واقع التعليم التقليدي مشكلاته وحلولها،بقلم: هبه وليم صبيح

هبه وليم صبيح

مما لاشك فيه أن العلم والتعليم من أهم أسباب ارتقاء الأمم و تأخرها, حيث أن التعليم إذا ما كان مبنياً علي أسس صحيحة تقدمت الأمم وازدهرت في شتى مجالات حياتها بينما إذا كان التعليم مبنياًعلي أسس تخالف الصواب تخلفت وزجت تحت نير الجهل وانطمس منارها .

وإن جميع الحضارات والأديان قديماً وحديثاً أعطت التعليم مكانة مقدسة ورفعت المعلم وطالب العلم مكاناً عظيماً لمعرفتهم بأهمية دورهما في بناء مجتمع محب للعلم عاملاً به .

الناظر إلي واقع التعليم في قطاع غزة في الوقت الراهن, يجد أن التعليم يعاني كثيراً من المشاكل أهمها أن كثيراً من المهتمين في نهضة التعليم سعوا إلي علاجها غير مدركين للأسباب الحقيقية لتردي واقع التعليم. فتارة أشاروا إلي أن الحكومة والقائمين على التعليم هنا كوكالة الغوث لا تكرس المال الكافي للنهوض بعملية التعليم حتى وإن كان ذلك الأمر صحيحاً إلا أن الأسباب الحقيقية وراء ذلك ليست كذلك. غير أن بعضهم نسبوا هذا التردي إلي المناهج وعدم كفايتها في إعداد طالب علم حقيقي ونكرر القول أن هذا أخد الأسباب إلا أنه ليس السبب الحقيقي لتردي واقع التعليم أيضا!

إن المشكلة الحقيقية هي مشكلة مفاهيمية أكثر من كونها مالية أو غير ذلك, فعلينا أن نسأل سؤلاً جوهرياً يكشف لنا حقيقة التعليم: "ما هو التعليم في نظر القطاعات الأكاديمية في الوقت الراهن وما هو التعليم في حقيقة الأمر ؟؟"

وهنا ينبغي المعرفة أن القطاع الأكاديمي للتعليم والمجتمع يعرفون التعليم علي أنه حرفةٌ محصورةٌ في مكان "مؤسسة" وزمان محددين لإيصال كم من المعلومات لطالب العلم .

في حين أن التعريف الأقرب للصواب هو أن التعليم في حقيقة الأمر هو عملية مستمرة لا تنتهى بانتهاء زمان أو مكان. فطالب العلم مستمر في التعليم من الميلاد وحتى الممات لذلك على المؤسسات الأكاديمية والمجتمعية أن تسعى جاهدة من أجل تحقيق الهدف الحقيقي للتعليم .

ومن هنا فإننا نصل إلى أن الإشكال الأكبر هو الفهم العقيم والغير صحيح للعلم والتعليم حيث أن كل من طالب العلم والمعلم يتوجهان للقطاعات والمؤسسات الأكاديمية للحصول علي حرفة فقط, دون أهمية للمعنى الحقيقي للتعليم وهذا لا ضير فيه إن كان مبنياً علي أساس سليم فلا إشكال في ذلك إلا أن البعض يحترفون التعليم من أجل الحصول على المردود المادي للعملية التعلمية فقط غير آبهين لأهمية وحقيقة العملية التعلمية . ولهذا أثرٌ واضح في تردي المستوى العلمي, فلو قارنا نسبة الخريجين بنسبة التقدم العلمي واثره علي المجتمع لوجدنا أنه لا اثر جيد علي المجتمع بل لوجدنا أن تأثير الخريجين سلبي لأن لا المعلم يؤدي عمله كما يجب ولا المهندس ولا الطبيب وهذا بشهادة المجتمع من أداء من تقدم ذكرهم كبيرة ومستمرة .

وفي صدد أن الهدف الحقيقي والأسمى من التعليم والتعلم هو أن يكون المتعلم باحثاً عن الحقيقة في شتي مجالات العلم وهذا ما ينادي به منهج التعليم التحرري الذي قاده كبار الأدباء والمفكريين الفلسطينيين والعالمين منهم, المربي والأديب خليل السكاكيني, وتلامذته الذين ما زالوا معاصرين كزباد خداش ومنير فاشه وغيرهم, وعلى المستوى العالمي نجد البرازيلي باولو فريري ولعل كتابه تعليم المقهورين يقدم العديد من المبادئ والطرق التعليمية التي تناسب المجتمعات التي تسعى للانعتاق والتربية التحررية. .

وحيث نجد أن طرق التعليم السائدة كفيلة بإخراج طلبة عبارة عن أوعية تحمل المعلومات دون إدراكها كما أنها أي طرق التعليم كفيلة بقتل ملكة التفكر عند المتعلمين والطلاب لأنها تعتمد علي التلقين والتلقين فقط , فإن التعليم التحرري يسعى لخلاف ذلك من خلال مشاركة المتعلم في المعلومة من خلال خبراته ومهاراته ومعارفه السابقة, ومن خلال المشاركة بالبحث والحوار والتطوير, ولعل من رواد هذا المنهج دولة فنلندا وسنغافورة.

فتكمن مهمة المعلم في صنع تلميذ متفكر يعرف كيف يطرح الأسئلة وكيف يجيب عليها من خلال البحث المستمر, كما أنه يتوجب على قطاع التعليم توفير بيئة تعليمية ونفسية وتوفير الإمكانات الأساسية والمالية اللازمة لأن يتمكن المعلم والمتعلم من ممارسة الحياة التربوية التعليمة سواء داخل الغرفة الصفية والمدرسة أو خارجها بكل حرية وابتكار.

في النهاية ما لم نعمل ونسعي لتصحيح هذه المفاهيم والعمل بها فلن يكون هناك نهضة للمجتمع الذي هو نتاج سلسلة مراحل تربوية تعليمية يصبح بعدها الطلاب هم الجيل المكون لشكل ومضمون وثقافة هذا المجتمع.

ترجع مسؤولية محتوى هذا المنشور لمؤسسة بيت الصحافة, ولا يعكس بالضرورة موقف مؤسسة روزا لوكسمبورغ

مشروع خطوة نحو تعليم أفضل- تنفيذ بيت الصحافة – فلسطين وتمويل مؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد