من المعلم الذي نريد من منظور التعليم التحري؟ ،بقلم: لينا راضي

لينا راضي

في سعيه الحثيث دوما نحو التطور ومواكبة العصر والتغيرات في محيطه, إلا أن العديد من المعيقات تقف حائلا في وجه التعليم في فلسطين وقطاع غزة على وجه الخصوص. فالمنظومة التعليمية القائمة ما زالت تعتمد على نظام لا يخلو من إيداع المعلومة في عقل الطالب من قبل المعلم والكتاب المقرر في المناهج, وعلى صعيد الكثير من المعلمين, فيعتبر المعلم نفسه بقصد أو بدون قصد هو محور التوجيه "الديكتاتوري" الذي يحاول من خلاله اخضاع طلابه لأفكاره وآرائه باعتبار انه الوحيد الذي يمتلك المعلومات والقادر على تفسيرها، بدلاً من محاولة استخدام أسلوب الحوار والمشاركة من أجل فهم طلابه واكتشاف مواهبهم وقدراتهم. ومن هنا نجد ان الطالب يقوم بحفظ المعلومات الملقنة له رغما عنه من أجل إرضاء معلمه والنجاح في الامتحانات بتقدير جيد وما ان تنتهي المرحلة حتى ينسى الطالب كل ما تعلمه، وتستمر العملية التقليدية ذاتها في كل سنة دون أي تغيير او تطوير او ابداع يذكر.

لا خلاف على أن المعلم ثروة بشرية مستدامة وقدوة لملايين الطلاب الذين يبحثون عن شخص مُلهم ومؤثر يساعدهم في النجاح والإبداع ، حيث تكمن وظيفته ودوره الأساسي في زيادة دافعية الطالب وتحسين أدائه وتحصيله الدراسي بكافة الوسائل، فيعمل على تطوير مهاراته وخبراته والرقي بنموه المهني وتنمية موارد المجتمع بكافة الجوانب المختلفة.

وعلى الرغم من أن المناهج الدراسية ومشاركة الأسرة والمجتمع المحلي من العوامل التي تسهم في تحسين مستوى المدرسة وإنجاز طلابها، إلا ان العامل الأكثر تأثيراً هو المعلم. حيث يعد اختيار المعلمين الفعَّالين أمراً بالغ الأهمية للمدارس التي تسعى لتحسين أدائها واستبدال التعليم التقليدي بالتعليم التحرري ، الذي يعطي المعلم دوراً يُتيح للطالب فرصة المشاركة في التعليم والتعلُّم والتعبير عن نفسه بحرية ، وعامل مساعد على دمج الطالب بالنشاطات المنهجية واللامنهجية والتي تؤدي إلى بلورة مواهبه وتفجير طاقته وتنمية قدراته وتكامل شخصيته.

ويمكن الحديث عن نمط التعليم التحرري كبديل أو مضاد للتعليم البنكي القائم, هذا النوع من التعليم يعطي الأولوية للمتعلم باعتباره هو العنصر الذي تتسخر كل المقومات لبنائه وتطويره وتنميته. فيتمثل دور المعلم في التعليم التحرري في مساعدة الطلاب في عملية التعليم والتعلم،فلا يكون مجرد ناقل للمعلومات والمعارف حيث مهمته ان يعمل كمرشد وموجه، ويوظف مهاراته وخبراته ومعارفه لمعاونة الطلاب على توظيف معارفهم في المجالات التعليمة و الحياتية المتنوعة.

يكمن الهدف من وظيفة المعلم في التعليم التحرري هو مساعدة الطالب على التنمية الشاملة ،فيعتبر المعلم مسؤولًا عن تحقيق هذه الأهداف السلوكية من خلال أدائه التربوي بطريقة إيجابية عن طريق اتباع أساليب حديثة تدعم الطالب وتضمن نشئته تنشئة سليمة. فعلى المعلم أن يسعى دائماً لتطوير خبراته ومهاراته من خلال الاطلاع على خبرات المهنة الحديثة ويقوم بدوره بنقل هذه الخبرات إلى طلابه بشكل إيجابي وفعال.

من جهة أخرى فإن مستوى تحصيل الطلاب يعتمد بشكل كبير على أداء المعلم، فالمعلم الناجح هو الذي يقوم بتوظيف اللوائح المتعلقة بتقويم الطلاب في المجالات المعرفية والوجدانية والمهارية بشكل موجه وفعال مستخدماً أساليب التقنية وتكنولوجيا التعليم مع مراعاة المستوى التحصيلي لتلاميذه.

وبغض النظر عما يفعله المعلم داخل أو خارج الصف فإنه يعتبر نموذجاً للطلاب. فكل سلوك يقوم به المعلم يكون بمثابة نموذج سلوكي يحتذى به من قبل الطلاب، ويعتبر المعلم ناقلاً للثقافة ومساعداً لتحقيق سلوك اجتماعي إيجابي لدى الطلاب قائم على الانضباط والنظام بالإضافة إلى تعزيز دور المشاركة وإشاعة الجو الديمقراطي الهادف لرعاية الطلاب.

في واقعنا الفلسطيني يواجه المعلم العديد من التحديات التي تؤثر على عمليته التعليمية وتعيق أدائه، حيث يفتقد أبسط حقوقه سواء المادية او المعنوية نتيجة للحصار المشدد الذي أدى إلى تراجع اقتصاد البلد وعدم قدرة الوزارة على القيام بدورها في إسناد العملية التعليمية والمعلم مما اثر سلباً على أدائه في العمل وتعامله المباشر مع الطلبة.

إلا أن الاستراتيجيات الحديثة لمنظومة التعليم في فلسطين, تسعى حالياً على تطوير منهجية تبادل الخبرات بين الكادر التعليمي وتسعى لتعزيز مشاركته في عملية التخطيط التربوي وصنع القرار بالإضافة إلى العمل على إيجاد بيئة داعمة للابداع والعطاء.

يعد تطوير المعلم من جميع الجوانب خطوة أساسية من اجل النهوض بالتعليم التحرري ولذا يجب العمل على التنمية المهنية للمعلم فيتوجب إعداده إعدادا كاملا اكاديميا ومهنيا وثقافيا وتربويا من اجل ان يكون قادرا على التفاعل بابداع مع متطلبات تخصصه ومستجدات العصر.

لابد من تنظيم اللقاءات والجلسات الحوارية والنقاشات داخل المدرسة للمعلمين بغرض استعراض المستجدات التي طرأت على الميدان التربوي والسبل والطرائق التي استحدثت في الموضوعات التي تهم مختصي التربية والتعليم التعليم بشكل عام والمعلمين بشكل خاص, بالإضافة إلى عقد دورات قصيرة او طويلة المدى لتدريبهم على أساليب التدريس القائمة على المشاركة والحوار والتفكير الناقد وغيرها مما ينعكس إيجاباً على بناء شخصية سوية فاعلة في المدرسة والمجتمع .

ترجع مسؤولية محتوى هذا المنشور لمؤسسة بيت الصحافة, ولا يعكس بالضرورة موقف مؤسسة روزا لوكسمبورغ

مشروع خطوة نحو تعليم أفضل- تنفيذ بيت الصحافة – فلسطين وتمويل مؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد