول المتعلم، على خلاف النهج التعليمي القائم حالياً الذي ما زال عاجزا عن الخروج من عبائة التقليدية والتلقين في فلسطين ومن هنا كان لابد الحديث عن إمكانات وعقبات تطبيقه في مدارسنا وخاصة بقطاع غزة .

بدايةً فإن التعليم التحرري يجب اعتماده كاستراتيجية في كافة مكونات العملية التعليمية ومظلة آمنة لها، فالمعيقات كثيرة بدءاً بفهم المعلم لرسالته من عدمه، ومروراً بتبني الجهات الرسمية، وتوفير البيئة المناسبة وليس انتهاءً بالآفاق التي يجب أن ت فتح أمام كل طالب علم.

أينما فُهمت رسالة العلم بالشكل الصحيح فسنجد العلماء والمفكرين، وأينما اختلت وجدنا نسخاً مكررةً من الجهل المغلف بالإحصاءات الخادعة عن عدد المتعلمين المتراجعين بذاتهم وبمجتمعهم.

فعندما أصبح التعليم وظيفة صماء جامدة بروتين قاتل خال من أي روح يلتحق به أصحاب المعدلات المتوسطة في الثانوية العامة فإننا سنجد العائق في عنصر المعلم، فضلاً على ضعف مخصصات المعلمين المالية، كما أن مقارنةً بسيطةً بين موازنات الأمن والتعليم في فلسطين ستشي عن واقع صعب وليست مسيرات المعلمين بالضفة والحصار بغزة عن الأمر ببعيدة.

ولا يستثنى من العوائق ضعف التعليم الجامعي وتخريجه لمعلمين هم بحاجة للتأهيل والتدريب. فلماذا لا يكون لدينا شهادات مزاولة بمعايير ومحددات عالية للتعليم تضمن اختيار المعلم المناسب والحقيقي, فأهمية هذا المعلم لا تقل عن أهمية الطبيب أو المحامي بل إنها تتعدى أهميتهم كون المعلم له دور أساسي وكبير في بناء أولى الأسس لهذا الإنسان، كما أن فحص الأهلية بين فترة وأخرى أمر لا غنى عنه.

الصورة التي رسمها المعلم لنفسه نتيجة ظروف عديدة هي ذلك الوجه المليء بالهموم والبنطال الذي تملؤه الطباشير والصوت الصارخ في سيل من الطلبة والسوط الذي يلاحقهم ليعودوا للصفوف بعد استراحة قضوها وهم يدورون حول بعضهم في مساحة مكتظة بما يقارب الألف طالب/ة أو يزيد.

إن لم يحب الطالب الذهاب إلى المدرسة حبه لنزهة جميلة أو رياضةٍ شيقة فتلك ليست بمدرسة بل سجن ، فالأسوار الشاهقة التي تعلوها الأسلاك الشائكة أحياناً والزجاج المكسر والبوابات الصماء الموصدة لا تليق بمدرسةٍ تعلم الطلاب كسر قيود الجهل!

ومن المعيقات أيضا إثقال كاهل الطلاب بالكتب الثقيلة والواجبات التي لا تكاد تنتهي، وكأن خمس ساعات واثنتان حولهما لا تكفي لإيصال رسالة العلم، ثم نذهب لنلاحق الطالب في وقت ترفيهه ولعبه وتعلمه من الحياة.

فعلى وزارة التربية والتعليم إعادة النظر في طريقة تقييم المعلمين بأن تشرك الطلاب في هذه العملية، فنظام الإشراف والمتابعة الحالي أشبه ما يكون بتمثيلية ركيكة يصبح فيها المعلم ممثلاً لحصة واحدة , حيث الوسائل التعليمية الراقية والكلام الرقيق المحبب والمحفزات للطلاب، كل ذلك يختفي فور وضع المشرف لقدمه خارج غرفة الصف، ولا ننسى تحضير المعلم بعناية لمن سيجيب على الأسئلة مع توجيهه سيلاً من التهديد والوعيد للخمسين طالب الآخرين.

ولا يجب إغفال الدور الإرشادي للمدرسة فأخطار الشارع وما علق في ذهن الطفل من سنواته الأولى يجب أن يتم معالجته من خلال القيام بالدور الإرشادي من السنوات الأولى في التعليم المدرسي وليس اقتصاره على مراحل المراهقة والشباب كما يجب فضح انتهاكات الاحتلال بحق الطلاب ولجمه بكل قوة ممكنة فهناك طلاب وطالبات ينغص الاحتلال حياتهم التعليمية ويرهبهم في طريقهم للمدرسة وآخرين يولد لديهم الرعب بفعل قصفه وتدميره لأحيائهم واستهدافه لأقرانهم وهؤلاء يجب أن تحتضنهم المؤسسات التعليمية وتوفر لهم الدعم النفسي اللازم، فضلاً أن سياسة السكب في العقول سياسة ولى عهدها، فيجب أن تتعزز حرية الرأي والتعبير والتجربة والخطأ وأن نحفز من حاول وأخطأ لا أن نهين كرامته ونكسر ثقته بنفسه ونجعله أضحوكةً أمام زملائه! كما يفعل بكل أسف بعض المدرسين.

وعلى المؤسسات التعليمية تعزيز ثقافة التحديث والتطوير سواء على المناهج أو المعلم أو طرائق التدريس. فعلي صعيد المناهج, فقد أخذت وزارة التربية والتعليم بتطوير وتحديث المناهج والتي تسعى لمحورة التعليم حول الطالب لا المتعلم, وزيادة مشاركته في البحث والابتكار والتخيل والبناء, إلا أن هذه المناهج ما زالت تحت التجريب, وعلى صعيد المعلمين, فهناك من حفظوا دروسهم عن ظهر قلب, و إن قارنت ما قدموه قبل أعوام فلن تجد عليه أي إضافة هذا على مستوى العام. أما على مستوى طرائق التدريس, فنتساءل: لم لا تعقد الحصة في الهواء الطلق أو في حديقة حيوان أو في مصنع أو في المساحات الخضراء في المدرسة أو بين الألعاب؟ هذه المساحات هي بغالب الأحيان غير موجودة أو غير مستخدمة.

علاوة على ذلك, فإن الحوار بين المعلم والطلاب أمر أساسي في التعليم التحرري إضافة إلى وجوب ترسيخ تعدد المصادر وحث الطلاب على البحث واعتماد التكنولوجيا الآمنة، وتحفيز العقول للوصول إلى الفهم، وهذه هي غاية كل حريص على الرقي بمجتمعه. فنحن لا نصنع العقول بل ننورها ونطلقها في الآفاق كي تعود على المجتمع بالنفع والعمارة والرقي لا الجهل والجريمة والتخلف.

 

 

___________________________________________________

ترجع مسؤولية محتوى هذا المنشور لمؤسسة بيت الصحافة, ولا يعكس بالضرورة موقف مؤسسة روزا لوكسمبورغ

مشروع خطوة نحو تعليم أفضل- تنفيذ بيت الصحافة – فلسطين وتمويل مؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد