التعليم بالتلقين "البنكي" ما بين غياب الإبداع وهدر طاقات المتعلمين،بقلم: محمد الكحلوت

محمد الكحلوت

برزت معضلة التعليم التلقيني، أو «التعليم البنكي»، كما اطلق عليه المفكر البرازيلي التربوي باولو فريري في كتابه «تعليم المقهورين»، هي المعضلة التي باتت السمة الطاغية في واقع التعليم فلسطين.

يعدّ التعليم من أهم ركائز المجتمعات، وأهم عوامل في نهضتها، بل هو عنصر الحياة في المجتمع، فكل شرائح المجتمع، ومسمياته الوظيفيّة، حجر الأساس فيها هو التعليم.

بالرغم من أننا نعيش في زمن التقدم التقني الذي يتطلب التفكير والإبداع في حل المشاكل التي تستجد في كل حين، حيث تفتقد فصولنا الدراسية، الى الحوار والمناقشة ما بين الأستاذ والطلبة، وما يحدث في الفصول الدراسية أشبه بعملية الإيداع البنكي للمعلومات، لا يهم إن أدرك الطالب معناها أو لم يدركه، وما على الطالب سوى حفظ هذه المعلومات، وأحياناً كثيرة، المعلومات التي ستأتي في الامتحان فقط، ثم يقوم بطباعتها «بصرفها» على ورقة الامتحان.

وما إن تمر فترة قليلة من الزمن حتى تتطاير هذه المعلومات من ذاكرته، وبالتالي، بحسب هذا الأسلوب يكون مقياس اختبار الطالب هو مدى قدرته على التذكر وليس الإبداع في التفكير وحل المشكلات.

لم تعد المدرسة صديقة للطالب!! لماذا؟؟؟

تناهى إلى مسامعي مصادفة حديث دار بين مجموعة من طلاب الثانوية العامة ، حيث باح كل منهم بمشاعره تجاه أحد معلميه في المدرسة حباً أو كرهاً، تقبلا أو رفضاً، بينما انتقد بعضهم بشدة طريقته في التدريس أو أسلوبه في المعاملة.

وخلال لقائي مع محمد أحد طلاب الثانوية العامة الذي أباح لي كل غصة في قلبه اتجاه أسلوب التعليم المتبع في مدرسته، وهذا يدل على أن المدرسة لم تعد صديقة لطلاب!.

يقول محمد أن المعلم لا يهتم لجميع الطلاب، فقط يهتم بالطلبة الأوائل، وأنا مستواي التعليمي متوسط, في بعض الأحيان لا أقدر على استيعاب بعض المعلومات التعليمة التي يشرحها المعلم في الفصل، وذلك بسبب أن مستوى شرحه أعلى من مستوى فهمنا لذلك المنهج.

ويضيف حسام أنه لا يوجد وقت كافي بين الحصص "ما فيش تفريغ ما بين الحصص لحتي نقدر نستوعب كل مادة من المواد اللي معنا، وهدا بيأثر على مدى تركيزنا مع المعلم في الفصل، ما فيش استراحة لعقولنا".

و لأن التعليم هو الأساس في أي نهضة، لذلك يجب أن تكون له الأولوية في الاهتمام من قبل الدول.

وضحت الأستاذة وفاء الشطلي المستشار التربوي لمشروع خطوة نحو تعليم أفضل مدى تأثير التعليم التلقيني على الطلاب والمجتمع،وتقول أن التعليم التلقيني له تأثير كبير على الطالب المجتمع، وهنا تضع علامات الاستفهام حول عدة أسئلة، أي مجتمع نريد ؟واي مستقبل ؟وهل نريد مجتمع مزدهر متقدم يخلوا من العنف؟

اذن نحن بحاجة الى التركيز على اللبنة الاولى التي من شأنها الوصول إلى هذا المجتمع ألا وهي الطلاب وذلك بترك المجال لهم ليكونوا احرارا في اختياراتهم، شركاء في اختيار ما يريدون ان يتعلموه، وهذا لا يحدث إلا بتوفير بيئة حاضنة داعمة لهم من خلال التركيز على تغيير مفهومنا للمنظومة التعليمية التي تركز على التلقين وعدم اشراك الطلاب في العملية التعليمية.

وتضيف الغصين لو ركزنا على مفهوم التلقين فإننا سنرى وكأننا نعد اجيال بقوالب متشابهة من خلال تهميش دور الطلاب وجعله كآلة تردد وتعيد ما تم حفظه وبنهاية العام تصبح هذه الالة شبه معطلة عن الانتاج لان ما تم تلقيه تم استخدامه ووضعه جانبا دون ان يترك اثر في القيم والتوجهات والمعارف لدى الطلاب وبالتالي يصبح الإنتاج المعرفي ضعيف والابتكارات غير موجودة، لأن المجتمع تحكمه عقول تقليدية غير مبدعة مجترة للمعرفة.

وتشيد الغصين أن التعليم التحرري هو البديل في ظل ما يحمله من مبادئ وقيم وتوجهات تدعم التفكير لدى الطلاب، وتترك العنان للخيال،ولقد اثبت هذا النهج نجاحته على من قام استخدامه كنهج يحترم كينونة وانسانية الانسان.

وتضيف على سبيل الذكر نذكر المعلم والمفكر خليل السكاكيني الذي انتهج التعليم التحرري مع طلابه حيث استثمر العلاقات الانسانية لبناء جسر الثقة بينه وبين طلابه أعطاهم المساحة للتعلم من الطبيعة والبيئة المحيطة، وثق بهم ودعمهم فوثقوا به واعطوا افضل ما لديهم ركز على القيم والأخلاق قبل ان يركز على المعرفة ركز على مشاركة الطلاب ليكتشفوا ما لديهم من معارف وخبرات لا على ما لديه من معرفة، ونذكر باولو فريري الذي آمن بعقم التعليم البنكي الذي يجتر المعرفة دون وعي او معرفة من قبل المستضعفين.

وتقول أن التعليم التشاركي "التحرري" لم يطبق في فلسطين لان من امن بالفكر التحرري والتعليم التحرري هم نسبة قليلة جدا، ولا يوجد نشر او توعية لهذا الفكر لذا اصبح فئة من التربويين الذين يؤمنون بنجاح هذا النهج نتيجة لتطبيقه وممارسته مع من حولهم ولإيمانهم بان اول خطوة لتعلم هو تحرري التفكير من القيود التي يضعهم فيها التعليم التقليدي.

إن الهدف الأساسي لأي نظام تعليمي هو إعداد العقول القادرة على صنع المستقبل، والعقول المدربة على طرح الأسئلة والبحث عن إجابات عنها، العقول التي يمكنها ممارسة النقد وكشف أساليب القهر الذهني، القادرة على الإبداع، لا مجرد إعداد عقول لا تحسن سوى الحفظ وتعجز عن ممارسة التساؤل والاستفهام.

يقول فريري: "لا يوجد شيء اسمه عملية تعليم محايدة، فالتعليم إما أن يتحول إلى أداة تصهر الأجيال الصغيرة في النظام الحالي وتؤدي إلى الانصياع له، أو يصبح أداة لـ "ممارسة الحرية"، إنها الوسيلة التي من خلالها يتمكن الرجال والنساء من التعامل بشكل انتقادي وخلاق مع الواقع، ويكتشفون كيف يمكنهم المساهمة في تحرير مجتمعهم".

ترجع مسؤولية محتوى هذا المنشور لمؤسسة بيت الصحافة, ولا يعكس بالضرورة موقف مؤسسة روزا لوكسمبورغ

مشروع خطوة نحو تعليم أفضل- تنفيذ بيت الصحافة – فلسطين وتمويل مؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد