يحكى أن غلامين اثنين خرجا من منزليهما في فجر ذات يوم، تقلهم سيارة مسرعة في طريق ملبدة بالسراب الذي لا يشبه الغيوم.


وعن أحد الغلاميين في حديث صحيح "روى" أنهما كانا يقصدان رحلة خارجية، الجزء الأول منها كان مبهجاً خصوصاً وأنه تميز بجمع ما تبقى لإتمام الأمن الغذائي لهما، وخيال السائق الذي بدى يتحدث لهما بشغف عن صورة الواقع الذي رسم في وجدانه عن العالم، رغم عدم خروجه من مدينته وهو اليوم في العقد الخامس من عمره وربما يزيد.


وبينما كان أحد الغلاميين يسرد لصديق حكاية الجزء الأول من الرحلة، ضحك الغلام الثاني ساخراً من سباقهم في القاعة "1" لحجز مقعد في الحافلة التي أعدت للرحلة الصماء سلفاً، وعن احساسهم الذي كان ملهماً لحب الرحلة وحافزاً للصبر حين بدأت تتقدم الحافلة ببطء شديد نحو القاعة "2"، فالقاعة الثانية تستكمل ما قبلها، ولا تضيف شيئاً جديداً سوى أمر الناس بالنزول والصعود من جهة، ومناداة ظابط أمن لأحد الغلاميين بهدف تحقيق غاية من خلال مجموعة أسئلة طفولية ربما تهدف لملئ مكانته الوظيفية من جهة أخرى.


لكن سرعان ما صعد الراحلون إلى حافلتهم بعددهم الثمانية والستين وسط حالة سخط كبير، وتساؤلاتهم عن سبب النزول والصعود خلال مسافة لا تتجاوز بضع كيلومترات قصيرة دون شئ.


لكن الواضح أن تعدد القاعات يدلل على قوة وأهمية السلطات التي تقدس فكرة الطاعات.. 


 وما أن واصل الرحلون طريقهم، ودخلت  الحافلة بوابة  جديدة تبعد عن سابقتها مسافة تقدر  ب400 متر ، محاطة بجدار أسمنتي يفصل بين السلطتين، كان مشهد  علم الدولة يزين مدخل القاعة  رقم "3" وهو يرفرف رغم وجعه بفعل تآكل أجزاء رئيسة وكبيرة منه وغياب الحارس اليقظ عنه.


من جديد أُنزل الراحلون ومعهم الغلامين في القاعة رقم "3" وصعدوا دون شئ، لاسيما مشهد الابتسامة التي رسمت على محيا رجل مسن وهو يقدم نفسه لسيدة بهدف مساعدتها خلال رحلة السفر الصماء، وهو في حالة تعب واضحة بفعل المشقة التي فرضت عليه، رغم ذلك  فإن الموقف كان مبهجاً وظريفاً لكل نبيه، خصوصاً مع هروب السيدة منه التي بدأت تنتقل من مكان إلى مكان بفارق الزمان.


وما أن تقدم الزمن قليلاً تقدمت الحافلة وتوقفت على مدخل القاعة " 4/4" وأنزل الناس وسقطت الأرقام الثلاثة، ودخل الغلامين والراحلين كلٌ يحمل كتابه بيمينه مسرعاً تجاه نافذة الشرطي الذي يختم  الخروج. 


  وما أن خرج الراحلون جميعاً من منطقة 4/4 كبر التفاؤل وبدأ وداع الأهل والوطن من خلال مكالمات هاتفية يطمئن كلٌ من أراد.


خطوات وخطوات حتى وصلت الحافلة للجانب الآخر من العالم الذي يقصده الراحلون الذين  منحهم القدر  فرصة الخروج من غزة المحاصرة.


كل شئ أصبح جميلاً والسعادة تملأ قلوب الناس اللذين طال إنتظارهم لهذه اللحظة التاريخية بسماع صوت شرطي بلهجة عربية غير الفلسطينية يمازحهم لسماعه صوت اليسا  الفنانة اللبنانية التي يصدح صوتها بين المسافرين الراحلين وهم يواصلون طريقهم المظلم بعد، فيدخلون مرحلة جديدة من الحب والانتظار في قاعة السفر، حب الرحيل وانتظار النتيجة التي لم تكن حسب الأعمال والطاعات بكل تأكيد.


لا شئ يوحي بالطمأنينة لأحد كل يترقب ويدعوا بالنجاح والفلاح في ساحة صغيرة لكنها تفيض بالقصص والحكايا، وتكثر فيها دموع الألم الذي غاب عنها رب الرعية واكتفي بارسال من يقول، لسنا هنا بالسفارة الأمريكية.

تكدست أعداد الرحلون عن المدينة الحزينة، وكل ما وصل فوج جديد فرح الجالسين كثيراً،  والكل ينتظر  النتيجة التي بدأت تخرج مع دخول ساعات الليل الأولى، والناس يفترشون الأرض متعبين من زمن طويل قضوه في حب الخروج من المعاناة التي أوصلتهم لأشد وأقوى.


وبينما يبتهج بعضهم باستلام نتيجة النجاح، كان البعض يجمعون حقائبهم ليعودا من حيث أتوا في أجواء حزينة

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد