الإرشاد التربوي المدرسي, الحاضر الغائب في قطاع غزة،بقلم: إكرام طباسي

إكرام طباسي

في قاعة الصف المدرسي يلتف الطلبة مركزين جل اهتمامهم وحواسهم على نصائح ذلك المرشد الاجتماعي، يسرحون تارة بتلك الصورة الذهنية الجميلة التي يرسمها في مخيلتهم حول كيفية مواجهة المشاكل التي تعترضهم وكأنها حدث عارض وينتهى في وقته، وتارة أخرى تجد الطالب خارج أسوار المدرسة معرض للضرب والإهانة من قبل زملائه الأخرين، فيقع الطالب بين تشتت إما ان يستمع لكلام بيئته المحيطة "اضرب متل ما بتنضرب"، أو أن يلتزم بتلك الصورة الذهنية الجميلة التي كونها في عقله ذلك المرشد.

إن الوضع السياسي القائم في فلسطين و غزة خاصة أدى للجوء للإرشاد النفسي بالمدارس، فالاحتلال وممارساته انعكست سلباً على نفوس وسلوك الأطفال, فتجد أنه تكون لديهم عنف داخلي وانطواء نفسي وانعكس ذلك على سلوكهم وتصرفاتهم. فلا تخلو أي شاشة عرض أو وسيلة إعلامية من مشاهد الدم والقصف والدمار. وهذا يتطلب بصورة ملحة وأساسية وجود إرشاد تربوي داخل المدارس، كما أن الانقسام والحصار وما نتج عنهما من وضع سياسي واقتصادي واجتماعي قاسي وصعب, انعكس سلباً على نفسية الطالب وبالتالي تقدمه وتطوره الشخصي والتعليمي.

والإرشاد التربوي يعنى بتنمية مهارات التوجيه الذاتي لدى الطلبة والوصول بهم إلى درجة الوعي لاستكشاف ذاتهم وقدراتهم وفهم ظروفهم وبيئتهم المحيطة، للوصول لدرجة النضج النفسي والاجتماعي الكافيين.

وكذلك فإن علاقة الإرشاد بالتربية والتعليم علاقة تكاملية، حيث تعتبر التربية الحديثة عملية الإرشاد جزء لا يتجزأ منها، وهو من المسلمات التربوية التي تقوم على التمكين والتوعية للطالب, في حين أن نتائجه تنعكس مباشرة على تعليم الطالب وتقدمه وتطور قدراته العقلية والمهارية والنفسية والاجتماعية. ومما لاشك فيه أن مجتمعنا والذي يقع تحت كم هائل من الضغوط والمشكلات التي يكون ضحيتها جميع فئات المجتمع الفلسطيني وخصوصا الأطفال, فإنه يقع على عاتق المسئولين في التعليم وصناع القرار تطوير نظام تربوي تعلمي متكامل يتبني منهج ونظريات وطرائق التعليم التحرري الذي يسعى لتحرير عقل الطالب وترسيخ ملَكة التفكير الإبداعي وتطوير المهارات للبناء والتحليل العلمي لكل ما يحيطه وتعزيز مشاركته في المدرسة وخارجها واحترام خبراته وقدراته.

وكون الإرشاد التربوي يسعى إلى تقوية وبناء شخصية المتعلم ليكون واثقاً قادرا على الانطلاق بنفسه وتحرير طاقاته من خلال المساهمة في التخفيف عنه وحل مشكلته السلوكية أو النفس اجتماعية, فإنه بذلك يهيئ هذا الطالب للمشاركة والتفاعل في العملية التعليمية التعلمية بما يحقق بناء وتطوير لمهاراته وقدراته العقلية. فعلى المرشد أن يتقرب من الطلبة كي يشعرهم انه وجد في المدرسة لأجلهم مما يسهم في كسب ثقتهم وودهم والراحة في طرح مشاكلهم وتقبل الحلول من الطرف الآخر.

ولكن نجد أن هناك عدة معيقات وحدود لتطبيق العملية التعلمية بطرق ومناهج أكثر تحررية وابتكاريه تتمثل في تكدس الصفوف بالطلبة, مما يعيق عملية الإرشاد الجمعي فلا يستطيع المرشد التعامل مع جميع الطلبة والاستماع لمشاكلهم ووجهات نظرهم، فهنا تجد دور المرشد يقدم نصائح عامة ويثقف الطالب أكثر من كونه يقدم المساعدة ويمارس أنشطة تربوية إرشادية سواء كانت وقائية أم علاجية ويسهم في حل مشاكلهم. كذلك يجد المرشد صعوبة في التواصل مع الأهالي، وذلك بسبب غياب الثقافة المجتمعية لمفهوم الإرشاد، نتيجة لعدم وضوح دور المرشد في المجتمع الفلسطيني بشكل عام, وعدم إدراك الأهلي لأهمية المتابعة مع المرشد المدرسي خللا العام الدراسي لأبنائهم في المدرسة.

ولا يخفى أهمية دور الإعلام في تسليط الضوء على قضايا التعليم بشكل عام لدى المجتمع في قطاع غزة وفلسطين عامة، حيث أن ضعف هذا الدور زاد من غياب الاهتمام بالإرشاد التربوي عن المشهد الفلسطيني وزيادة اهتمام المواطن بالمشاكل والهموم المحيطة بعيدا عن البحث في لحلول جذرية لها، وهناك الكثير من الاستراتيجيات والطرائق المتعارف عليها علميا وتربويا والتي يسهم إتباعها بالوصول للإرشاد التربوي التحرري ولكن المشهد الفلسطيني مغيب تماما عنها لكثرة التفاته حول مشاكل السياسية والاجتماعية والقضايا الطارئة المحيطة به كما تمت الإشارة إليها آنفاً.

ولعل أبرز هذه الاستراتيجيات متمثلة في المنهج الإنمائي ثم الوقائي ثم المنهج العلاجي. وبالنسبة للواقع الفلسطيني يتطلب تطبيق المناهج الثلاثة السابقة وتضافر الجهود لضمان نجاحها، وكذلك اشراك الطلبة في وضع الحلول ومعالجة اشكالياتها، وإشراك أولياء أمور الطلبة في تلك المهمة كي تصبح عملية تكاملية ولا يتعارض فكر الطالب ونظرته للحياة مع بيئته المحيطة.

وتكمن أهمية دور المجتمع المدني ومؤسساته للمشاركة في مناقشة كافة القضايا السلوكية لدى الطلبة، وكذلك خلق بيئة نموذجية للتعليم الفعال النشط من خلال جعله في سلم الأولويات، وتطوير المناهج الجامعية في مجال الإرشاد والتوجيه التربوي، وعدم إهمال حصص الإرشاد يجعلها في جدول المقررات الدراسية خلال الفصل الدراسي وبناء وتجديد قناعات إرشادية تربوية مما يحرر عقل الطلاب وذويهم وكذلك القائمين على العملية الإرشادية من الصورة النمطية التقليدية التي يقوم عليها المجتمع الفلسطيني للنهوض بالواقع.

ما إن يتم الوصول إلى إدراك متكامل للعملية التربوية التعليمية بالتشارك مع العملية الإرشادية, وتوسيع الأفق في التعليم ليتبني مفهوم وطرائق التعليم التحرري وإتباعها في التعليم وتطوير طرائق التدريس لدي المعلمين لتدرك قيمة عقل الطالب وتسهم جميع هذه المكونات في بناء وتوسيع أفق هذا العقل, فإننا بذلك نسهل بفاعلية في بناء جيل واعي ومثقف ومدرك لحقائق الأمور ويقود التطور والنمو في مختلف مناحي الحياة لمجتمعه ونفسه.

ترجع مسؤولية محتوى هذا المنشور لمؤسسة بيت الصحافة, ولا يعكس بالضرورة موقف مؤسسة روزا لوكسمبورغ

مشروع خطوة نحو تعليم أفضل- تنفيذ بيت الصحافة – فلسطين وتمويل مؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد