بعد أقل من 24 ساعة على مغادرة أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس قطاع غزة ، كانت طائرات الاحتلال تقصف مواقع عسكرية ومدنية وثقافية تمتد على مساحة القطاع من شماله إلى جنوبه.
كان من المفترض أن تكون التهدئة سيدة الموقف، فكل المؤشرات كانت تؤكد أن هناك تفاهماً برعاية عربية وموافقة ودعم أميركي.
ومن الواضح أن للتهدئة ثمناً سياسياً، فلا تهدئة مقابل تهدئة إلاّ في العرف الإسرائيلي، ففي جولة المواجهات الأخيرة كانت سلطات الاحتلال تطالب بتهدئة شاملة مقابل تهدئة، دون أي تنازلات سواء في قضية الحصار المتواصل بما ذلك إعادة فتح المعابر التجارية التي أغلقت قبل عدة أسابيع بحجة الطائرات الورقية الحارقة.
في المقابل، التهدئة الأميركية لا تقوم على أساس وقف إطلاق القذائف أو البالونات أو الطائرات الورقية الحارقة، ووقف مسيرات العودة على حدود القطاع. فهي في أساسها ترتكز إلى اتفاق سياسي واسع يكون مقدمة لإحداث اختراق في الجبهة الفلسطينية من أجل تمرير صفقة القرن .
المبادرة الأميركية حدودها ليست الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وحده فحسب، فهي ذات طابع إقليمي، تهدف إلى تشكيل حلف جديد في المنطقة تحت مسمى حلف الدول السنية وركيزته دول الخليج العربي، على أن تكون إسرائيل موجودة فيه بشكل علني ورسمي، لمواجهة الحلف الإيراني في المنطقة.
التهدئة التي جاء المكتب السياسي إلى غزة للاتفاق حولها تقوم أيضاً على فترة زمنية طويلة يتحدث الأميركيون فيها بلسان إسرائيل عن فترة تزيد على ربع قرن، فيما تقول مصادر مقربة من حماس إنها لعدة سنوات فقط.
تظهر قراءة لمقابلات مع قيادات حمساوية في الآونة الأخيرة أنه تحاول تبرير التهدئة طويلة الأمد، بالوضع الإنساني في قطاع غزة، وعدم قدرة المواطن على تحمل مصاعب اقتصادية وإنسانية أكثر، والحاجة إلى استراحة المحارب، خاصة أن لا حديث فيها عن سلاح المقاومة.
تبريرات قيادة حماس تُظهر وجهاً واحداً لهذه التهدئة، في حين أن الصحافة الإسرائيلية تتحدث عن عدم استخدام السلاح الحمساوي وإبقائه تحت الأرض مع وقف إدخال أي سلاح جديد، والتأكيد على وقف حفر الأنفاق أو استخدامها لأغراض عسكرية.
الإسرائيليون ليسوا أغبياء حتى يعطوا حماس «استراحة محارب». ولعل الغارات العدوانية يومي الأربعاء والخميس الماضيين هي رسالة واضحة إلى حماس كما جاء على لسان وزير الجيش الإسرائيلي وقادته وأيضاً في بيان الكابينيت الإسرائيلي.
قادة الاحتلال أجمعوا على أن عمليات القصف العدوانية هي رسالة واضحة إلى حركة حماس، بل أكثر من ذلك تم إعطاء قوات الاحتلال الضوء الأخضر للرد وبقوة على أي إشارة عسكرية تأتي من حدود غزة!
إذن التهدئة بالمفهوم الإسرائيلي لها ثمن كبير وخطير، وحماس تدرك ذلك، فهل هي مستعدة أو قادرة على دفع هذا الثمن أم أنها تحاول شراء مزيد من الوقت لعل الظروف تتغير في المنطقة.
في المقابل، حماس أمام خيار آخر صعب وهو المصالحة، وهي تحاول أن تلعب على حبلي المصالحة والتهدئة في آن واحد. وهذا أمر في غاية الصعوبة ولن ينجح.
إذا كانت حماس معنية بمصالحة حقيقية وقبول شروط السلطة الفلسطينية، فإن ذلك يعني بالنسبة لها إضعافاً كبيراً لدورها، وربما يعتقد بعض الحمساويين أنها بداية إنهاء حقيقية للحركة.
حماس تريد مصالحة بشروطها. مصالحة تحقق لها قوتها العسكرية والسياسية، وتساعدها على الخروج من الأزمة المالية وتخفيف الحصار عن قطاع غزة. والسلطة تريدها مصالحة من نوع آخر، تقوم على تمكين كامل للحكومة وسيطرة غير مشروطة للسلطة الفلسطينية على قطاع غزة، كما كانت عليه الأمور قبل الانقلاب في العام 2007، وهذا أمر مرفوض جملةً وتفصيلاً من حركة حماس.
إذن هناك خياران لا ثالث لهما، إما تهدئة مقابل ثمن سياسي وإما مصالحة مقابل ثمن سياسي أيضاً، فأيهما ستختار حركة حماس. لأن خيار حرب جديدة سيكون مدمراً لقطاع غزة وحماس أيضاً.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية